قصص لاعتداءات جنسية صادمة .. صديق عائلة دعا طفلة للعب في الحاسوب فاعتدى عليها جنسيا ..عمان “تفاصيل”

2٬124

وكالة المرفأ: أمام قاضي محكمة الجنايات الكبرى، مثلت “مها” ابنة الـ15 عاما تشهد في قضية هتك عرض تعرضت لها قبل عشر سنوات.

دخلت مها “اسم مستعار” للقاعة وحيدة دون مرافقة أحد من ذويها أو محام، طلب منها القاضي التعرف على شخص من خلف الحاجز، بعد ذلك باشر بطرح أسئلة على الفتاة تتعلق بالحادثة، التي وقعت قبل أن تتم عامها الخامس، فيما اقتصرت إجابتها على عبارة “لا أذكر شيئا”.

حالة من الصدمة النفسية أصابت الطفلة بعد خروجها من قاعة المحكمة، لتتوجه لوالدها بالسؤال: “ليش أنا هون؟ ليش بسألوني هاي الأسئلة؟ ومين الزلمة ورا الحاجز؟”.

يروي والد مها تفاصيل قضية ابنته التي تحولت من ضحية بجريمة هتك عرض لمذنبة بجريمة شهادة زور.

تعود تفاصيل القضية لصيف العام 2007 عندما خرجت مها مع شقيقها الأصغر للعب في الحي، حينها دعاهم جار وصديق العائلة لمنزله للعب على جهاز الحاسوب، بعد استدراج الجار للطفلين حاول الاعتداء جنسيا على الطفلة التي هربت وتوجهت لوالدتها مخبرة إياها بفعل الجار.

يقول والد مها: “أخبرتني زوجتي بما حصل، اصطحبت ابنتي فورا وتوجهنا لحماية الأسرة والتي حولتنا لمدعي عام الجنايات الكبرى”.

أمام المدعي العام قدم الأب أقواله، كما استمع المدعي العام لأقوال الطفلة. يقول الأب “تدخلت بعض الأطراف لدفعي لإسقاط الحق الشخصي بحجة أن الاستمرار بالقضية سيؤثر سلبا على ابنتي وسيجعل من الحادثة أمرا معروفا للجميع”.

تم الاتفاق بين عائلتي المتهم والضحية بأن ينتقل المتهم وعائلته من المنطقة. يبين الأب: “لم نسمع عنهم شيئا منذ ذاك الحين، لم نتحدث مع ابنتي بهذا الموضوع بتاتا، حرصنا أن نساعدها على النسيان”.

لم يكن والد مها يدرك أن إسقاط الحق الشخصي بقضية الاعتداء على ابنته لا يمنع ايقاع عقوبة الحق العام، صدر بحق المتهم حكم غيابي بالإدانة بالقضية، بقي المتهم فارا من وجه العدالة لنحو عشر سنوات إلى أن تم إلقاء القبض عليه العام الماضي.

يضيف الأب: “في حزيران (يونيو) 2017 بُلغت بإلقاء القبض على المتهم، وطُلب مني الحضور وابنتي للمحكمة للشهادة بجلسة إعادة المحاكمة”.

حالة من الصدمة والإرباك سيطرت على والدي مها، يقول الأب: “ما عرفت كيف افتح معها الموضوع، قلتلها يابا بدنا نروح على المحكمة عشان كان في مشكلة قديمة مع جيرانا، إنت اللي بتتذكري جاوبي عليه واللي مش متذكريته قولي ما بعرف أو مش متذكرة”.

دخلت الطفلة للقاعة وحيدة لا تعرف شيئا عن سبب استدعائها، وجدت نفسها وسط قضية لا تعلم عنها شيئا. أمام وطأة الصدمة والجهل بالموضوع والخجل من الأسئلة المحرجة اقتصرت إجابة الطفلة لكافة الأسئلة على جواب “لا أذكر”، بناء على إجابتها تمت تبرئة المتهم من تهمة هتك العرض، فيما تم تحويل الطفلة لمدعي عام محكمة الأحداث.

