«وصاية» الأردن وسط «التجاذب»… درع اردوغان أم «تمثيلية» التصعيد السعودي؟
وكالة المرفأ – «القدس العربي»: قد لا ينفع مجدداً الحديث عن «قرارات واقعية» في قمة إسطنبول الإسلامية من الزاوية الأردنية تحديداً حيث قفز ملف «الوصاية الهاشمية» لسطح الأحداث وأصبح ولأول مرة تحت سياق الجدل إثر التصريح الشهير لجاريد كوشنر الذي يربط الوصاية حصرياً على كل ما في القدس لإسرائيل.
جناح نافذ في دوائر القرار الأردنية نشط خلال الساعات القليلة الماضية في اتجاه منع حصول «هلع سياسي» وعلى أساس الثقة بأن الوصاية الأردنية أصلاً ليست في نطاق النقاش مع تأكيد القائم بأعمال السفارة الأمريكية في الأردن للسلطات في وزارة الخارجية بعدم وجود «جديد رسمي وأصولي من الولايات المتحدة بخصوص الوصاية على أوقاف القدس».
وزير الاتصال الناطق الرسمي الأردني وصف تصريحات كوشنر بأنها مخالفة للقانون الدولي. وقبل ذلك كان المومني نفسه يبلغ «القدس العربي» مباشرة بأن مسألة الوصاية الأردنية لا تقبل النقاش وعمان لا تسمح بذلك. لكن كوشنر سمح لنفسه بإطلاق تصريح وضع الوصاية الهاشمية الأردنية في موقع النقاش وإن كانت الرسالة «التخديرية» للسفارة الأمريكية في عمان تحاول القول بأن كوشنر لا يمثل المواقف الرسمية للإدارة الأمريكية.
في الرد يمكن تلمس خطوات التصعيد الأردني المحسوبة بدقة متناهية بعد الجلبة التي أثارها كوشنر حتى في ظل التشويش الغامض الذي نتج عن قرار مفاجيء للطاقم الاقتصادي الأردني بإلغاء إتفاقية التجارة الحرة مع تركيا قبل 48 ساعة من مغادرة الملك لأسطنبول في موقف غير مفهوم.
الموقف الأخير بتقدير عضو البرلمان البارز خليل عطية لا يمكن فهمه إلا في سياق «جهد ملموس» لإحباط نمو العلاقات بين القيادة الأردنية والتركية خصوصاً وان الرئيس اردوغان كما يؤكد عطية لـ»القدس العربي» هو الزعيم الوحيد الذي يتناغم مع الملك عبدالله الثاني في ملف القدس وبالتالي لا يوجد ما يمنع من إعتبار الغاء الاتفاقية التجارية مع تركيا في هذا التوقيت إلا سلوكاً مريباً قد يرقى لمستوى مؤامرة المستفيد منها حصريًا إسرائيل.
العاهل الملك عبدالله الثاني قرر ان يترأس شخصيا الوفد الأردني لقمة أسطنبول الإسلامية التي يتغيب عنها الرئيس محمود عباس مع العلم مسبقاً بأن الرئيس رجب طيب اردوغان لديه أسباب متعددة تقوده للتصعيد ضد إسرائيل والولايات المتحدة من بينها اسباب انتخابية وداخلية ، الأمر الذي يعلق عليه مسئول أردني بالقول بان نتنياهو من جانبه يتحرك ويسمح له الأمريكيون بالحركة ضد الثوابت والاستقرار لأسباب إنتخابية.
المسؤول نفسه سأل: لماذا لا يفعل اردوغان ذلك؟
بالنسبة للقرار الأردني لا تملك عمان إلا التفاعل مع مشروع اردوغان التصعيدي حتى ولو على شكل إستعمال الموقف التركي كدرع فوزير خارجية اردوغان مولود اوغلو كان قبل ايام يصرح بتضامنه مع الأردن الذي يتعرض لضغوط عنيفة لإجباره على قبول ما لا ينبغي ان يقبل. وفي حمأة التصعيد الأردني والبحث في الخيارات المتاحة و»الواقعية» ضد تصريح كوشنر حاولت عمان فهم اسباب تغيب الرئيس عباس عن قمة اسطنبول مع الحرص على وجبة تشاور تكتيكية معه.
