بالتزامن مع محاولة التقارب مع السعودية والإمارات وتفاعل مع «واقعية» السيسي.

الاردن فجأة وقف التصعيد مع الإدارة الأمريكية في ملف القدس وتحجيم مشروع «الانفتاح» على إيران

1٬132

وكالة المرفأ: الإيعاز الذي صدر لرئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة بعنوان إلغاء محتمل لترتيبات زيارته المقررة على رأس وفد برلماني إلى طهران نهاية الشهر الجاري له ما يبرره عمليًا، عندما يتعلق الأمر بقراءة المستجد والطارئ في الخطاب الرسمي الأردني، الذي ابتعد بدوره نسبيًا عن التصعيد والتمحور خارج سياقه الكلاسيكي.
الطراونة كان قد تحمّس للمشاركة في مؤتمر إيراني دُعي إليه تحت عنوان «التضامن مع القدس» وأجرى اتصالات انفتاح في الأثناء مع مسؤولين سوريين ولبنانيين.
لكن هذا الحراك قُرئ باعتباره تعبيرًا عن طموح شخصي للرجل، ولاحقًا قُرئ على أساس أنه استباق للأمور في توقيت لا يناسب الدولة ومركز القرار.
الجديد هو ما يتردد عن تقليص أجندة مشاركة البرلمان الأردني في مؤتمر طهران واحتمالية أن يتراجع الطراونة عن زيارتها لمصلحة توليفة أخرى في الوفد البرلماني المشارك.
الدلالة السياسية هنا واضحة الملامح، وتؤشر على أن عمّان ولأسباب غامضة ومستجدة حتى اللحظة تُخفّض من سقف توقعات استعدادها للانفتاح على محور إيران والنظام السوري، من دون البقاء في دائرة التصعيد عندما يتعلق الأمر بملف القدس.
أي مجاملة أردنية للنظام الإيراني مرحليًا لا بد أن تخضع للتحجيم، حتى لا تنتج عنها مواجهة مع الإدارة الأمريكية، عمّان في غنًى عنها، ولا تسعى لها، خصوصًا أن الإدارة الأمريكية الحالية تَرْكَبُ بغلاظة موجة التغيير في طهران. وهو واقع سياسي مفروض على الإيقاع الأردني الذي لا يملك أدوات لمواجهة الإدارة الأمريكية، سواء بالملف الإيراني أو غيره، بعد تناقض المواقف في ملف القدس.

موقف الأردن

تحكم الأردنيين ودوائرهم اليوم قواعد عمل أقل صخبًا سواء في مواجهة الإدارة الأمريكية واتجاهاتها وخياراتها، خصوصًا بعد الرسالة المتعلقة بعدم وقف المساعدات المالية من واشنطن، برغم موقف الأردن المعاند في الجمعية العمومية على هامش ملف القدس.
عمّان بهذا المعنى تميل إلى الهدوء، وتخطط للاحتفاظ بموقعها لدى الإدارة الأمريكية على أساس منع ما حصل في ملف القدس من تطوير مواجهة تعارضية.
ويتم اليوم التعبير عن ذلك بأكثر من شكل وقول وفعل، ومن المرجح أن يكون تخفيض سقف توقعات الإيرانيين باللجوء إليهم والتعاون معهم من العناوين التي تتقصدها المؤسسة الأردنية وهي مقاصد قد تطال لاحقًا فترة أقصر من البقاء في أحضان خطاب ومشروع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع محاولة الاحتفاظ بعلاقات واتصالات متقدمة معه.
يمكن القول إن التعبير الأهم عن فلسفة القرار الأردني في الاتجاهات سالفة الذكر تم رصده من خلال العبارة التي تحدث بها مساء الاثنين العاهل الملك عبد الله الثاني، عندما ربط بين مصالح بلاده وضرورة بقاء واستمرار التواصل مع الإدارة الأمريكية.
الخطاب الملكي وفي لقاء خاص مع رئاسة وأعضاء لجان البرلمان بعد ظهر الاثنين لجأ إلى تكثيف محتوى رسالة سياسية واضحة حول العلاقة مع الإدارة الأمريكية الحالية، حيث لا بد من بقاء الاتصال مع هذه الإدارة لأن «الفراغ يضر بمصالح الأردن».
تلك لغة ميّالة بوضوح إلى عدم التصعيد مع الإدارة الأمريكية وفي حال الاستنباط السياسي وقراءة ما بين الأحرف والأسطر، يمكن بناء استنتاج جديد هو أن الأردن لن يقف أو يفكر أن يساند المقترحات التي تتحدث عن استبدال الرعاية الأمريكية لعملية السلام والمفاوضات، الأمر الذي أغضب في الأرجح وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في اللقاء السداسي الذي استضافته عمّان السبت الماضي.
معنى الكلام الأعمق أن الأردن قد لا يدعم خطاب السلطة الفلسطينية ومطالب المتشددين العرب، عندما يطالب بوقف التعاون مع الراعي الأمريكي لعملية السلام حتى بعد قرار الرئيس دونالد ترامب المثير بنقل السفارة، لأن عبارة «فراغ يضر بمصالحنا» الواردة في النص الملكي تعني أن ميزان المصلحة الأردنية يتطلب وقف التصفيق لأي اقتراحات تصعيدية ضد الإدارة الأمريكية من دون التفريط بطبيعة الحال بالموقف الأردني من حقوق الشعب الفلسطيني ومن قضية القدس فهو موقف راسخ وثابت كما قال الملك تماما لرؤساء لجان البرلمان.