بسبب ما اعتبر تناقضا بأقوال الطفلة بين إفادتها أمام المدعي العام، العام 2007 وقاضي الجنايات العام 2017، أسند قاضي الأحداث لمها حكما غيابيا بتهمة شهادة الزور وإيداعها لمدة 3 سنوات بدار تأهيل الفتيات الأحداث التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية كعقوبة لها.

بعد تحويل ملف الطفلة للوزارة، التفت مراقب السلوك للفارق الزمني بين إفادتي الطفلة، وصغر سنها بإفادتها الأولى. بموجب اتفاقية تعاون بين الوزارة ومركز العدل للمساعدة القانونية، حول موظف الوزارة عائلة مها للمركز للحصول على مساعدة قانونية.

تقدمت محامية مركز العدل باعتراض على قرار قاضي الأحداث، خُفضت العقوبة لعام مع وقف التنفيذ، ما دفع المحامية لاستئناف القرار لتنقض محكمة الاستئناف قرار محكمة الأحداث وتحكم بعدم مسؤولية الطفلة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

اعتبرت “الاستئناف” أن “بيانات النيابة لم تكن كافية لإثبات كافة أركان وعناصر شهادة الزور، بناء على ذلك فسخت القرار وحكمت بعدم مسؤولية الطفلة”.

تقول المحامية التي تولت القضية الهام أبو لبدة توجهنا للاستئناف من منطلق ان الطفلة لم تكن قد اقترفت أساسا جرم شهادة الزور “فهي عندما أدلت بأقوالها امام المدعي العام كانت دون سن التمييز، فضلا عن أنها لم تقدم إفادتها تحت القسم القانوني نظرا لصغر سنها”.

بحسب قرار “الاستئناف” فإن “الطفلة أدت الشهادة أمام المدعي العام وهي بسن 5 سنوات أي غير مميزة وبالتالي فإن شهاداتها غير مقبولة بتاتا، كما أن تلك الشهادة لم تكن تحت القسم وغير ذات أثر بالدعوى الجزائية”.

واعتبرت المحكمة أنه “كان على المحكمة استبعاد الشهادة المعطاة أمام المدعي العام لا أن تأخذ بها كدليل مع شهادتها المعطاة أمام “الجنايات الكبرى” حيث ذكرت انها لم تذكر وقائع الجرم، ولا أحداثه وهذا صحيح حيث أدت شهادتها امام المدعي العام وهي بعمر 5 سنوات عندما كانت غير مميزة”.

وتساءلت “الاستئناف” بقرارها: “فكيف تذكر الطفلة ما حصل معها بعد عشر سنوات من الواقعة؟”، معتبرة انه “كان على محكمة الدرجة الاولى اعلان عدم مسؤولية الطفلة”.

بصدور قرار “الاستئناف”، شعرت عائلة مها بنوع من الارتياح، يقول الأب: “مها تعبت وكل البيت تعب، تعبنا نفسيا كثير، لو يرجع فيّ الوقت كان أخذت حقي بإيدي وما رحت محاكم”.

300 طفل يراجعون بقضايا جنسية

مها تعد واحدة من 278 طفلا راجعوا محكمة الجنايات الكبرى العام 2017 كضحايا بجرائم اعتداءات جنسية، فيما لم تتمكن من الوصول لعدد القضايا التي تم الفصل بها من مجموع هذه الشكاوى.

تبين المحامية أبو لبدة أن “قضية مها وإن كانت استثنائية ببعض تفصيلاتها، تحديدا المتعلقة بالسن، لكن هناك العديد من حالات الاطفال المشتكين بجرائم الاعتداءات الجنسية يتحولون لمتهمين بشهادة الزور نتيجة لتناقض أقوال الحدث بين المدعي العام والمحكمة”.

وتلفت الى أن التحويل للمدعي العام بتهمة شهادة الزور “صلاحية تقديرية” إلا انه على أرض الواقع يتم التوسع بتطبيقها.

يحدد قانون الأحداث 2014 سن المسؤولية الجزائية على الأطفال بـ12 عاما، ما يعني انه بحسب الصلاحية التقديرية للقاضي يمكن أن يتم تحويل الطفل الذي يبلغ من العمر 12 عاما وأكثر، وتناقضت أقواله بين شهادته أمام المدعي العام والقاضي لمتهم بشهادة الزور.

