هل جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية؟…حسن أبو هنية

1٬059

عقب الانقلاب على ثورات الربيع العربي التي جاءت بجماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في بلدان عربية عديدة من خلال انتخابات ديمقراطية نزيهة، تكاثر الحديث عن الجماعة باعتبارها منظمة إرهابية، وقد أزاح ائتلاف الثورة المضادة الجماعة المنتخبة بالقوة العسكرية المفرطة تحت ذريعة “حرب الإرهاب”.

واستندت الأنظمة الدكتاتورية في توصيفها الإخوان بالإرهاب على أن إيديولوجية الجماعات الإرهابية كتنظيم القاعدة مستمدة من الأفكار الراديكالية المتطرفة لجماعة الإخوان، رغم أن أمريكا والدول الأوروبية وتبعتها كافة الدول العربية تبنت بعد هجمات 11 سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة في مجال برامج نزع التطرف ومكافحة الإرهاب على جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة معتدلة تعمل كجدار وقاية ضد التطرف.

وهو الأمر الذي أفضى إلى تنامي حضور الجماعة السياسي والاجتماعي في بلدان عربية وإسلامية عديدة.
في سياق الحديث عن العامل السعودي في انتشار الإرهاب والدور الإيديولوجي للعقيدة الوهابية عقب هجمات سبتمبر كون زعيم القاعدة أسامة بن لادن سعودي، ووجود 15 سعوديا ممن نفذ الهجمات على الولايات المتحدة من أصل 19 منفذا، بررت السعودية حضور السعوديون في القاعدة بسبب جماعة الإخوان المسلمين.

وعلى الرغم من عدم قناعة أمريكا بتلك المحاججة، إلا أن اتهام السعودية وعقيدتها الوهابية بالمسؤولية جرى تجاوزها مؤقتا، لكنها بقيت كامنة وأخذت لاحقا شكلا قانونيا من خلال إقرار قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف بقانون “جاستا”.
إذا كان النقاش حول السلطة المرجعية لتنظيم القاعدة والاختلاف حول ربطها بالإيديولوجية الإخوانية أو الوهابية شكل محل جدل، فإن صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنامي الحديث عن إيديولوجيته الوهابية والأثر السعودي في تعزيز التطرف العنيف لم يعد موضع نقاش، فتنظيم الدولة الإسلامية عمل على تطبيق نظرية دولة خلافة الشريعة في مناطق سيطرته، وهي ذات الأحكام والممارسات التي كانت يطبقها الوهابيون.

إذ تعد كتابات محمد بن عبد الوهاب وعلماء الدعوة النجدية المراجع الرئيسة في المناهج الدينية التي تدرس داخل نطاق حكامة تنظيم الدولة الإسلامية، كما بيّنت دراسات عديد، ومنها دراسة يعقوب أوليدورت بعنوان “داخل صف الخلافة: الكتب الدراسية والأدب التوجيهي وطرق التلقين الخاصة بتنظيم “الدولة الإسلامية”.
في هذا السياق، دخلت السعودية في مسار إعادة النظر في علاقتها بالسلفية الوهابية، وعمدت إلى توسيع مدارك النظر في مسألة “الإرهاب”، وفي سبيل شرعنة جهودها في محاربة الإرهاب عملت على التماهي مع الأطروحات الأمريكية حول مسألة “الإرهاب”، لكنها لأسباب عملية لم تصف الوهابية بالإرهابية.

وأصرت على وصف الإخوان بالإرهاب، مع أن أمريكا والدول الإوروبية لم تصنف الجماعة منظمة إرهابية، ومن الناحية العملية فقد عملت السعودية على الحد من نفوذ الوهابية وتقليص حضورها ودورها لاستدخالها في نسق غرائبي من الحداثة الليبرالية الترفيهية دون استدخال مبادئها الفلسفية السياسية.
في مقابلة موسعة أجرتها معه صحيفة “التايم” الأمريكية، ونشر نصها في 6 نيسان/ أبريل 2018 اعتبر ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، جماعة الإخوان المسلمين منظمة “إرهابية”.

وقال: “نحن نعامل جميع المنظمات المتطرفة في المملكة العربية السعودية كمنظمات إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين. إن جماعة الإخوان المسلمين خطيرة جدا ومصنفة في السعودية ومصر والإمارات وغيرها من دول منطقة الشرق الأوسط على أنها جماعة إرهابية”.

وأوضح ولي العهد السعودي: “إن المرء لا يتحول فجأة من شخص عادي إلى إرهابي بل يتحول من شخص عادي إلى محافظ قليلا ومن ثم إلى متطرف قليلا ويزداد تطرفا وتطرفا حتى يصبح جاهزا لأن يكون إرهابيا. وتعد شبكة الإخوان المسلمين جزءا من هذه الحركة. فلو نظرت إلى أسامة بن لادن، فستجد أنه كان من الإخوان المسلمين… ولو نظرت للبغدادي في تنظيم داعش فستجد أنه أيضا كان من الإخوان المسلمين. في الواقع لو نظرت إلى أي إرهابي، فستجد أنه كان من الإخوان المسلمين”.

