هل تمت التضحية بـ “ملكة جمال لبنان” إرضاء للرأي العام؟

579

وكالة المرفأ :تناولت قناة RT ONLINE  قبل أيام موضوع التطبيع مع إسرائيل، من خلال صورة جمعت بين “ملكة جمال لبنان” بنظيرتها الإسرائيلية، ما أدى إلى سحب اللقب من الحسناء اللبنانية.

عذرا الجمال لا ينقذ العالم دائما

التقطت الصورة التي ظهرت فيها اللبنانية،سلوى عكر ، والإسرائيلية-الفلسطينية، دانا زريق، في الفلبين، حيث أقيمت مسابقة لاختيار ملكة جمال الأرض.

وعلى خلفية هذا “الحدث” استضاف الإعلامي، أشرف شهاب، في البرنامج الحواري، الذي حمل عنوان “صورة كلّفتها الكثير.. ملكة جمال لبنان تفقد لقبها”، كلا من: رئيسة لجنة “ملكة جمال الأرض” في لبنان، سوسن السيد، والصحفية اللبنانية، منال شحادة، ورئيس لجنة “ملكة جمال الأرض” في مصر، مصطفى الأزلي.

أكثر ما لفت الانتباه في الحوار مع السيدة سوسن السيد، هو تأكيدها المتواصل على أنها إنسانة وطنية، وتتمتع بخبرة كبيرة في مجال مسابقات الجمال، حتى أنها استخدمت كلمة “أنا” أكثر من خمسين مرة في حوار، لا يتجاوز دقائق، بالإضافة إلى “إني”، ناهيك عن الحديث بصيغة “نحن” والجمع.

وذكّرت الضيفة المشاهد باستمرار بأن مسابقة الجمال في الفلبين، وهذه المسابقات بشكل عام، لا تمتّ للسياسة بصِلة، ما يطرح تساؤلا عن سبب هذه الضجة إذا لم تكن للسياسة علاقة بالأمر! فالسياسة حاضرة في الشرق الأوسط في كل صغيرة وكبيرة، حتى في طبق الحمص، المتنازع عليه في هذه المنطقة.. فما بالك والحديث عن صورة مع إسرائيلية، حوّلت “الملكة” إلى “خائنة” كما جاء في البرنامج؟

سنعود إلى الحمّص فيما بعد…

أما في ما يتعلق بالصورة المثيرة للجدل، أو ربما المثيرة للشجب والاستنكار من الجانب العربي، إذ لا يبدو وأن هناك جدلا بشأن هذه القضية، بل إجماع حولها، وهو أن سلوى عكر ارتكبت خطأ لا يُغتفر. هناك تساؤل عن اختلاف التفاعل مع مظاهر “التطبيع” كهذه من الجانب الإسرائيلي، الذي لا يرى غضاضة في التواصل مع العرب، مع كل ما يحمله من مشاعر سلبية إزاء حالة المواجهة، التي أدت إلى اشتباكات مباشرة أسفرت عن سقوط قتلى إسرائيليين أيضا، بمن في ذلك مدنيين!

من المهم هنا الأخذ بعين الاعتبار أن سلوى عكر تنتمي إلى الطائفة الشيعية (كما جاء في البرنامج)، التي ترسخت في ذهن المواطن الإسرائيلي كرديف لـ حزب الله”، عند الحديث عن جنوب لبنان أو لبنان ككل. ومع ذلك نرى أن الإسرائيليين، يفصلون بين الأمرين، بينما هناك ما يسمح بالتساهل من جانبنا كعرب مع سلوى، التي التقطت صورة مع دانا زريق العربية الفلسطينية في نهاية المطاف، التي تنتمي إلى ذلك المجتمع العربي الذي صمد ولم يترك أرضه، وظل في بلده الذي تحوّل إلى إسرائيل!

تبدو المسألة حساسة، بغض النظر عمّا إذا كانت هناك معاهدة سلام عربية-إسرائيلية، انطلاقا من الرفض الشعبي لإسرائيل، وهو ما يعبر عنه المزاج العام في مصر والأردن اللتين وقعتا معاهدة سلام مع الدولة العبرية.

ليست هذه أول مرة يثير فيها لبنان مسألة التطبيع مع إسرائيل، وفي مجال مسابقات الجمال على وجه التحديد، إذ سبق وأن التقطت صور لملكات جمال لبنانيات مع ملكات جمال إسرائيليات في محافل دولية.. سالي جريج – دورون ماتالون، غادة ترك – تامار بورات، هانيا بيضون – إيلانا كارميل.. وهذه الأخيرة التقطت على هامش مسابقة للجمال في عام 1955.

لم تقتصر الصور التي جمعت بين لبنان وإسرائيل على مسابقات الجمال فحسب، إذ يُذكر في هذا الصدد تلك الضجة الإعلامية الكبيرة التي أثارتها الفنانة اللبنانية الراحلة صباح، بمشاركتها وصلة فنية مع المغني الفرنسي ذي الأصول اليهودية الجزائرية إنريكو ماسياس، ما أدى إلى وضع “الشحرورة” على القائمة السوداء، ومقاطعة أعمالها الفنية على الصعيد العربي، ليستمر ذلك من 1980 حتى 1985.. علما أن الفقرة الغنائية كانت في برنامج فرنسي، اعتقدت صباح أنه سينقلها إلى العالمية ليحدث عكس ذلك، في حينه، إذ خسرت جماهيريتها عربيا.

