مُشارَكة الملك عبد الله الثاني في قِمَّة إسطنبول الإسلاميّة رِسالةٌ لأمريكا وحُلفائِها الخَليجيين
وكالة المرفأ – تَعكِس مُشارَكة العاهِل الأُردنيّ الملك عبد الله الثاني في القِمَّة الإسلاميّة في إسطنبول تَلبِيةً لدَعوةٍ من الرئيس رجب طيب أردوغان، وللمَرَّة الثَّانِية في غُضونِ أشهُر، حالةَ غَضبٍ أُردنيٍّ مَكتوم تُجاه دُوَل مجلس التعاون الخليجي التي لم تَعُد تُقَدِّم لبِلاده الدَّعم الماليّ السَّنويّ لمُساعَدتها على مُواجَهة أزمتها الاقتصاديّة، مِثلَما تَعكِس أيضًا قلقه من تَراجُع دَورِه الإقليميّ في المِنطَقة، وخطر فُقدانِه وِصايته الهاشميّة على الأماكِن المُقدَّسة الإسلاميّة والمسيحيّة في القُدس المُحتلَّة، وتَحَرُّكاتِه للبَحث عن حُلفاءَ جُدد.
عَمليّات التَّطبيع المُتزايِدة بين الدُّوَل الخليجيّة والمملكة العربيّة السعوديّة، على وَجه الخُصوص، مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أفقَدت الأردن واحِدة من أهم أوراقِه، والمَقصود هُنا لَعِبُه طِوال العُقود الماضِية دَور الوَسيط غير المُعلِن بينها وبين تل أبيب، واستضافِة عاصِمته عمّان العَديد من اللِّقاءات السِّريّة بين مَسؤولين أمنيين خليجيين ونُظرائِهم الإسرائيليين، مِثلما قال لهذه الصَّحيفة “رأي اليوم” مَسؤولٌ أردنيٌّ كبير.
وأكثر ما يُزعِج الأردن هذهِ الأيّام هو المَلف الثَّاني، أي مَلف الوِصاية الهاشميّة على الأماكِن المُقدَّسة التي باتت مُهدَّدَةً، حيث تَعمَّد جاريد كوشنر، صِهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على التَّأكيد في كَلِمَتِه التي ألقاها في حَفلِ افتتاح السِّفارة الأمريكيّة الجديدة في القُدس المُحتلَّة، على أنّ الوِصاية على الأماكِن الدِّينيّةِ فيها هِي في يَد إسرائيل وَحْدَها.
الانفتاح أُردنيًّا على تُركيا، وتَوطيد العلاقات مع الرئيس أردوغان الذي اتَّخَذ مَواقِف قَويّة في وَجه الاحتفال الأمريكي لنَقل السِّفارة، والمَجازِر الإسرائيليّة في غزَّة، تَمثَّلت في طَرد سفير إسرائيل في أنقرة، وقُنصُلِها في إسطنبول، وإخضاعِهِم للتَّفتيش الذَّاتي في المَطار إمعانًا في إهانَتهِم، هذا الانفتاح الأردني اللَّافِت، وعلى أعلى المُستَويات، يُوحِي بأنّ الأُردن قرَّر إعادة تَمَوضُعِه دِبلوماسيًّا وسِياسيًّا، وقرَّر التَّعاطي مع أهوَن الشَّرَّين، أي نَسج علاقاتٍ قويّة مع تركيا، كبَديلٍ في الوقتِ الرَّاهِن على الأقل، للذَّهاب بعيدًا، والانفتاح على إيران المُحاصَرة خليجيًّا وأمريكيًّا، والتَّجاوُب مع مُطالباتٍ عَديدةٍ لنُخَبٍ أُردنيّةٍ مَرموقَةٍ في هذا الإطار، كأحَد المَخارِج من الأزمتين السِّياسيّة والاقتصاديّة.
ذهاب العاهِل الأُردني إلى قِمّة إسطنبول ربّما يأتي في إطارِ مُحاولةٍ لتَقليص الخَسائِر السِّياسيّة، ومّحاوَلةً لامتصاص حالةِ الغَضب في الشَّارِع الأُردني من عدم إقدام حُكومته على اتِّخاذ أيِّ إجراءٍ كرَدٍّ على احتفالات نقل السِّفارة الأمريكيّة إلى القُدس المُحتلَّة، وسحب الوِصاية الهاشميّة أمريكيًّا على مُقدَّساتِها، مِثل الإقدام على طَرد السَّفير الإسرائيليّ في عمّان كحَدٍّ أدنى، أو حتى استدعائِه، مِثلما فعلت تركيا وجنوب أفريقيا وإيرلندا وبوليفيا وبلجيكا، وربّما يُفيد التَّذكير بأنّ عَددًا كبيرًا من النُوّاب في البَرلمان الأُردني ذَهبوا إلى ما هُوَ أبعد من ذلك، وطالبوا بإلغاء اتفاقيّة وادي عَربَة.
السُّلطات الأُردنيّة تُواجِه مَوقِفًا حَرِجًا أدَّى إلى ارتباكِ أدائِها السِّياسيّ تُجاه قَضايا مَصيريّة، وما زِلنا نَعتقِد في هذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” أنّ الفُرصَةَ ما زالت مُتاحَةً لإعادة تَصويب البُوصَلة في الاتِّجاه الصَّحيح، باتِّجاه القُدس المُحتلَّة، والإقدام على الخَطَوات الضَّروريّة أو الحَد الأدنى مِنها على الأقل، مَهما كانت مَحفوفَةً بالمَخاطِر، لأنّ أمن الأُردن واستقرارِه، ربّما يتأثَّر سَلبًا مِن حالةِ الجُمود السِّياسيّ المُتَّبَعة حاليًّا في هذا المَلف المُهِم والحَسَّاس.
“رأي اليوم”