شاهد !! ماذا كتب النائب مصلح الطراونه حتى اهتزّت مضاجع الانسانية !!
المرفأ:بقلم النائب د. مصلح الطراونة
قبل نهاية حزيران : لا يمكنني ابتداء الكتابة دون حيرة تهبط على الروح أثقل من الجبال ، حيث البداية تماما كتعلم الصغير للمشي، مخاوف كثيرة ، و منزلقات خطيرة تجرك إليها الحروف و الكلمات من حيث لا تدري، و لأني لا أجيد المواربة ولا السير في المناطق الرمادية دائما أجدني في مضائق و منعطفات شديدة الخطورة ، أو ربما تكون فيها النهاية.
ولأن حزيران عموما تاريخ يرتبط معي بالفقدان ، فقدان سبب التوازن على هذا الكوكب عندي ( أمي ) -رحمها الله رحمة واسعة – دوما ما أجدني أبحث في هذا التاريخ من كل عام عن جذور تربطني بالأرض أكثر ، وما أكثرها ، و مأ أشدها وجعا، في غيابها يمكن القول دون خجل أن الأشياء فقدت ألونها عندي، بل ربما أصبح الأمر أشبه بفقدان التمييز المرتكز على الحس ، باختصار بفقدانها أصبحت أرى في كل شيء وطنا و أرى كل شيء ( لا وطن ) .
ولأن الفاقد فطريا يبحث عن فقيد ، ينقب الأرض بحثا عنه ، يتأمل كل وجوه المارة ، عله يصادفه ذات حين ، لم أجد أجزل من وطني فقيدا أحاول نفض الرماد عنه عله يرجع جميلا و يعوضني غيابك أيتها – الأم الوطن – ولكن الأشواك أدمت يداي ، أدمتها دون رحمة ، و أصبحت ساقاي عاريتان للريح ، وكأنني أركض في الزحام ، زحام الشذاذ و السارقين ، زحام باعة اللحظة الأخيرة ، الذين يعقدون صفقاتهم قبل أن تقلع الطائرة .
في الوقت الذي يستنزف مني العمل جل ما أملك ، أعصابي و وصحتي وعائلتي راحتي، – وما ذاك بالكثير على الوطن- أجد من تسول له نفسه بالطعن و التشويه ، من تلك الفئة التي تترك السارق في ردهة المطار و يتأكد من مدى صدق الخبر ، أفي الأمر صعوبة في الإدراك ؟؟ ، و لكني على يقين بأن الأيام كفيلة بالإنصاف، و لكن الإنصاف حين يكون متأخرا بعد مرور الحافلة يكون موجعاً ، حيث لا يكون في ذلك الوقت إلا الندم.
عش الدبابير الذي أقحمت قدمي فيه كبير، وما زلت، و لا يليق بمثلي التراجع، وما حدث، ويحدث ،ما هو إلا بداية و النهاية أعمق و أشد سوادا، فما إمبراطور التهرب والتهريب إلا فرد من جمع ، ذهب و بقي أفراد الفصيلة ، تلك الفصيلة التي تحاول ليل نهار التشكيك بجهود الصادقين ، و التي تحارب جهارا نهارا كل من يدق ناقوس الخطر أمام وكرهم ، وتصيب برصاصها أجنحة كل من يرفرف فوق رؤوسهم ، وما عملية المداهمة التي حدثت مؤخرا على المنطقة الحرة، التي أعلنت عنها الحكومة، إلا دليلا حيا على صدق الحديث ، و أعلم أن جلكم يعرف هذا .
ولأن الموتى و أمي لا يقرؤون، و رسائلي لا تصلهم، ولأن القارئ الوحيد هو محيط -أو بالأحرى- خليط ، ربما تصيبني دعواتهم بالتوفيق و ربما تصيبني منهم سهام التشكيك، و لكني على يقين بأن هذا الوطن كما قال وصفي (لن يحترق ) ، لأنه ولد في النار ، ولكن الموجع هو أن يبقى حيا مع وقف التنفيذ ، حيا على الأجهزة التي يوفرها فريق الإنقاذ ، بينما البعض يقطع أوصال هذا الوطن كي لا ينهض .
كنت وما زلت عند تلك المبادئ التي انطلقت منها ، أخوض غمار فسادهم، و أحاول جاهدا كشف أستارهم ، وما زلت ،بما يمليه علي ضميري وما يفضيه عليه الدستور من سلطات، ولكن لتعلموا أنني في النهاية لا أمتلك سيف القضاء ، ولا بندقية المقاتل، وما أنا إلا فرد يحاول اجتياز بحر الفساد سباحة.
لأمي الراقدة في الثرى سلام ، و لعينيها الجميلتين سلام ، و لثراها الطيب الطاهر و ذكرها الناصع ألف سلام ، و للذين يرشقونني بدعواتهم الصادقة بكم أسير ولكم و لأجل هذا الوطن المبتلى أنافح .