خطوط حمراء!

555
الدكتور يعقوب ناصر الدين
بعد أيام قليلة من عودة جلالة الملك عبداالله الثاني من زيارة لواشنطن وصفت بأنها على درجة عالية من الأهمية، توجه جلالته إلى الزرقاء ليلتقي مع أبنائها، وليعلن من هناك أن قضية القدس بالنسبة له خط أحمر، وأن موقفه لن يتغير أو يتبدل بشأن الولاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي مقدمتها الحرم القدسي الشريف، والمسجد الأقصى المبارك.

أرادت قلة توجيه الأنظار عن أهمية هذا الإعلان الصريح، وعن الضغوط التي يتعرض لها جلالة الملك، نحو طرح تساؤلات حول تعبير المملكة الهاشمية، الذي استخدمه جلالة الملك في سياق تأكيده على التمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات في مدينة القدس، وهي الوصاية التي يجمع عليها الأردنيون والفلسطينيون والعرب والمسلمون جميعا، وتلك المحاولة البائسة لتوجيه الأنظار بعيدا عن لب القضية ليست بريئة !

جلالة الملك مطمئن إلى أنه مسنود في موقفه هذا من شعبه ومن الأمتين العربية والإسلامية وأنصار الحق في العالم كله، وهو على يقين أن لا شيء يمكن أن يغير من الحقائق الدينية والتاريخية والقانونية بشأن القدس، وأن جميع الاجراءات التي يتخذها الاحتلال الإسرائيلي باطلة بحكم القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، حتى وإن اعترفت الإدارة الأميركية بها عاصمة لليهود، ونقلت سفارتها إليها، ذلك لا يغير من تلك الحقائق شيئا، حتى لو لامست الإدارة الأميركية بذلك الخطوط الحمراء جميعها!

جلالة الملك يعرف كيف تفكر الإدارة الأميركية، وكذلك الإدارة الإسرائيلية، وتغريدة الرئيس ترمب بشأن السيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية، ليست مفاجئة بالنسبة له، فقد كانت الخطوة الثانية التي دعا الإسرائيليون الرئيس الأميركي الإقدام عليها، بعد اعترافه بالقدس عاصمة لهم، وهم اليوم يطالبونه بالخطوة الثالثة، أي الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية من منطلق الحفاظ على أمن إسرائيل، تلك المهمة التي يقول وزير الخارجية بومبيو إن االله أرسل ترمب إلى الأرض من أجلها، وأنه واثق من أن الرب يعمل معهم!

هذا الرجل واحد ممن اجتمع معهم جلالة الملك خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، فماذا عن البقية مثل نائب الرئيس مايك بنس، ومستشاري البيت الأبيض جاريد كوشنير، وجيسون غرينبلات، وأي نتائج استخلصها من المحادثات المعمقة مع لجان مجلسي النواب والكونغرس الأميركي، وهل يمكن قراءة ما أعلنه من الزرقاء من موقف صارم تجاه القدس إلا في سياق عدم التسليم بالأمر الواقع، والتوكل على االله، والتمسك بالحقوق العربية والإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة؟

كثيرة هي الخطوط الحمراء، ولكن هناك خطاً أحمر نراه بوضوح، وهو عدم المساس بوحدة الموقف تجاه هذه القضية، والتشكيك في قدرتنا على مواجهة هذا الانحراف في إدارة الشؤون الدولية، أو التقليل من عزيمة التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، والاستيلاء على الحرم القدسي الشريف، ظنا من البعض أن ذروة عنجهية القوة بلا نهاية، إنها في الحقيقة في بداية سقوط تدريجي !

قد يعجبك ايضا