الوضع الإقليمي …المبادرة قبل ردات الفعل

458
د. خالد واصف الوزني
وكالة المرفأ الاخبارية : في المشهد الإقليمي منذ بداية العام الحالي إرهاصاتٌ إيجابية للغاية، بدأت منذ فترة في المشهد العراقي، بانتهاء سيطرة الدواعش على مناطق متعددة، وتحرير البصرة، ثمَّ الانتخابات العراقية الأخيرة، وأخيراً تكليف رئيس وزراء، تشير الدلائل الأولى إلى أنه يرغب في صناعة الفرق والتحرّك بما ينفع البلاد والعباد.
وقد جاء المشهد في سورية ليضيف إلى الإيجابيات التي ولدها المشهد العراقي، فمن إعادة سيطرة الدولة على أراضيها إلى عودة خطوط الطيران، إلى عقد اتفاقات تهدئة، إلى الخبر السار بفتح الحدود البرية مع الأردن، كل ذلك بمثابة أخبار جيدة للغاية للاقتصاد الأردني. نحن أمام تحوّلات إيجابية لا ينفع معها ردود الفعل، بل لا بدَّ من المبادرة والتقدم بمشروعات والعمل على وضع خطط قابلة للتنفيذ ضمن أطر ثلاثة؛ الأول الإطار الداخلي، والثاني الإطار الإقليمي، والثالث الإطار العالمي. في الإطار الداخلي علينا البدء فوراً بوضع خطة متكاملة نبادر من خلالها إلى معرفة كيفية الاستفادة من الأوضاع الجديدة في العراق وسورية.
وهنا حتى أكون محدداً، يجب على الحكومة تشكيل خَليّة عمل وطنية، تقودها وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وتتكوّن من عدد من أصحاب العلاقة من القطاع الخاص بالدرجة الأولى، ثمَّ من الجهات ذات العلاقة من جمارك وجهات أمنية ومواصفات ومقاييس، ووزارات متخصّصة مثل الزراعة والصناعة والتجارة والصحة وغيرها من الجهات. على الحكومة بشكلٍ محدَّدٍ أن تعلن اليوم وقبل أيّ وقتٍ عن ذلك التوجُّه، وأن تكون جادة في عقد اجتماع موسّع مع القطاع الخاص، للبدء فوراً بتنفيذ مخطّط مشترك، وأن يُكَلَّفَ القطاع الخاص، وخاصة غرف التجارة والصناعة، بالتنسيق مع زملائهم من القطاع الخاص السوري والعراقي، لتحقيق أكبر قدر ممكن من منافع للجانبين، أي للشعبين وللحكومتين.
علينا أن نخرج من إطار ردود الفعل إلى المبادرة، هناك حاجة إلى تفعيل ما يُسمّى نظام الإنذار المُبكر الذي يساعد الدولة على تحقيق أهدافها في حالات الحرب والسلم، وفي استشعار تأثير كلّ ما يحدث في الفضاء الداخلي والإقليمي والدولي. داخلياً، علينا مرة أخرى وعلى الفور تفعيل عمل الصندوق الوطني الاستثماري السيادي الذي تمَّ إصدار قانونه ونشره في الجريدة الرسمية، ثمَّ توقّف عند ذلك الحد، هذا الصندوق هو أحد أهم سبل المبادرة للاستفادة ممّا يتمّ وسيتمّ في العراق وسورية من مشروعات كبرى وخاصة في مجال إعادة الإعمار. تفعيل عمل هذا الصندوق هو بمثابة المدخل إلى دولة الإنتاج التي طالب بها جلالة الملك، وهو سبيل إقناع الغير بجدية الشراكة مع القطاع الخاص المحلي أولاً، ثمَّ الإقليمي والدولي في تشجيع الاستثمار واقتناص الفرص القادمة.
أمّا في الإطار الإقليمي، فعلينا اقتصادياً، أن نسعى من خلال قطاعنا الخاص ومؤسَّساته المعروفة للبدء على الفور بدعوة القطاع الخاص العربي، والصناديق السيادية العربية إلى العمل ومن خلال الأردن في وضع المبادرات، وفي التخطيط للمجالات التي يمكن من خلالها الانطلاق نحو الفرص الواعدة في العراق وسورية، وعلينا على الفور المبادرة إلى عقد اجتماع، أو لنقل: منتدى إقليماً أولاً، وقبل أن نتحرك نحو الإطار العالمي، منتدى بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص