الرجل الغامض في مكتب القذافي يخرج عن صمته ويورّط ساركوزي
أقر بشير صالح بالتحويلات المالية التي أُجريت عبر رئيس جهاز المخابرات الليبي السابق، عبد الله السنوسي، من الصندوق الأسود الليبي الذي خصَّص فيه القذافي مبلغ 350 مليون يورو لتمويل شخصيات سياسية بأموال ليبية في عدة دول أجنبية.
تعتبر شهادة بشير صالح جزءاً هاماً من الدفاع عن نيكولا ساركوزي، إلا أنها جاءت مؤخراً لتقلب ملف اتهام ساركوزي رأساً على عقب. فقد كان رئيس مكتب القذافي سابقاً، بشير صالح، ينكر بشدةٍ حقيقة تمويل ليبيا حملة ساركوزي الانتخابية سنة 2012، قبل أن يتراجع عن أقواله ويقر بذلك خلال لقاء جمعه بأحد صحفيي برنامج “كاش أنفستيغاسيون”، الذي يُبث على قناة “فرانس2″، والذي أذاع هذه الحلقة يوم الثلاثاء 22 مايو/أيار 2018.
كل ذلك تم عبر قناة تابعة لوزارة المالية الليبية
يعرض البرنامج، الذي تقدمه إليز لوسيه، عدة مقتطفات من مقابلة مع المسؤول الليبي السابق، بشير صالح، تليها محادثة معه تم تصويرها عبر كاميرا خفية بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2017، في جوهانسبرغ.
ويبدو أن هذا الوثائقي قد أرعب الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، الذي فُتح تحقيق ضده بتاريخ 21 مارس/آذار 2018، بتهم تتعلق بـ”الفساد” “والتمويل غير الشرعي لحملته الانتخابية” و”التكتم عن التمويلات التي تلقاها من المال الليبي العام”.
ونوه بشير صالح إلى أن عملية التمويل لم تمر عبر “قناته”، مضيفاً أن “عبد الله السنوسي قد ذكر أنه أعطى مالاً لساركوزي”. بعد ذلك، طرح عليه الصحفي سؤالاً: “هل تريد إخباري بأنه قد كان هناك عملية تحويل أصلاً؟”، فأجابه صالح: “نعم، لقد كانت هناك عملية تحويل”.
بعد لحظات، كشف بشير صالح، وهو يستقل سيارته، أن “القذافي قد أعدَّ ميزانية خاصة للشخصيات التي يريد دعمهما”، وقد أنجز ذلك عبر تركيز صندوق أسود خصص فيه “350 مليون يورو”. كما أكد صالح أن هذه الأموال كانت في شكل “مبالغ نقدية جاهزة للدفع”. وفي هذا السياق، أراد الصحفي أن يعرف “هل هناك مَن رفض عملية التحويل، وهل سيقبل ساركوزي فيما بعدُ تحويلاً مالياً؟ وهل عملية التحويل لا تتم إلا نقداً؟”، فأجابه بشير صالح مؤكداً: “نعم، لا تتم سوى نقداً”.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المسؤول الليبي السابق قد أصيب بجروح خطيرة خلال محاولة اغتياله التي جدت بتاريخ 23 فبراير/شباط 2018 في جوهانسبرغ. كما يعتبر بشير صالح طرفاً أساسياً في القضية منذ بداية البت فيها. فقد شغل بشير صالح منصب مدير مؤسسة محفظة ليبيا إفريقيا للاستثمار، وكان حاضراً في أغلب اللقاءات الثنائية مع الفرنسيين، فضلاً عن أنه مقرب من الوسيط إسكندر الجوهري منذ سنة 2006.
استقبل بشير صالح الوسيط إسكندر الجوهري خلال أيام إقامته في فندق “الريتز” بباريس، حيث تكفل بعملية شراء باسم ليبيا لفيلا مملوكة للجوهري موجودة في منطقة الريفييرا الفرنسية. وقد كانت هذه الأموال الليبية، التي دُفعت بهذه الصفقة، في شكل تعويض عن شراء شقة وزير الداخلية السابق كلود جيان، وقد سمحت بعرض مكافأة على الوزير الأول الفرنسي السابق، دومينيك دو فيلبان.