“أنا وفيّ لعلاقتي مع الإخوة في إسرائيل، ووفيّ أيضا لعلاقتي مع الإخوة في فلسطين”. يصعب تخيّل أن هذه الكلمات تعود لإنريكو ماسياس، قالها أثناء حوار مع مواطنه الكاتب، الصحفي سعيد خطيبي، علما أن ماسياس أحد أبرز من يتبنى النظرية القائلة بفبركة مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة، ويصف هذه الواقعة بـ “العمل المسرحي”.

أما الآن، فها هو إنريكو ماسياس يقيم الحفلات في مصر والإمارات، ويغني في ثنائيات تجمعه بالشاب خالد والشاب مامي وإيدير وغيرهم. هناك مفارقة في هذه المسألة، وهي أن إنريكو ماسياس الصهيوني يحيي الحفلات في دول عربية، ويغني مع فنانين عرب، علما أنه يمثل إسرائيل، وإن كان لا يحمل الجنسية الإسرائيلية، أكثر من دانا زريق، الفلسطينية التي تحمل جواز السفر الإسرائيلي، وليس هناك ما يشي بأنها تتبنى الأيديولوجة الصهيونية!

والآن إلى الحمّص…

هناك خبراء يشددون على أن الحمّص طبق يهودي، وليس إسرائيليا، ويعزز هؤلاء رأيهم بشاهد من العهد القديم الذي ذُكر فيه الحمّص.. الذي انغمس العرب واليهود في معضلة لها أول ما لها آخر لتحديد هويته.

ولكن حتى إن لم يكن الأمر كذلك.. بما أن المجتمع الإسرائيلي خليط من مواطنين جاؤوا إلى هذه البلاد من بلدان عديدة بما فيها العربية، فهذا يعني أن الحمص جزء من الثقافة الإسرائيلية أيضا. ولو أقيمت دولة اليهود في مدغشقر أو قبرص أو ألبانيا، أو غيرها كما كان مقترحا، لكنا كعرب سعداء بنشر الثقافة العربية-اليهودية، ولاحتفينا بيهودنا الذين ينشرون ثقافتنا المشتركة في العالم، تماما كما نسعد بانتشار الكبّة والفلافل والمناقيش بفضل مسيحيينا العرب وأحفادهم في البرازيل وتشيلي والأرجنتين.. ألسنا نعتبر اليهودية دينا لا قومية؟

لا يبدو أن السلام الحقيقي.. الحقيقي.. بين الإسرائيليين والعرب قريب. وعلى خلفية هذا المشهد المأساوي تظهر نداءات طريفة تناشد وتدعوا للسلام بين الجانبين. فإذا لم يكن طبق الحمّص سببا وجيها للسلام.. فلماذا لا يكون لحم الخنزير هو عامل الانطلاق للسلام المنشود كما يدعو فنان الاستعراضات الفكاهية، الأسترالي تيم مينتشين؟

وبالعودة إلى موضوع الحلقة الرئيس.. تُرى هل فكرت سوسن عكر، حينما استوعبت أنها تقف إلى جانب إسرائيلية، بانتمائها الوطني أولا؟ لن أشكك في ذلك وإن كنت أرى أن حاملة لقب ملكة جمال لبنان اهتمت أولا وأخيرا بردود الفعل التي ستتفجر بسبب صورتها، بالمعنيين الحرفي والمجازي، أمام العالم.. العربي.

شددت سوسن السيد بقولها: “شعارنا السلام”. حسنا.. إذا كان الأمر كذلك يبدو أن الصورة الملتقطة لفتاتين تمثلان إسرائيل ولبنان تصب في هذا الاتجاه، وتنسجم تماما مع الطرح الذي تفضلت به ضيفة البرنامج، ما يعني أنه من الأكثر منطقية الترويج لهذه الصورة إيجابا.. بما أن “شعارنا السلام”.

“ليس بوسعي إلا أن أكون إلى جانب الرأي العام”. يبدو أن هذه الجملة، التي وردت على لسان السيدة سوسن السيد في نهاية الدقيقة الـ 30 من البرنامج، هي مفتاح المشكلة والحل، ما يوحي بأن “المخرج اللي عاوز كده” هو الجمهور، الذي يفرض آراءه في الكثير من الأحيان، لا سيما في قضايا حساسة، كتلك المتعلقة بالتطبيع مع إسرائيل، وبناء عليه.. هل جاء قرار تجريد الحسناء اللبنانية سلوى عكر من لقبها انطلاقا من موقف رافض للتطبيع مع إسرائيل فعلا أم جاء إرضاء للجمهور؟

علاء عمر

قد يعجبك ايضا