كلمة معالي د.محمد أبوحمورفي مؤتمر التصوف الراشد / الاردن
Share
673
كلمة معالي د.محمد أبوحمورفي مؤتمر التصوف الراشد / الاردن
المرفأ-والصلاة والسلام على معلمي الناس الخير، أنبياء الله ورسله، وعلى خاتم المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسانٍ إلى يوم الدين.
دولةَ الإمام الصادق المهدي، رئيس المنتدى العالمي للوسطية
معالي الدكتور محمد كورماز، وزير الشؤون الدينية التركي السابق
عطوفةَ المهندس مروان الفاعوري، الأمين العام للمنتدى العالمي للوسطية
أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة
أيها الضيوف الأعزاء والحضور الكريم:
أحييكم تحية طيبة مباركة،
وأستذكر معكم قول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ). [ سورة النحل: الآية 128] صدق الله العظيم، وبعد:
يشرفني أن أرحب بكم في عمّان عاصمة الهاشميين، وأزجي لكم التحية والتقدير على حضوركم ومشاركتكم في مؤتمرنا هذا، الذي يعقد بالتعاون بين المنتدى العالمي للوسطية ومنتدى الفكر العربي، الذي يمثلُ نموذجاً للتلاقي الفكري نحو الجامع المشترك الأعظم لتوحيد الأمّة ورفعة شأنها، والانفتاح المستبصر على الآخر الإنساني، بأبعاده الفكرية والوجدانية والثقافية.
تعلمون أيتها السيدات والسادة، أنَّ أمّتنا العربية والإسلامية أحوج ما تكون إلى استعادة قدرتها على النهوض من مأزق الفتن والصراعات والتشرذم، الذي أصاب بناها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، ولا سيما خلال العقود الماضية، وكذلك تقوية ركائزها الحضارية العميقة في مواجهة التحديات القائمة والمستقبلية، التي تؤثر على كيانها وشخصيتها وتراثها وثقافتها وهويتها ومستقبلها.
لقد مرَّت هذه الأمّة إبان القرن الماضي ومطالع القرن الحالي بتحولاتٍ عديدة وتغيرات مصيرية عميقة لا نزال نشهدها، وقد أضافت كل هذه المعطيات أبعاداً جديدة في واقع الأمّة والإنسان العربي والمسلم، وأخطرها تنامي ظواهر العنف والتطرف والإرهاب وخطابات الكراهية، على إثر تداعيات ما سمّي “الربيع العربي”، التي زادت من الشروخ طائفياً ومذهبياً وإثنياً وجهوياً، وأدت إلى أزماتٍ أصابت المجتمعات والقيم، واستنزفت الأرواح بالحروب والنزاعات، وتسببت بخسائر جسيمة في الطاقات البشرية والإمكانات المادية، مما جعل انعكاساتها ماثلة بحدّة في زيادة مساحات الفقر والتشرد والهجرات القسرية وغير ذلك من نكبات.
كل ذلك ألقى بمسؤولية كبيرة على المؤسسات الفكرية وعلى المفكرين وأصحاب الرأي في أن ينهضوا بدورهم لتجديد الرؤى وأساليب الإصلاح واستشراف المستقبل. ولعل منتدى الفكر العربي، والذي يعدّ اليوم أقدم مؤسسة فكرية عربية، لم يألُ جهداً منذ تأسيسه عام 1981 على أن يكون حاضراً من خلال أهدافه ومشروعاته وأنشطته العديدة في الإسهام بدراسة مختلف قضايا العالمين العربي والإسلامي، وتعزيز الحوار بما يخدم التعاون ومصالح الشعوب ورفعتها، وتأكيداً بأن التنمية المستدامة بمختلف مجالاتها شرط موضوعي لاستئناف الدور الفاعل في مسيرة الحضارة الإنسانية، وتبوء المكانة الجديرة بهذه الأمّة ومكوناتها، والحفاظ على كيانها أمام تيارات التطرف والظلامية والإرهاب، واستثمار التنوّع والتعددية كمصدر إثراء، لا عامل تفتت وانقسامات بين أجزاء الأمة وفي داخل مجتمعاتها.
لقد بادر منتدى الفكر العربي ومع بدايات هذا العقد ونشوب اضطرابات “الربيع العربي” إلى إطلاق “الميثاق الاجتماعي العربي” عام 2012، ومن ثم “الميثاق الاقتصادي العربي” عام 2015، وسيتبعهما قريباً “الميثاق الثقافي” و”الميثاق البيئي” و”الميثاق السياسي”، مما يشكل في المحصلة أعمدة مشروع النهضة الفكرية العربية، الذي يستهدف الحفاظ على هوية الإنسان في أوطاننا، وصون حقوقه وكرامته الإنسانية، والتوعية بأسس الاستقرار والمواطنة الفاعلة، والنهوض للمجتمعات والدول في إطار حفظ كيان الأمّة ومقدراتها، وقدرتها على صنع مستقبلها بأيدي أبنائها، ومن معين مخزونهم الحضاري، والفكر المستنير، والرؤى الشاملة المستوعبة لقضايا العصر وسنّة الحياة في التطور والتجديد.