في نهاية العملية العسكرية الغربية بليبيا، وضعت المصالح الفرنسية الخاصة بشير صالح وأسرته تحت حمايتها، قبل أن تخرجهم خلسة من طرابلس. ثم كُلف إسكندر الجوهري استقباله في فرنسا، قبل أن يعاد تهريب هذا الرجل الليبي إلى النيجر في مايو/أيار 2012، بعد يوم واحد من نشر صحيفة “ميديابار” الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع.
صاغ محامٍ فرنسي (من باريس تحديداً)، بياناً باسم بشير صالح، نقل فيه “تحفظاته” على مصداقية مذكرة ليبية تطرقت إلى تمويل القذافي لساركوزي. وقد أكد هذا المحامي أن “هذه المزاعم، التي تخدم أغراضاً سياسية، تفتقر إلى الأدلة”.
وفي عام 2013، أجرى هيرفي جاتينيو، الصحفي في مجلة “فانيتي فير” الأميركية والمقرب من الجوهري، أول مقابلة مع هذه الشخصية البارزة الموجودة في جوهانسبرغ. وقد صرح بشير صالح، الذي وصفته مجلة “فانيتي فير” بأنه رجل “غامض”، بأنه “منذ وفاة القذافي، بدأ الكثير من الأشخاص في اختلاق قصص ليس لها أي أساس من الصحة”.
كما أضاف بشير صالح: “لم أرفض قط الإجابة عن أسئلة العدالة. لم يُطلب مني أي أمر أساساً. وفي حال قدم قاضٍ إلى هنا ليطرح عليَّ عدداً من الأسئلة، فسأستقبله حتماً. سأخبره بأنه تم اختراع كل هذه القصة، وسأترك له أمر تحديد سبب القيام بذلك”. وبمجرد نشرها، عمد تييري هيرزوغ، محامي نيكولا ساركوزي، إلى إحالة هذه المقابلة الصحفية إلى العدالة الفرنسية.
حين اتصلت به وسائل إعلام أخرى، بدأ بشير صالح بتقديم رواية أخرى. فبتاريخ 29 سبتمبر/أيلول 2017، أفاد صالح لصحيفة “لوموند” الفرنسية بأنه لا يعرف شيئاً وبأن مسألة التمويل ممكنة. وقد ورد شرحه كالآتي: “عندما جاء القضاة لرؤيتي، أرادوا أن يوجهوا إليَّ أسئلة ذات طابع شخصي، وأنا لا أجيب عن مسائل مماثلة. إنهم يعتقدون أنني الرجل الذي يستطيع إخبارهم بأنني قدمت المال لساركوزي، وبأنني موَّلته… لكن المشكلة تتمثل في أنني لا أعلم أي أمر عن هذه القضية الفرانكو-فرنسية. وكل ما أعلمه أن ساركوزي لم يكن مهتماً بشعبي؛ بل كان كل تفكيره مُنصبّاً فقط على إعادة انتخابه وبيع طائرات رافال”.
بعيداً عن الإنكار السابق، خلُص بشير صالح إلى أنه “في حين أفاد القذافي بأنه مول ساركوزي، نفى الرئيس الفرنسي الأسبق ذلك. ولكني أصدِّق القذافي أكثر من ساركوزي”. وبتاريخ 20 مارس/آذار 2018، وفي أثناء اعتقاله، كان نيكولا ساركوزي مُتعجلاً للتعليق على جُمل بشير صالح الأخيرة. فقد بدا كما لو أنه يُريد أن يوضح أنه لا يُصدق تغيير الشاهد أقواله، حيث صرح قائلاً: “أنا أفضل التصريحات التي أدلى بها السيد بشير صالح إلى صحيفتي (جون أفريك) أو (فانيتي فير)، بدلاً من الكلمات التي تلاعبت بها صحيفة (لوموند)”.
وفي برنامج “كاش أنفستيغاسيون” التلفزيوني، يُمكن أن نُشاهد كيف تهرَّب الرئيس الفرنسي الأسبق من أسئلة ومكالمات الصحفية إليز لوسيه الهاتفية. وبناء على ذلك، يُمكن أن نفهم أسباب تهرُّبه، ولو جزئياً.