واعتبر أن “الخطر الأعظم” يتمثل بعمل الجماعة في أوروبا، وقال أن “هدفهم الرئيس يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية في أوروبا متطرفة، فهم يأملون بأن تصبح أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عاما، وهم يريدون أن يتحكموا بالمسلمين في أوروبا، من خلال استخدام جماعة الإخوان المسلمين”.
ليست المرة الأولى التي يصف فيها ولي العهد السعودي جماعة الإخوان بالإرهابية، فقد أصبح ذلك ثيمة لازمة في مقابلاته وتصريحاته، حيث يتمثل الشر المطلق حسب وصفه في “الإخوان” و”إيران” فقد أشار في حوار سابق مع مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية‎، إلى أن قادة تنظيميْ القاعدة وداعش كانوا كلهم في الأصل أعضاء بجماعة الإخوان الإرهابية.

وفيما يتعلق بتنظيم جماعة الإخوان المسلمون، قال الأمير محمد بن سلمان، إن التنظيم المتطرف، يسعى أيضا بدوره إلى استخدام النظام الديمقراطي من أجل حكم الدول ونشر الخلافة في الظل تحت قيادتهم المتطرفة في شتى أنحاء المعمورة، ومن ثم سيتحولون إلى إمبراطورية حقيقية متطرفة يحكمها مرشدهم.
لا جدال أن الرؤية السعودية حول “الإرهاب” تتماهى مع الرؤية الأمريكية بنسختها  الترامبية، وهي رؤية تتماهى مع الأطروحة الاستشراقية والثقافوية عن الإسلام يصيغتها الشعبية التي تضع الإسلام في حالة تلازم مع التطرف والإرهاب دون انفكاك وهي أطروحة سياسية علموية عنصرية مهيمنة وشائعة في أوروبا وأمريكا وتعاظمت وازدهرت مع نهاية الحرب الباردة وبروز تنظيم القاعدة حيث تستند فرضية “تطرف الإسلام” إلى تحميل مسؤولية انتشار العنف على عاتق أطروحات الإسلام السياسي الإيديولوجية منذ نشأته التاريخية المبكرة  مرورا بالدولة الأموية وصولا إلى تنظيم الدولة الإسلامية.

وهي أطروحة لا تخرج عن جوهر النظريات الثقافوية في تعليل أسباب تصاعد موجة العنف على الرغم من كونها نظرية فاشلة في طاقتها وامكاناتها التفسيرية وقدرتها التنبؤية ويكمن ضعفها البنيوي في محاولة فك الارتباط بين العوامل الداخلية والخارجية لنفي مسؤولية الغرب عن شيوعها وعدم رغبتها في تفهم دوافع الفاعلين التي تستند إلى مسائل وقضايا مركبة ومعقدة تتعلق بسلسلة من التدخلات الخارجية الدولية في المنطقة ودعم وإسناد إسرائيل وغياب أي تسوية وحل للقضية الفلسطينة وانسداد الأفاق السياسية في معظم دول المنطقة وشيوع الاستبداد وتنامي الصراعات الهوياتية.

يقوم النهج الترامبي في مسألة “الإرهاب” على مقاربة تستند إلى الاعتماد على الدكتاتوريات المحلية في مواجهة الإرهاب دون مواربة، لكنه يوسع من تعريفه للإرهاب ليشمل كافة حركات الإسلام السياسي فهو لا يؤمن بوجود معتدلين من الإسلاميين وكان وليد فارس وهو مستشار ترامب قد قال في أول تصريح له عقب فوز الأخير برئاسة الولايات المتحدة إن ترامب سيمرر مشروع اعتبار “الإخوان المسلمين” “جماعة إرهابية”، ورغم عدم إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب، تبرعت بعض الدول العربية بالذهاب بعيدا وإدراجها على قوائمها الإرهابية.

إن تصنيف الإخوان منظمة إرهابية يقوم على ادعاءات استشراقية وثقافوية تربط بين العقيدة والإرهاب، وهي مسألة لا تتمتع بالمصداقية كمحدد وحيد للتطرف العنيف، فقد برهنت الدراسات الموثوقة على أن راديكالية الرأي لا تقود بالضرورة إلى راديكالة الفعل، إذ يحدد جميع المؤلفين في حقول علم النفس وعلم الاجتماع والعلوم السياسية أسبابا جذرية يعتبرونها أساسية لفهم سبب وقوع معظم الحوادث الإرهابية والتحول إلى العنف من الرجال والنساء.

وهي تشمل ما يلي: الافتقار إلى الديمقراطية والحريات المدنية وحكم القانون، ودول فاشلة أو ضعيفة توفر ملاذا آمنا للإرهابيين، وتحديث مفرط في السرعة، وإيديولوجيات متطرفة – العلمانية والدينية على حد سواء، وتاريخ من العنف السياسي والحروب الأهلية والثورات وأنظمة الحكم الدكتاتورية أو الاحتلال، وحكومات غير شرعية أو فاسدة، وقمع من قبل احتلال أجنبي أو قوى استعمارية، والتعرض للتمييز على أساس خصائص الانتماء (الإثنية أو العرقية أو الدينية) والظلم الاجتماعي.