السوري والقطاع الخاص العراقي، نخرج من خلاله عبر توصيات عملية، بمبادرات تساعد الجميع على تجاوز المرحلة الماضية من جهة، وتخلق مصالح مشتركة بين الجميع من جهة أخرى، المهم أن يشارك القطاع الخاص العربي بشكل فاعل، وأن يأخذ مساحة كاملة وحرية كاملة في اجتراح ما هو مطلوب من مشاريع وآليات عمل ومن كيفيات عملية تساعد على الوصول إلى فرص نحن جميعاً أولى بأن نستفيد منها، وأن نحقق من خلالها فوائد للقطاع الخاص العربي، والأهم أن نحقّق فرص عمل حقيقية للشباب العربي من الجنسين، والذين باتت البطالة في صفوفهم لأعلى بين مناطق العالم أجمع. أمّا في الإطار العالمي، فإنَّ الأردن قَدَّمَ الكثيرَ وتحمّل الكثير منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، مروراً بالحرب على العراق عام 2003، وانتهاءً بما شهدته الساحة العراقية في مواجهة إرهاب داعش، وما شهدته من نزاعات داخلية بين القوى السياسية، كما أنَّ الأردن تحمّل أيضاً ما لا يطاق من الأزمة السورية بدءاً بأزمة اللاجئين، وانتقالاً إلى توقُّف المنطقة الحرة المشتركة، ثمَّ إغلاق الحدود، وتوقُّف التجارة البرية مع لبنان ومع أوروبا عبر تركيا، وتأثُّر استثمارات أردنية كبيرة، وخاصة في مجال البنوك، والمجال المالي.
اليوم والعالم يتطلّع إلى الفرص في سورية، وخاصة إلى فرص إعادة الإعمار، فإنَّ من حقّ الأردن أن يكون الأول على طاولة العمل العالمية، وهذا يستدعي المبادرة الجادة من قِبَل الحكومة، وهنا الحاجة إلى تحرُّك مشترك بين وزارة الخارجية ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، للجلوس على طاولة إعادة الإعمار التي بالضرورة سيكون مفتاح عملها في روسيا، علينا أن نلجأ إلى مؤتمر عالمي، وأن يتمَّ التنسيق في ذلك مع الحكومة السورية والحكومة الروسية، بشكلٍ أساسيٍّ، لكي يكون دوراً مسانداً وأساسياً في هذه العملية.
إن لم نتحرّك فلن يتحرّك الآخرون من أجلنا، المبادرة تتطلّب أن نتحرّك ضمن خطة واضحة وبرنامج واضح يضعه المختصون وينتقلون به إلى العواصم العالمية المعنية، وعلينا أن نبادر بمجموعة إجراءات خاصة تؤدي إلى أن نلعب دور حقيقي في عمليات الإعمار في العراق وسورية، أبسط الحلول استغلال المناطق التنموية والحرة في المفرق وعلى الحدود السورية ووضع إجراءات خاصة بعمليات الإعمار القادمة، هناك حاجة إلى إصدار تعليمات خاصة وإجراءات خاصة بعمليات الإعمار، إمّا أن نبادر وإمّا أن نقبل بردات الفعل وبأن يكون لنا الفتات، أو أن نعود فنقبل أن يستفيد بعض أصحاب المصالح دون أن تستفيد الدولة ككل والاقتصاد الوطني أيضاً.

أتمنى على الحكومة أن تتحرّك اليوم في هذا الموضوع وفي أطره الثلاثة المحلية والإقليمية والعالمية، والبداية بتفعيل الصندوق الوطني السيادي، وتشكيل فريق عمل تابع لرئيس الوزراء ويرفع تقارير إليه، ويتشكّل من مسؤول مباشر، وعدد من المختصين، بعضهم متفرغ وبعضهم عبر لجان مختصة، مع ضرورة أن يكون هناك أعضاء مختصين من مؤسَّسات القطاع الخاص، ومن مستثمرين ورجال أعمال أردنيين ذوي علاقات في الدولتين، سورية والعراق. وفي الختام، على الأردن أن يقرر عبر حكومته في هذا الأمر، ما إذا كان يريد أن يكون مبادراً أو أن يقبل دور متلقي الصدمات الإيجابية والسلبية وردود الفعل المرتبطة بها، والتي قد لا تخدم الاقتصاد الوطني حتى في الحالة الإيجابية.

قد يعجبك ايضا