مؤتمر «الوسطية» يرفض دعوات الاستعلاء والإقصاء والتحزب

1٬019

وكالة المرفأ الاخبارية : اختُتم مؤتمر “الأمن المجتمعي وأثره في وحدة الأمة” الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع المنتدى العالمي للوسطية، تحت رعاية الدكتور هاني الملقي، رئيس الوزراء، وذلك في عَمَّان في يومي 18و19/رجب/ 1439هـ الموافقين 4و5/أبريل/2018م، بمشاركة جمهرة من المفكرين والعلماء والباحثين والمسؤولين من المملكة الأردنية الهاشمية والدول العربية والإسلامية.

وفي افتتاح المؤتمر ألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى كلمة أكد فيها على خطة الرابطة في مكافحة قوى الشر التي عبثت بأمن مجتمعاتنا وهددت المجتمع الإنساني، وأدخلت المنطقة إلى فوضى الاقتتال والاحتراب الذي لم يقدم للأمة المسلمة إلا مزيداً من بعثرة الموارد الوطنية، وتفجير الخلافات المذهبية، وغيرها مما نراه من ظلال كئيبة على المستويين الإسلامي والعالمي.

كما ألقى المهندس مروان الفاعوري الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية كلمة انسجمت مضامينها مع كل طرح دعوي إيجابي وخطاب عقلاني متوازن ومعتدل.

وتدارس المؤتمر مشكلة الإخلال بالأمن الفكري ، وما نتج عنها من فساد عريض، جعل المجتمع العربي والإسلامي نهباً للأطروحات الفكرية المتطرفة التي نالت من قوته ووحدته وآماله في مستقبل مشرق، ورأى أنه نتيجة متوقعة لحالة تغييب الوعي، وضمور الفكر، والاستسلام للمشاعر الحالمة، والخطاب الانفعالي المنفصل عن الواقع، وأكدوا ضرورة البحث عن صيغة للتوافق المجتمعي بين المكونات المختلفة ، تحقق العدل، وتضمن للجميع حقوقهم في مجتمع تعددي آمن، يسعد في جنباته الجميع.

ودعا المؤتمر إلى الانتقال بالأمة المسلمة من دائرة الإمكان الحضاري إلى دائرة الفعل الحضاري، وذلك بتعزيز الوسطية، ونشر الوعي، والانتقال من الرؤية الجزئية الضيقة لعالم اليوم إلى الرؤية الكلية الشاملة، ومراعاة ما يستتبعه ذلك من إعادة ترتيب الأولويات، والاهتمام بقضايا المشترك الإنساني.

وقد أكد المشاركون على جملة من الأسس والركائز الفكرية التالية:
– الإسلام دين الوسطية والاعتدال والرحمة، ولا يجوز التهاون مع الصورة المشوهة التي تقدمها قوى التطرف، والتي تعبر فيها عن سوء فهم أو سوء قصد للإسلام ، وتتعارض مع أصوله وشرائعه، وتجعل المجتمع المسلم هدفاً مشروعاً لكل القوى المتربصة.
– التسليم الإيجابي بالفروق الطبيعية بين البشر مفضٍ إلى الإيمان بسنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية، وهو مؤذن بضرورة بحث الفرقاء عن صيغ تعايش آمن وادع يُسلِّم بوجود الخلاف، ويتجاوزه إلى التوافق حول المشتركات الإنسانية والوطنية.

– تاريخ الإسلام يزخر بإثراء حضاري فريد أسهم في مسيرة الحضارة الإنسانية، وزاوج في عطائه بين إشراقة الروح ومطالب الجسد، وقدم للإنسانية الأنموذج الذي يسعدها في الدنيا والآخرة، والمسلمون اليوم قادرون على تقليص الفجوة الحضارية ، واستعادة التجربة الحضارية الرائدة، واستلهام دروسها وعبرها.

– الحفاظ على الهوية الإسلامية، والاعتزاز بالانتماء الحضاري الإسلامي لا يتعارض مع التفاعل مع المشترك الإنساني، ولا يحول دون الإفادة من مكتسبات الحضارات الأخرى.

– الأمن المجتمعي يتحقق بتضافر الجهود بين مؤسسات الوطن الواحد الأمنية والدينية، وبالعمل الفاعل في الجامعات والمنظمات الشبابية لمواجهة الفكر المنحرف ومعالجة شذوذاته بالتربية والتثقيف والتحصين الذي يقي الشباب من أحابيل القوى المتطرفة، ويرسخ المفهوم الإسلامي الشامل لحب الوطن والذود عنه وحمايته من الأخطار.

– الممارسات الشاذة لبعض المحسوبين على الإسلام، وارتكاسهم فيما يدينه من جرائم القتل والترويع لا يبرر ظاهرة التخوف من الإسلام التي تمثل الوجه الآخر للتطرف، وتكرس الشقاق بين المجتمعات والإنسانية، وتؤسس لثقافة الكراهية مع ملايين المسلمين الذين يوقنون أن الإسلام هو دين السلام والتعايش، وهو رحمة الله للعالمين.

