سارة : من اجل تمشي .. وقعت ضحية لمختبر غير مرخص للعلاج.تفاصيل
المرفأ.كبرت أحلام الطفلة سارة صلاح (13 عاما) مع كل خطوة خطتها من نابلس إلى عمان، بعد وعد من مركز خلايا جذعية غير مرخص، بأنها ستعود إلى وطنها المحتل وهي تمشي على قدميها.
لم تسع الفرحة ابنة جبل النار في نابلس، عندما قرأت عبر إعلانات عبر مواقع تواصل اجتماعي وتحديدا “فيسبوك” عن نجاعة زراعة خلايا جذعية في العمود الفقري، يمكن ان تخلصها من كرسيها المتحرك الذي لازم جسدها برغم إجرائها لست عمليات جراحية في المستشفيات الفلسطينية.
بلا تردد؛ تحركت عائلتها إلى عمان، ترافقهم ابنتهم سارة بناء على طلب فريق المركز الذي استقبلها بالورود، وتعهد لها بـ”أنها ستعود بعد زراعة الخلايا في عمودها الفقري إلى نابلس، مشيا على الأقدام بعد ترتيب إجراءات دخولها إلى مستشفى خاص بعمان”.
لم تعد تميز سارة بين دموع الفرح والحزن. مشاعر مختلطة امتزجت في قلبها، ترجمتها بعينيها عندما نظرت إلى والدها قائلة “25 ألف دينار يا بابا.. مو كثير على سعادة بنتك، لتشوفها تمشي”.
استذكر والدها شريط إصابة ابنته بالشلل في أطرافها السفلية أثناء العملية الخامسة في مستشفى كبير في فلسطين، عندما هم الأطباء بتنظيف كتلة ألياف في ظهرها، فأصابوا عصبا شل قدميها، ومع ذلك حاول الفريق الطبي علاجها خلال العملية السادسة، لكنهم فشلوا، فتحولت سارة إلى “ضحية خطأ طبي” حسب قول والدها في اتصال هاتفي معه في عمان.
وأضاف والد سارة، “لم أقصر مع ابنتي، فقد بنيت لها جسرا بين بيتنا ومدرستها حتى تدرس، ومصعدا داخليا في مدرستها، يسرع بوصولها إلى صفها ومختبرا مدرسيا، فإذا كانت زراعة خلايا جذعية حية تمكنها من السير على قدميها، لن أتأخر عنها حتى لو كلفني ذلك كنوز الدنيا”.
بين مصدق ومكذب، وتحت ضغط العواطف والأمل بشفاء طفلته الجميلة المتفوقة أكاديميا، دفع المبلغ كاملا، مقابل ثمن خلايا حية، قد يستوردها من الخارج على حد تعبيره، لكنه اكتشف مؤخرا أنه وقع “ضحية لمختبر يفصل الخلايا الجذعية، لكنه غير مرخص للعلاج، ويصطاد ضحاياه عبر إعلاناته الوهمية على صفحات فيسبوك وما ينشره عبر “يوتيوب”.
بعد أن فشلت عملية “الخلايا الجذعية” قبل عام ونصف العام تقريبا، تقدم والد سارة بشكوى رسمية إلى وزارة الصحة في عمان، متأملا بـ”أن يحاسب فريق المركز الذي صادر أحلام ابنته بعد فشل العملية”، لكن هذه الشكوى ظلت منذ تقديمها قابعة في أدراج مسؤولين بالوزارة، حسب تأكيداته.
والد سارة انتهز فرصة التعديل الوزاري في حكومة عمر الرزاز، وجدد ملاحقة قضية ابنته في الوزارة، وشرح للوزير سعد جابر كيف وقع ضحية للمركز غير المرخص، مطالبا بإغلاقه وتحويل من يتلاعب بصحة الناس إلى القضاء.
قضية سارة؛ فتحت ملف الخلايا الجذعية في الأردن، وسط فوضى تنظيمية ورقابية على مراكز ومختبرات غير مرخصة وأطباء يجرون تجاربهم على البشر، لعلاجات لم يتثبت بعد علميا من مدى فاعليتها، وما تزال محل تجريب عالميا.