تتمثل الإشكالية الحقيقية لجماعة الإخوان المسلمين رغم أخطائها كسائر الحركات الاجتماعية، في صعوبة استدخالها وإدماجها في نظام سلطوي دكتاتوري محليا، وصعوبة ترويضها دوليا، وهي بذلك تشكل تحديا جديا للسلطوية، فعلاقة الإخوان بالأنظمة تبدلت مع تغيّر الظروف الذاتية والموضوعية، في حقبة ما بعد الربيع العربي، عقب المطالبة بدور سياسي فاعل كشريك أساسي في الحكم.

الأمر الذي أخل بمقاربة الاعتدال- الإدماج التي انبنت على المشاركة في النظم شبه السلطوية، ذلك أن الأدوار التاريخية التقليدية التي حكمت العلاقة بين الجماعة والأنظمة السلطوية تبدلت إلى الأبد، فقد تعاملت الحكومات تاريخيا مع الإخوان كجدار حماية للنظام ضد التحديات والمخاطر الشيوعية اليسارية والقومية إبان الحرب الباردة، ثم الإسلامية الراديكالية والجهادية مع حلول العولمة، حيث راجت أطروحة “جدار الحماية” عقب هجمات 11 سبتمبر وتنامي الجهادية العالمية.

وبحسب إريك تراجر: “خلال العقد الذي أعقب هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، غالبا ما أدى بحث المحللين الغربيين عن بديل “إسلامي معتدل” لـتنظيم “القاعدة”، إلى إرشادهم نحو جماعة “الإخوان المسلمين”، التي كانت تصريحاتها الرافضة للإرهاب واعتناقها السياسات الانتخابية مغرية”.

عقب ثورات الربيع العربي تبدلت كثير من القناعات المتعلقة بالإخوان، حيث باتت الجماعة ذاتها تشكل تهديدا للنظام وبنيته السياسية، وقد أنتج هذا كله تداعيات مهمة على الفرضيات القائمة منذ فترة طويلة حول جماعة الإخوان وحول الإسلاميين على نطاق أوسع. فبحسب مارك لينش: بات على الباحثين الآن الاعتراف بقدر من عدم اليقين إزاء إيديولوجية منظمة الإخوان المسلمين، وتنظيمها واستراتيجيتها، أكبر من السابق.

والأطروحات التي كانت صامدة جيدا قبل خمس سنوات مضت لم تعد تنطبق بالضرورة على الراهن .. واعتقدت وجهة النظر المقابلة بأن جماعة الإخوان كانت مُيسِّراً للتطرف العنيف، ولم تكن تعمل كحاجز ضده وإنما كخطوة على طريق يفضي إلى التطرف.

وتقترح نظرية “الحزام الناقل” هذه أنه حتى لو أن جماعة الإخوان نفسها لم تقرّ العنف، فإنها وضعت الأفراد على الطريق إلى التطرف، بحيث زادت بذلك الحجم الصافي للإرهابيين المحتملين.

وأشار أصحاب هذه الرؤية إلى التناقضات وعدم الثبات في رفض الجماعة للعنف، مثل المكانة المستمرة التي يُسندها المفكرون الجهاديون، مثل سيد قطب، في أدبياتهم أو بتأييدهم للعنف في أماكن مثل فلسطين أو العراق، فقبل الانتفاضات العربية، جادل الإسلاميون بأن إسلاميي التيار السائد عملوا كجدار واقٍ ضد وجود المتطرفين الأكثر عنفاً. وتحدثت جماعة الإخوان المسلمين علناً عن إيديولوجية نبذ العنف والمشاركة الديمقراطية.
خلاصة القول إن وصف جماعة الإخوان المسلمين بالإرهاب لا يتمتع بأي مصداقية مبرهنة، ولذلك لم تصنف الجماعة كمنظمة إرهابية أمميا ولا أمريكيا ولا أوروبيا، ولا جدال أن نعت الجماعة بالإرهاب لا يعدو عن كونه سياسيا، ذلك أن الجماعة لم تستدخل ممارسة العنف في إيديولوجيتها الفكرية ولا هياكلها التنظيمية، رغم تعرضها للعنف والقتل والسجن والملاحقة.

وإذا كانت الجماعة تتوافر على بعض الأفكار المتطرفة فإن راديكالية الرأي لا تعني راديكالية الفعل، وإذا كان بعض أفرادها قد مارسوا العنف والتحقوا بتنظيمات مصنفة إرهابية، فإن ذلك لا يجعلها  منظمة إرهابية، فذلك أمر طبيعي في معظم الحركات الاجتماعية السلمية التي تتعرض للقتل والاجتثاث.

ولا جدال أن تصنيف الإخوان منظمة إرهابية ونعت أتباعها بالإرهابيين لا يعدو عن كونه إرهابا في سياق الخصومة السياسية لتثبيت أركان السلطوية والتخلص من المطالبة بالديمقراطية.

قد يعجبك ايضا