بحسب أرقام محكمة الجنايات الكبرى فقد ورد العام 2016 للمحكمة 332 قضية اعتداء جنسي واقعة على الأطفال (هتك عرض واغتصاب وخطف جنائي)، وفي العام 2017 كان العدد 278 قضية، بينما وصل العام الماضي وحتى تشرين الأول (اكتوبر) الى 319 قضية، اي ما متوسطه 300 طفل يراجعون سنويا “الجنايات الكبرى” كمعتدى عليهم بقضايا الاعتداءات الجنسية.

لم تتمكن من الوصول لعدد الحالات التي تم الفصل بها من مجموع الشكاوى المقدمة منذ بداية العام 2016 وحتى تشرين الأول (اكتوبر) 2018، لكن مصدرا قضائيا قدر أن تكون نسبة الادانة بقضايا الاعتداءات الجنسية على الأطفال بنحو 30 الى 35 %.

يقول المصدرإن “غالبية أحكام البراءة تعود لأسباب تتعلق بعدم كفاية البينات أو أن الأدلة غير مقنعة وفيها شك يقود الى الحكم بالبراءة للمتهم”.

ويوضح “في الغالبية الساحقة من أحكام البراءة تكون اقوال الطفل متطابقة في التفاصيل الجوهرية لما ذكر أمام المدعي العام والمحكمة، لكن ما يجري أنه عندما تدرس هيئة المحكمة شهادة الطفل مع باقي البينات وتوازنها وتفحصها وتقارن الشهادات مع واقع الحال تصل لنتيجة أن البينات غير مقنعة وفيها شك يقود الى براءة المتهم”.

ويزيد “بالتالي فإن من يتم تحويلهم لمدعي عام الاحداث بتهمة شهادة الزور لا يشكلون سوى نسبة قليلة جدا من الحالات الواردة لمحكمة الجنايات”، لافتا في ذات الوقت الى أن قانون الأحداث يحدد سن المسؤولية الجزائية على الأطفال في الفئة فوق 12 عاما، أي ان الطفل تحت هذا السن غير مسؤول عن تناقض أقواله أمام المحكمة.

خلال اجتماع سابق للفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف قال النائب العام لمحكمة الجنايات الكبرى القاضي أشرف العبدالله إن “الواقع العملي يظهر أن احكام البراءة تفوق بنسب عالية أحكام التجريم”، مبينا أن “أحكام البراءة تكون إما لأسباب ترتبط بأن هذه الشكاوى كيدية أو لوجود أخطاء شكلية في القضية”.

تشكل الإناث من الأحداث الغالبية العظمى من المتهمين والمدانين بقضايا شهادة الزور، فبحسب احصائيات مديرية الأحداث والأمن المجتمعي التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية للعام 2017 فقد دخل لدور تربية وتأهيل الأحداث الخمس التابعة لها 42 حدثا بين متهم ومدان بتهمة شهادة الزور، منهم 28 أنثى و14 ذكرا.

في تفصيل الأرقام بلغ عدد الموقوفين من الأحداث المتهمين 36 طفلا منهم 22 فتاة و12 ذكرا، أما المحكومون فبلغ عددهم 8 منهم 6 إناث وذكرين.

أما احصائيات العام 2018 ولغاية كانون الأول (يناير) الماضي فتبين أنه دخل لدور الأحداث 45 حدثا بين متهم ومدان بقضايا شهادة الزور، منهم 28 انثى و17 ذكرا.

وفقا لذات الاحصائية، فإن عدد الموقوفين بلغ 33 طفلا منهم 20 فتاة و13 ذكرا، أما المحكومون فبلغ عددهم 12 طفلا منهم 8 فتيات و4 ذكور.

الرسم التفاعلي: إعداد أحمد غنيم

ولا تحدد احصائيات وزارة التنمية خلفية قضايا شهادة الزور التي اوقف وحكم بها منتفعو هذه المراكز، لكن مصدرا قضايا قال لـ”الغ” إن غالبية أحكام شهادة الزور على الأحداث تتعلق بادعاءات وشكوى كيدية بقضايا الاعتداءات الجنسية.