الأخوات والإخوة الأفاضل،
إن هذا المؤتمر بموضوعه ومحاوره، يمثل أنموذجاً في رسم الملامح العامة للمشترك الإنساني، عبر تقديم الصورة الخالية من النقص والتشويه للدين القويم، وتأكيد دور الفكر وأهل العلم في العمل على ترسيخ القيم واستلهام منهج القرآن الكريم في العبادة والعقيدة والسلوك، وتمثُّل شخصية الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) والاقتداء بأخلاقه وسجاياه وطبيعة رسالته، التي تقوم على مكارم الأخلاق، وصلاح الأمر، والمعروف، والإحسان إلى الناس، والعفو والتسامح، تحقيقاً للسعي إلى تحقيق الكمال الأخلاقي والسعادة الروحية.
إنَّ الكشف من خلال بحوث السادة العلماء عن جوانب التأصيل لمنهج التصوف في القرآن والسنّة،وترسيخ القيم الروحانية والاعتدال والتوازن التي تُميّز ديننا الحنيف،هي مهمة جليلة في توضيح مبادئ التَّصوف الإسلامي وسلوكياته الراشدة، ولها بُعد حضاريّ في عصرنا الذي تتقاذفه الصراعات من كل اتجاه.
وكذلك، الإبانة عن دور علماء التصوف في الحفاظ على المورث الديني والقيمي والأخلاقي والروحاني للأمّة. وإحلال السلام العالمي والأمن المجتمعي.فالمجتمع الإنساني يحتاج إلى الأمن الاجتماعي، ولا يتحقّق ذلك، إلا إذا كان المؤمنون كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضه بعضاً. وهو ما يشير إليه أوضح الإشارة الحديث الشريف: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون على الإثم والعدوان. وهو الإرث الذي يرتكز عليه التصوف، فقد كان ظهور الطرق الصوفية استجابة لحاجة البناء الروحي والاجتماعي في الوقت نفسه. فالسلام النفسي والأمن الروحي هو نقطة الارتكاز التي تعتمد عليها جميع أنواع الأمن الأخرى التي ينشدها الإنسان.
أيها الحضورُ الكريم
لقد تميَّز المتصوفة المسلمون بتأصيل تجربتهم الروحية والوجودية اعتماداً على القرآن الكريم وعلى السنّة النبوية الشريفة، وتفاعل التصوف الإسلامي تفاعلاً خلّاقاً وإيجابياً مع باقي أشكال التصوف التي نشأت في بيئات أخرى، انطلاقاً من قاعدة التأثير والتأثر، دون المساس بروح التجربة ومبادئها وخصوصياتها الإسلامية.
كما أنَّ التصوف الإسلامي منهج معرفي في الترقّي في المقامات والأحوال، يقوم على الكشف والإلهام، الى جانب كونه سلوكاً في الحياة يسلكه الصوفي عبر الرياضات القلبية والوجدانية.وتنبع أهمية هذا المؤتمر من خلال التركيز على حقيقة التصوف الراشد الذي يساهم في عمليات إصلاح الفرد والمجتمع معاً، ويخدم الإنسان وكرامته.
وإنه لمن المؤمَّلأن يعزِّز هذا المؤتمر بتوصياته الإسهام في ترسيخ المفاهيم الخالصة للوسطية والاعتدال لدى الأمّة من خلال الحفاظ على المورث القيمي والأخلاقي أساس بناء الإنسان ونهوض المجتمعات، وإعادة الثقة لأبناء الأمّة الواحدة ودورها الإنساني والحضاري العظيم، وتأكيد الحكمة والتوازن والرشد كنهج إسلامي رائد في حل الخلافات بالحوار، ورفض التأزيم والصراع والعنف مهما كانت أسبابه ومبرراته.
الشكر الجزيل لكم جميعاً، وللإخوة القائمين على المنتدى العالمي للوسطية على جهودهم المباركة في حُسن التعاون لتنظيم المؤتمر وسائر ما يقومون به من جهود ومساعٍ طيبة.
نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيديكم لكل ما فيه خير أمّتنا العربية والإسلامية، وصلاح أمرها وأمر مجتمعاتنا، وأن يلهمنا السداد في القول والعمل إنه سميع مجيب.