الرسالة التي وصلت مساء الخميس من أوساط عباس لسياسيين أردنيين تقول أن السلطة تفضل منح الأولوية لإجتماعات وزراء الخارجية العرب التي قادتها في القاهرة السعودية حتى لا يستأثر اردوغان بالمشهد فالتصعيد في مسألة القدس وما حصل مؤخراً في قطاع غزة أصبح مثاراً للتنافس بين تركيا والنظام الرسمي العربي بقيادة السعودية.
ضمنياً ما وصل من عباس يقول..»حسنا فليتنافس المتنافسون». وفي رأي المؤسسة الأردنية احتمى عباس وراء «إجتماعات القاهرة» وأرسل وفدا لإسطنبول وأبلغ الأردن بانه سيدعم أي معركة دبلوماسية لصالح القدس والوصاية الهاشمية «عن بعد».
ذلك لم يكن موقفاً متميزاً من عباس تجاه إستراتيجية التحرك الأردني لأنه موقف يقول ضمنياً لعمان بان عليها ان «تقاتل من أجل وصايتها» وعباس يتوقع ان يقطف في نهاية الأمر ثمار هذه المواجهات وهو ما لمح له شخصياً عندما ابلغ الشهر الماضي سياسي أردني رفيع المستوى هو طاهر المصري بأن الجانب الآخر ويقصد إسرائيل والولايات المتحدة لن يمنحه شيئاً لو تنازل عن موقفه الحالي.
ما فهمه المصري من عباس آنذاك وقبل التطورات الأخيرة يفيد بان الرئيس الفلسطيني قرر البقاء في مستوى «الترقب والانتظار» وعلى أساس ان السلطة «لن تكسب» شيئاً لو تنازلت و»لن تخسر كثيراً» لو إحتفظت بموقفها الحالي من رفض الرعاية الأمريكية لعملية السلام. في مسلسل التطورات الأخيرة يبدو جلياً ان عباس يحتفل بالطريقة التي دفع فيها كوشنر الأردن للمواجهة وللصدارة في الاشتباك لإن ما هو على المحك اليوم ليس عملية السلام ولا القدس ولا القضية الفلسطينية فقط بل «الوصاية الأردنية» وهو موضوع مربك لعمان سياسياً بسبب التجاذب الحاد بين السعودية ومحورها وتركيا – اردوغان .
التصعيد الأردني دبلوماسيا محطة إجبارية مع الحرص على تجنب المفاجآت والبقاء في دائرة» الواقع». وعلى هذا الأساس يمكن فهم تكتيك الحكومة الأردنية في الجلوس خلف «درع اردوغان» التصعيدي مع البقاء على اتصال ايضاً وعبر وزير الخارجية النشط ايمن الصفدي بالاجتماعات الذرائعية التي تحاول السعودية قيادتها في القاهرة والتي توصف أردنياً بأنها «تمثيلية» وغير مفيدة. ويوصف الوزير الصفدي تحديداً بأن ميزته الرئيسية أنه يمثل أقرب مسافة ممكنة من القرار الملكي المرجعي الأردني.
وليس سراً ان الصفدي يوصف أيضاً بأنه من وزراء الخارجية العرب الذين لا تتعامل معهم الولايات المتحدة بـ»ود» وتعتبرهم إسرائيل «شعبويين». ذلك مطلوب والوقت مناسب جداً للدفع بوزير نشط ومستعد للتصعيد لفظياً من وزن الصفدي إلى الواجهة. وهو ما حصل فعلاً حيث تمترس الصفدي وراء تصريحات حادة جداً وغير مألوفة في القاموس الأردني تحدث فيها عن «الاحتلال الإسرائيلي» باعتباره «الشر الأساسي والمطلق».