من جهتها تدعو أبو لبدة لضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحالة النفسية التي يكون فيها الطفل، مبينةً “غالبا ما يسيطر الخوف والارتباك على الطفل خلال المحاكمة، ذلك فضلا عن طول أمد اجراءات التقاضي وهروب الطفل في بعض الاحيان الى النسيان لتفاصيل مؤلمة، جميعها عوامل تدفع لوقوع تناقض بأقوال الطفل الضحية”.

وتشير كذلك لعوامل أخرى تؤثر على شهادة الطفل كسهولة تضليله أو التأثير عليه لتغيير أقواله وفي بعض الأحيان استغلاله من قبل بالغين لتقديم إفادة غير صحيحة.

تشدد أبو لبدة على ضرورة توفير بيئة تقاض صديقة للطفل، ليس المتهم فقط بل الضحية والشاهد، وذلك من خلال توفير المساعدة القانونية للضحايا وتوفير التهيئة النفسية للطفل قبل الدخول للمحكمة من خلال اخصائي نفسي واجتماعي وتعريفه بالمحكمة وزيارتها قبل الإدلاء بالشهادة، الى جانب ضمان توفير الآليات والتقنيات التي تضمن تجنيب الطفل تكرار تقديم الإفادات وتعريضه لذكريات مؤلمة.

المساعدة القانونية ومنظومة تقاض صديقة للطفل

تتفق مديرة مركز العدل هديل عبد العزيز مع أبو لبدة بالرأي، وتقول: “ليس كل طفل غيّر أقواله هو مرتكب لشهادة الزور، هناك عوامل عدة تؤثر بهذا السياق، المطلوب التعامل معها بما يضمن تحقيق العدالة ومصلحة الطفل الفضلى وليس محاسبة الطفل على تناقض بالاقوال قد يكون ناجما عن خوف، او نسيان او تهديد او اجبار”.

تلفت عبدالعزيز لمجموعة قضايا بشهادة الزور تعامل معها المركز لاطفال كانت قد وقعت عليهم اعتداءات جنسية، إحداها لطفل (15 عاما) أجبر على تغيير أقواله بالمحكمة بعد أن تم تهديد عائلته من قبل أقارب الجاني “بلاش يصير بابنكم الثاني نفس الشي”.

وتبين: “ينتمي الطفل لعائلة وافدة، شعور العائلة بالاستضعاف دفعهم لاقناع ابنهم بتغيير أقواله خوفا على أبنائهم الآخرين”.

مونتاج الفيديو: مراد ميرزا

وتعرض عبدالعزيز لحالات أخرى تم بها عرض مبالغ مالية على العائلات مقابل دفع الطفل لتغيير أقواله، تقول: “احدى القضايا التي تعاملنا معها كانت لفتاة (12 عاما)، غيرت أقوالها بعد أن حصلت عائلتها على مبلغ مالي من عائلة الجاني”.

وتضيف: “كانت الطفلة على وشك أن تحكم بشهادة الزور، لكن كون تقديم إفادتها للقاضي كان قبل بلوغها سن 12 عاما بأسبوع سقطت عنها التهمة لانها لم تكن بلغت سن المساءلة القانونية”.

تقر عبدالعزيز كذلك بوجود عدد من القضايا الكيدية، التي يستغل بها بالغون الأطفال لتقديم شكاوى كيدية إما بقصد الابتزاز أو الانتقام أو بحالات الخلافات الأسرية، لكنها تتساءل في ذات الوقت: “هل الحل لهذه المشكلة معاقبة الطفل؟ وهل يتفق العقاب هنا مع مبادئ العدالة الإصلاحية؟”.

وتقول: “حتى وإن كانت تلك القضايا كيدية فالأصل ملاحقة ومحاكمة الشخص الذي استغل الطفل وحرضه للإدلاء بشهادة زور الى جانب توفير الحماية له”.

وتتابع “لا أذكر أنه في أي قضية تابعناها كمركز تم ملاحقة المحرض”. وتشدد على ضرورة التعامل مع هذا النوع من القضايا وفق منظومة عدالة اصلاحية وليس عقابية.