زيارة خارجية

هذه التفاعلات طفت على السطح، في بنية وأدبيات الخطاب الأردني بعد زيارة خارجية للملك عبد الله الثاني، لم تُعلن تفاصيلها، وبعد اتصال هاتفي جرى بينه وبين ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.
وليست مصادفة أن تطفو هذه المؤثرات على سطح الخطاب الأردني اليوم، بعدما زار وزير الخارجية السعودي عادل الجبير عمّان رفقة وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش على هامش اجتماع وزراء الخارجية الستة العرب رفقة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، حيث بدا لجميع المراقبين أن عمان تتحمس لاستئناف الاتصالات والتنسيق مع السعودية والإمارات.
كما بدا أن شيئًا ما لايزال غامضًا حصل خلف الكواليس، بدليل أن الإيحاء بأن الرباعية العربية ولدت مجددًا على هامش اجتماع عمّان وأن التسريبات الهاتفية الشهيرة التي تحمل بصمة ضابط مخابرات مصري برزت على شكل علامة فارقة من الحليف المصري للأردن حيث ارتفعت في مصر نغمة التعامل الواقعي مع ملف القدس التي أصبحت إسرائيلية بالتزامن مع انفراد الرئيس عبد الفتاح السيسي بترشيحه للمرة الثانية في انتخابات الرئاسة ومن دون منافسين، بعدما تدخلت قوى خفية لمصلحة صمت أو إصمات منافسه الذي كان يمكن ان يكون مرشحا قويا الجنرال أحمد شفيق.
الأردن يقرأ جيداً موقف بقايا النظام الرسمي العربي والحديث عن فراغ مع الإدارة الأمريكية ضد المصالح الوطنية العليا يهيئ لموقف مستجد يلتزم بمقاييس ومواصفات تلك الواقعية التي يتحدث عنها المصريون والسعوديون خصوصًا أن عادل الجبير أبلغ بوضوح عدم وجود الحاجة لعقد قمة استثنائية عربية في عمان قبل قمة الرياض في آذار المقبل.
المناخ أقل تصعيداً في معسكر الاعتدال العربي هذه الأيام خصوصًا في مواجهة إدارة الرئيس ترامب بالتزامن مع كل ما يقال عن صفقة القرن.
الأردن لا يريد أن يجد نفسه وحيداً من دون مدرسة الحلفاء التقليديين في مواجهة معركة خاسرة، الأمر الذي يساند التكهنات بعنوان استدراك محتمل في الموقف العربي عموما يميل إلى الواقعية كما يتردد في ملف القدس مع التمسك بطبيعة الحال بالخطاب القديم الذي يعتبر القدس الشرقية عاصمة الدولة فلسطينية ويتمسك بخيار حل الدولتين.القدس العربي

قد يعجبك ايضا