– الدعوات الطائفية والمذهبية والعرقية والاثنية ثلمة تدمي المسلمين، وتعمق جراحاتهم، وهي تعبير عن ضيق الأفق، وعدم إدراك الواقع والمتغيرات، والإصرارُ على استعادة مشكلات التاريخ، وإعادة إنتاجها موقف مشبوه وغير مسؤول يفضي إلى إشعال الفتن بين المسلمين وخنق قضاياهم المصيرية، وصرفهم عن معالجة التحديات الآنية، واستشراف مستقبل أفضل.

التوصيــــــــــات:
– يتشرف المشاركون في هذا المؤتمر برفع أسمى عبارات الشكر والثناء إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، ملك المملكة الأردنية الهاشمية على ما أبدى من توجيهات سامية كان لها أكبر الأثر في تسهيل مهمة المؤتمرين وإنجاح المؤتمر ليشكل هذا المؤتمر قيمة مضافة في الجوانب الفكرية والثقافية التي بذلها جلالته في سبيل تحقيق الأمن المجتمعي ليس في المملكة الأردنية الهاشمية فحسب، بل في المحيط الإقليمي والدولي، ولعل رسالة عمان، وما تضمنته من أسس فكرية عالجت الكثير من جوانب الحلل في مكافحة الإرهاب والتطرف، بأسلوب فكري مستند إلى الشريعة الإسلامية الغراء وكذلك مشروع (كلمة سواء)، الذي يدعو إلى فتح قنوات الحوار مع الآخر المختلف عقدياً ومذهبياً وعرقياً.

– دعوة المسلمين إلى امتثال مبادئ الإسلام وترجمتها إلى واقع يقرأه الجميع من خلال الإسهام في بناء مجتمع إنساني متحضر يراعي التنوع الديني والثقافي، ويسعى في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية، ويتعاون مع مكونات المجتمع الأخرى، في مواجهة التحديات والمشكلات بالحوار الهادف والتواصل الإيجابي، وصولاً إلى مجتمع العدل والسلم والتراحم.

– رفض دعوات الاستعلاء والإقصاء والتحزب، وحشد الطاقات وترميم الفجوات لخوض الحرب العادلة مع قوى التطرف والإرهاب والطائفية التي تهدد وحدة المسلمين ، وتستولد المزيد من دواعي الفرقة والصراع والاحتراب.

– دعوة القيادات السياسية العالمية والمؤسسات الدولية المعنية إلى تحقيق معادلة العيش المشترك الآمن بين جميع البشر على اتساع الدائرة الإنسانية، والاعتراف بحقوق الشعوب الضعيفة والمغلوبة في تحقيق سيادتها على أرضها والعيش الكريم في عالم خال من الخوف والتهديد.

– تحقيق الشراكة الفاعلة بين القوى المحبة للسلام في تجاوز الآثار السالبة للظاهرة الإرهابية، والتعاون الدؤوب في تجفيف منابعها المتمثلة في غياب العدالة الناجزة في القضايا الدولية العالقة، والتي دأب التطرف على المتاجرة بمظلوميتها.

– الإصلاح المجتمعي الشامل ضرورة لا يسع المسلمين التأخر في بذل العمل والجهد لتحقيق أسبابها، وذلك بترتيب أولويات النهضة، وتعزيز العمل المؤسسي، وتضافر الجهود في تحقيق السلم المجتمعي والوحدة الوطنية.

– التعاون بين الدول الإسلامية في إنجاز برامج التنمية المستدامة بوضع الخطط الاستراتيجية، ورسم السياسات التي تصنع البيئة المشجعة التي تكتشف الموهوبين وترعاهم، وتستعيد الخبرات المهاجرة، وتشحذ الهمم، وتشجع البحث العلمي، وتوفير الإمكانات للنهوض بمشاريع التنمية الوطنية.

– التمثل الواعي لتجارب التنمية الناجحة عالمياً، وردع ظاهرة الفساد، وإعمال مبدأ المحاسبة بشفافية، والعمل على تغيير الأنماط الاستهلاكية التي تستنزف المقدرات وتهدر الثروات، وتؤدي إلى نضوب الموارد الوطنية، وتعيق برامج التنمية.

– دعوة الجامعات والهيئات العلمية والدعوية إلى تعزيز دورها التربوي والتثقيفي في تأصيل مفاهيم الوحدة والأمن المجتمعي بترسيخ الحفاوة بتعدد المدارس الإسلامية في سياق عطائها العلمي والفكري المشروع، واعتباره من مظاهر سعة الشريعة الإسلامية وعالميتها ورحمتها بالعباد.

هذا وإن المؤتمرين ليتقدموا بالشكر الجزيل لرابطة العالم الإسلامي والمنتدى العالمي للوسطية على جهودهما في إقامة هذا المؤتمر، وسعيهما في ترسيخ ثقافة الحوار والتعايش، كما شكروا جهود المملكة العربية السعودية في دعم الرابطة ومناشطها، وحرصها على تعزيز السلم المجتمعي والإنساني ، متمنين إقامة المزيد من المناشط الهادفة لخدمة الإسلام والبشرية جمعاء.

وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه وسلم

قد يعجبك ايضا