وتبين عبد العزيز، “المطلوب توفير المساعدة القانونية للأطفال وأسرهم بهذه الحالات منذ البداية بمرحلة تقديم الشكوى وتعريف عائلة الطفل بإلاجراءات المتبعة لضمان حق الطفل وحمايته وعدم إفلات الجاني من العقوبة”.

وتوضح “عادة ما يجهل الطفل وعائلته بالإجراءات القانونية، هذا قد يدفع لتحويل الطفل من شاهد لمتهم، المساعدة القانونية هنا مهمة ليس فقط لإدانة الجاني إنما كذلك لحماية الطفل”.

الخبيرة بقضايا الأحداث، العين فداء الحمود تشدد على ضرورة دراسة العوامل المحيطة والتي تدفع الطفل لتغيير أقواله، مبينة أن “هذه العوامل تندرج بين النفسية والاجتماعية والاقتصادية”.

وتتابع الحمود، والتي كانت شغلت سابقا منصب قاضي أحداث، أن “طول أمد التقاضي بهذا النوع من القضايا قد يسبب ارباكا للطفل، بالتالي ينسى بعض التفاصيل ويغيرها”.

وتلفت كذلك لأسباب تتعلق باستغلال الأطفال من قبل بالغين للإدلاء بشهادات زور، مبينة ان “غالبية الحالات التي تعاملت معها بشهادة الزور كانت تقع ضمن نطاق أسري بعائلات تعاني تفككا أسريا”.

وتشير إلى قضية تولتها قبل أعوام، عندما لقنت أم طفلتها للإدلاء بشهادة زور ضد والد الطفلة، رغبة بالانتقام بعد أن ورد لمسامعها رغبة الزوج بالزواج من ثانية.

أما الحالات الأخرى، وفقا للحمود، فهي التي يتم بها حث الطفل على تغيير أقواله لأسباب اقتصادية، وتبين “ببعض الحالات وبعد تقديم الشكوى تعرض عائلة المتهم على عائلة الضحية مبلغا ماليا مقابل تغيير أقوال الطفل، تساهم العقوبة المخففة والأوضاع الاقتصادية الصعبة لبعض العائلات بقبول هذا الخيار، ما يجعل الطفل مدانا بشهادة الزور”.

ترى الحمود أن التعامل مع هذه المشكلة “يتطلب الإسراع بالنظر بالقضايا لضمان أن لا يحصل تغيير بالشهادة نتيجة لبعد الفترات بين الشهادات وتفعيل استخدام التقنيات الحديثة كالربط التلفزيوني المباشر وتقنية تسجيل شهادة الأطفال بالفيديو، اضافة لإجراء تعديلات على قانون الأحداث توفر حماية أكبر للاطفال من استغلالهم بشهادات الزور الكيدية”.

تقنيات الربط التلفزيوني وتسجيل الفيديو

في العام 2011 فعّلت محكمة الجنايات الكبرى تقنية الربط التلفزيوني المباشر بالمحكمة بعد الانتقال لمبناها الجديد بالجويدة، بحيث يدلي الطفل دون 18 عاما شهادته بقضايا الاعتداءات الجنسية بغرفة مقابلة لقاعة المحكمة، بحيث تتمكن هيئة المحكمة والنيابة العامة والمتهم والدفاع من مشاهدة الطفل أثناء إدلائه بشهادته، وتم تصميم تلك التقنية بحيث لا يشاهد الطفل أي شخص داخل القاعة باستثناء رئيس الهيئة الحاكمة.

رغم ذلك، فإن هذه التقنية ما تزال تواجه عددا من العقبات، والمتعلقة بعدم تفعيلها بشكل مستمر أو تعطلها وبالتالي تضطر المحكمة للاستماع لشهادة الطفل بالطرق التقليدية، كما تم بحالة “مها” التي اجتمعت بقاعة واحدة مع المعتدي عليها.

العام 2017 تم تعديل المادة 158 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث أوجبت المادة الاستماع لشهادة الطفل المجني عليه بجرائم الاعتداء على العرض من خلال التقنية الحديثة ما لم يتعذر ذلك، رغم تعديل النص ما تزال هناك عقبات تواجه تفعيل التقنيات.

