مؤتمر مكة : لماذا غاب ولي عهد ابو ظبي وحضر الشيخ محمد بن راشد.. لماذا غاب رئيس النادي السعودي باسم عوض الله؟

1٬184

وكالة المرفأ – لا احد حتى اللحظة يملك التفسير القاطع لعدة “ظواهر” في مؤتمر مكة لدعم الاردن، فولي عهد الامارات الشيخ محمد بن زايد غاب تماما عن المشهد رغم الاعلان السعودي حتى وصول ساعات قليلة من بدء القمة بأنه سيكون ممثل ابو ظبي، في حين فوجئ الجميع بحضور الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة.

الظاهرة الثانية تمثلت بغياب الدكتور باسم عوض الله عن مؤتمر كهذا، رغم انه المبعوث الشخصي للملك عبد الله الثاني لدى الرياض. ثالثاً كان قصر مدة الاجتماع وصغر الوفود المشاركة، حيث بحث الازمة الاقتصادية وسبل تطويعها لم يستغرق ساعتين مع الاستقبال وظهور البيان.

ظاهرة اضافية تمثلت بالسؤال البديهي عن السبب الذي يجعل مساعدات “صغيرة” بالنسبة للدول الثلاث (الرئيس الامريكي دونالد ترامب قال عن 12.5 مليار دولار انها صغيرة “peanuts” بالنسبة لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان لشراء الاسلحة)، تأتي بعد اجتماع ثلاثي لاغنى ثلاث دول في الخليج العربي بدلا من ان تأتي عبر الرياض نفسها ومجلس التنسيق المشترك الذي “قيّفته” عمان على مقاس العاصمة السعودية منذ نحو 3 سنوات.

اضافة الى ذلك كان السؤال الابرز عن “أين هي البحرين” كدولة فاعلة في مجلس التعاون، ولماذا اختير ان يكون الاجتماع بعيدا عن سلطنة عُمان ايضا، وهنا طبعا قد يتم التفسير السريع بالقول ان المجلس اساساً يحتضر بعد الازمة الخليجية مع قطر.

بالتدقيق بمنصب الشيخ محمد بن راشد وسلطاته قد ترتسم صورة عامة لشكل المنحة الجديدة، فالرجل (بالاضافة لكونه نائب رئيس الدولة اي انه اعلى رتبة من بن زايد واقرب للزعماء من الاخير)، الا انه يملك في جيبه ملف المال في الامارات العربية المتحدة ولكن دون السياسة الخارجية التي بالبروتوكول غير المكتوب بينه وبين ولي عهد ابو ظبي بن زايد، وضِعت في حجر الاخير.

بهذا المعنى فوجود بن راشد يضع المنحة في نصابها المالي اكثر من السياسي، وبالتالي حيّدت الامارات العربية نفسها عن اي مقايضة سياسية يمكن ان تحصل لصالح السعودية وملكها سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الامير محمد بن سلمان.

المشهد بالصورة الاعلامية التي خرجت للعيان، مشهدٌ قريب للقلب ومحبب، فالامير السعودي الشاب يستقبل الجميع بابتسامة ويجلس خلف والده بصورة اكثر راحة بالتزامن مع تسريبات عن كونه في حالة كمون مرحلية، بينما شكّل على ما يبدو وجود نظيره الاردني الامير حسين بن عبد الله ايضاً توازناً من نوع خاص جعله يتنحى عن الصدارة لصالح والده (وقد يكون ذلك ايضاً ما اسهم في تبديل الشخصية الاماراتية الحاضرة للاجتماع وغياب الشيخ محمد بن زايد).

السعودية تعيد هيكلة صورتها الاعلامية على الاقل على انها فعلا “الشقيقة الكبرى” وحامية المنطقة، بعدما كرست نفسها خلال العامين الماضيين كنسخة عربية من الادارة الامريكية للرئيس ترامب، تمنح وتقطع بناءً على الولاءات والمصالح، هذا ما يمكن قوله بالنظر للاجتماع المستعجل اولا، وثانيا بالنظر لشكل وهيئة المساعدات.

مجدداً، فالرياض قطعت الطريق على الكويت حتى لا تقوم الاخيرة بالدور المذكور ووحيدة يوم الثلاثاء (كانت القمة مقررة بين الملك والشيخ صباح الاحمد امير الكويت)، ولكن هذا لا يمنع انه على الصعيد الاقتصادي قد يشكّل عمليا دافعاّ للاصلاح اكثر من “مانع له”.

حجم المساعدة الممنوحة من الدول الثلاث ووفق البيان السعودي يساوي نصف المنحة الخليجية للاردن السابقة، فقيمة المساعدات التي قال البيان الختامي للمؤتمر انها “قد تصل الى مليارين وخمسمئة مليون (2.5 مليار) دولاراً” تساوي نصف قيمة المنحة الخليجية الماضية (5 مليارات) ولمدة خمس سنوات ايضاً. الا انها بالضرورة تساوي اقل من 1% (0.97) من قيمة الدين العام الاردني (يبلغ 39 مليار دولار حتى نيسان الماضي).

مجدداً، مثل هذه القيمة كان من الممكن ان تقرّها السعودية دون مؤتمر وعبر مجلس التنسيق المشترك الذي يرأسه الامير محمد بن سلمان وتم تجميده فجأة، رغم ان الاردن قام باصدار قانون خاصٍّ به وساهمت الرياض في وضع نصوصه، وهو ما يعزز بصورة كبيرة الرغبة السعودية في “ايحاء اعلامي” بان الرياض عادت لتتخذ دور الشقيقة الكبرى.

ملاحظة اضافية على القمة ايضا، حيث لا يبدو أن السفير السعودي في الاردن الامير خالد بن فيصل كان يعرف جيدا تفاصيل مؤتمر مكة وهو يُعلي سقف توقعاته ويتحدث عن فتح الاسواق في الامارات والسعودية والكويت للعمالة الاردنية وعن استثمارات ضخمة من الدول الثلاث لعمان. نظرية اخرى قد تتحدث عن كون سيناريو اخر كان على وشك ان يوضع على الطاولة وتم التراجع عنه، ونسبة النظريتين 50/50 في المئة حيث لا معلومات مؤكدة على اي منهما.

بالمعنى الاقتصادي فالرقم “الصغير” على طريقة الرئيس الامريكي الناتج عن القمة الرباعية، لا ينعش الاقتصاد، بل يعطيه صدمة اقتصادية بسيطة، قد تساعد الرئيس المكلف الدكتور عمر الرزاز في مهمته، وتمنح عمان هامشاً، في استغلال بعض هذه الاموال للبناء الحقيقي والاستثمار في زيادة نمو الاقتصاد، في المقابل فإن ذلك لا يمنع ان العيون مفتوحة جيداً الان وتترصد اذا ما كان 2.5 مليار دولار قادرة على ضمان النفوذ للنادي السعودي في مؤسسة القصر لخمس سنوات اضافية وبالتالي السيطرة على الحكومة وتشكيلتها.

غياب “قائد النادي” الدكتور باسم عوض الله عن جلسة القمة قد لا يكون كافياً للتفاؤل، لذا فمن الآمن للجميع انتظار اقل من يومين للتشكيلة الحكومية للرزاز- حسب التسريبات الاعلامية- لتجيب الاردنيين عن هذه الجزئية.

برلين ـ “رأي اليوم” – فرح مرقه:

 

قد يعجبك ايضا