في ورقة كان قدمها النائب العام لمحكمة الجنايات الكبرى القاضي أشرف العبدالله في مؤتمر “مصلحة الطفل الفضلى” في تشرين الأول (اكتبور) الماضي، والتي حصلت على نسخة منها، اعتبر العبدالله انه رغم أن الاستماع لشهادة الأطفال بتقنية الربط التلفزيوني حققت أهدافاً إيجابية بسبيل تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، إلا أن من عيوب التجربة أن الطفل ووفقاً لهذه التقنية يضطر للحضور لمبنى المحكمة والدخول إليه وأحياناً كثيرة يدخل من ذات القاعة التي يتواجد بها الشخص الذي قام بالاعتداء عليه، وذلك للوصول للغرفة الخاصة والمجهزة بالربط التلفزيوني.

واعتبر أن “لذلك تأثيرا بالغا على هذا الطفل وذلك بالنظر إلى أن هذه المحكمة تختص بقضايا بالغة الخطورة كالقتل”.

يشير العبدالله كذلك الى إشكالية تعطل الربط التلفزيوني وقيام المحكمة مضطرة للاستماع للطفل بالطرق التقليدية، اضافة لعدم تجهيز دائرة مدعي العام بوسائل التقنية الحديثة ما يعني حضور الطفل للدائرة للنظر بقضايا بالغة الخطورة وهي غير مجهزة حتى بأماكن خاصة لانتظار الأطفال.

في السياق يبين الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة محمد المقدادي إن هذه الفجوات بالتطبيق دفعت المجلس وبالشراكة مع المجلس القضائي وإدارة حماية الأسرة لعقد ورشة تدريبية حول تفعيل الإنابة القضائية لسماع شهادة الأطفال عبر تفعيل نص المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وتنص المادة 92 على أنه “يجوز للمدعي العام أن ينيب أحد قضاة الصلح بمنطقته أو مدعي عام آخر لإجراء معاملة من معاملات التحقيق بالأمكنة التابعة للقاضي المستناب وله أن ينيب أحد موظفي الضابطة العدلية لأي معاملة تحقيقية عدا استجواب المشتكى عليه”.

كما تنص “يتولى مستناب من قضاة الصلح أو موظفي الضابطة العدلية وظائف المدعي العام في الأمور المعنية بالاستنابة”.

يوضح المقدادي وفقا لهذه المادة “يتم العمل على تفعيل تقنية تسجيل الفيديو لشهادة الاطفال من قبل موظف ادارة حماية الاسرة المستناب من المدعي العام ليتم استخدام التسجيل من قبل المدعي العام، ما يوفر على الطفل الضحية مسألة إعادة الإدلاء بشهادته”.

يخضع ضباط ادارة حماية الأسرة وفقا للمقدادي لتدريب وتأهيل على تلقي إنابات قضائية من المدعين العامين للاستماع لشهادة الطفل المجني عليه باعتداء جنسي داخل الإدارة وباستخدام التقنية الحديثة، بحيث لا يضطر الطفل للحضور لدائرة المدعي العام للإدلاء بشهادته ويُكتفى بشهادته المأخوذة من قبل مدعي عام منتدب من ضباط إدارة الحماية، وذلك لحين تجهيز دوائر الادعاء العام بوسائل التقنية الحديثة.

مونتاج الفيديو: مراد ميرزا

يؤكد مقدادي أن الغاية من تطبيق تسجيل الفيديو تجنيب الطفل تكرار الإدلاء بشهادته وذلك مراعاة لحالته النفسية، اضافة لأن الفيديو يعد وسيلة فاعلة بحال طبق بحرفية ليتم اتخاذه كدليل، خصوصا أن الإفادة الأولى للطفل غالبا ما تكون الأكثر دقة كونها أقرب لوقت وقوع الحادثة.

وفقا لمقدادي، فقد تم البدء بالتطبيق التجريبي لهذه التقنية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

الى جانب تدريب ضباط “حماية الأسرة” على الإنابة، قام المجلس بتدريب المدعين العامين والضباط على التعامل مع الأطفال ضحايا العنف وطريقة أخذ الإفادة منهم، بما يتناسب وحالتهم النفسية والاجتماعية، اذ تم التدريب بالتعاون مع معهد العناية بالأسرة وتناول طريقة أخذ الافادة من الطفل في حالة الصدمة النفسية.

يأمل مقدادي أن “تعمم تجربتا الربط التلفزيوني والفيديو على كافة محاكم المملكة بالقضايا التي يكون بها الأطفال ضحايا أو شهودا”، ويقول “نأمل كذلك أن يتم تفعيل تقنية الربط التلفزيوني بحيث يقدم الطفل شهادته للقاضي ببث مباشر دون اضطراره للتوجه للمحكمة، بحيث يدلي بها بأحد مكاتب ادارة حماية الأسرة القريبة من سكنه”.

ويتابع: “بذلك سيتجنب الطفل تجربة دخول المحكمة بتواجده بمكان مؤهل وصديق للطفل، بحيث يشعر براحة نفسية أكبر أثناء إدلاء شهادته اضافة لتجنيبه وعائلته مشقة التنقل للوصول للمحكمة”.

أهمية استخدام التقنيات الحديثة

وحول أهمية استخدام تقنيات الربط التلفزيوني والفيديو، يبين مدير ادارة حماية الأسرة العقيد فخري القطارنة إن الأدلة الطبية بحالة الاعتداءات الجنسية “لا تمثل سوى جانباً بسيطاً من التحقيقات، إذ يستند تشخيص الاعتداء الجنسي لحد كبير لرواية الطفل أو الكشف النفسي والاختبارات العملية”.

ويضيف: “تتميز المقابلة المصورة مع الطفل بأنها ذات أهمية كبرى بالإثبات خاصة، وأن أغلب حوادث العنف الجنسي على الأطفال تتم بظروف غاية بالسرية، وقد تفتقد أحياناً للشهود أو أدلة الإثبات، خاصة بالحوادث التي يتم التبليغ عنها بعد مرور فترة زمنية طويلة نوعاً ما على حدوث الاعتداء، وبالتالي قد لا يتوفر أي معطيات عن طبيعة الحادثة إلا من خلال أقوال الطفل نفسه، لذا توفر المقابلة المصورة إثباتاً بصرياً واضحاً لتقديم الطفل لنفسه وتبين سلوكياته وقت المقابلة وتسهم لحد كبير بتشكيل القناعة الوجدانية للقاضي، وخاصة مع الأطفال الصغار حيث قد تشمل المقابلة استخدام الأدوات المساعدة لشرح طبيعة الحادث، ولهذا السبب يكون التسجيل المصور أفضل من التسجيل الصوتي والإفادة الخطية إذا اقتنع القاضي بأن الطفل لم يكن عرضة للتأثير من شخص آخر أثناء التصوير”.

من جانبها، ترى المحامية أبو لبدة أنه “رغم أهمية استخدام التقنيات الحديثة ودورها بتجنيب الأطفال فان التساؤل هو هل ستوفر تلك التقنيات الحماية فعليا للطفل؟”.

وتقول: “رغم إباحة المادة 158 لاستخدام الإنابة القضائية، لكنها بذات الوقت تتيح للمدعي العام الحق باستدعاء الطفل حال شعر أن هناك حاجة لمزيد من الاستيضاحات والأسئلة، ما يعني اضطرار الطفل للإدلاء بأقواله مرة أخرى والذهاب للمحكمة”.

ترى أبو لبدة ان التعامل مع هذا الأمر “يكون من خلال وجود مدعي عام منتدب بادارة حماية الأسرة مسؤول عن التحقيق بدلا من استنابة الضباط لأخذ الافادة”.

وتشدد على ضرورة توفير الضمانات اللازمة لتفعيل هذه التقنيات بشكل مستمر، لافتة الى العثرات بتفعيل تقنية الربط التلفزيوني والتي أدت كثير من الحالات لحصول مواجهة بين الطفل والمتهم.

الغد

قد يعجبك ايضا