وسط ذلك؛ شكل وزير الصحة لجنة من خبراء مستقلين في الخلايا الجذعية، واستشاري جراحة دماغ وأعصاب وعمود فقري وطبيب باطني واختصاصي تخدير، لدراسة ملف سارة، وإعطاء الرأي العلمي في مثل إجراء هذه العمليات الخاصة بالشلل النصفي، والتي وما تزال قيد التجارب في دول العالم المتقدم.
نهاية الشهر الماضي؛ حددت اللجنة اجتماعها لدراسة ملف سارة، لكن عضو اللجنة الدكتور أسامه جاموس استشاري جراحة الدماع والأعصاب والعمود الفقري في مستشفى البشير الحكومي، أكد “أن اللجنة ما تزال تجتمع لدراسة الشكوى المقدمة من ذوي الطفلة، ولم تتوصل إلى قرار حتى الآن”.
الخبير في زراعة الخلايا الجذعية، مدير مركز الحسين للسرطان السابق، محمود السرحان، دعا إلى “وقف العمليات العلاجية غير المثبتة علميا، حتى لا يتحول الأردن إلى أضحوكة في الطب”، مبينا أن “علاج أمراض الشلل النصفي والدماغي والتوحد السكري والعقم، ما يزال تحت التجارب العلمية، ولم تثبت نجاعته حتى الآن عالميا”.
وكان السرحان عضوا في اللجنة الوطنية التي شكلها وزير الصحة السابق محمود الشياب، بحيث خرجت اللجنة السابقة بعدة توصيات، ابرزها “إيقاف تجارب الخلايا الجذعية على البشر كونها غير مثبتة عالميا، وفيها استغلال مالي وجسدي للمرضى”.
وأكد السرحان “وجود تجاوزات لأطباء أجروا تجارب على مرضى أردنيين وعرب، دون موافقتهم الخطية المستنيرة”، معتبرا هذا الفعل “منافيا لأخلاقيات الدراسات السريرية ومواثيقها العالمية”.
وأضاف لـ”الغد”، أن “أطباء يتسرعون بالإعلان عن نجاحاتهم العلمية قبل نشرها في مجلات علمية طبية محكمة عالمية، وقد يعود ذلك لمحاولة تحقيق مكاسب مالية سريعة”، مطالبا بـ”نشر تحذيرات رسمية عن هذه التجارب عبر المواقع الإلكترونية، حتى لا يتضرر المرضى نفسيا وماليا”.
وبالعودة إلى والد سارة، فقد توجه حسب قوله، إلى نقابة الأطباء لتقديم شكوى رسمية بحق المركز وبعض الأطباء الذين تنتشر إعلاناتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن النقابة أوضحت موقفها للمشتكي مباشرة، بأن “صاحب المركز ليس عضو هيئة في النقابة”.
يشار إلى أن النقابة أعلنت عن موقفها بأنها “ضد العلاج بالخلايا الجذعية التي ما تزال في طور الأبحاث التجريبية”، وفق رئيس ضبط المهنة السابق هشام الفتياني، الذي قال لـ”الغد” “لا تحملوا نقابتنا ملف العلاج بالخلايا بأكمله، فهو مسؤولية مشتركة بين عدة جهات طبية ورقابية، وبحاجة لتنظيم وتعاون بين الجهات كافة”.
كما أقر مدير الترخيص والمهن الصحية في الوزارة السابق حكمت أبو الفول بوجود عمليات خلايا جذعية “سرية”، تجرى في مستشفيات وعيادات خاصة، ومع ذلك “لم تتمكن الوزارة من ضبط أي مخالفات علاجية، برغم جولاتها التفتيشية الفجائية”.
وكشف أبو الفول، وهو أمين عام وزارة الصحة الحالي، عن وجود “مخالفين من الأطباء في المستشفيات، لكن عند استجوابهم لا يرد ما يشير إلى كلمة (خلايا)، فضلا عن أن أغلب المرضى لا يذكرون أي تفاصيل تتعلق بطبيعة العملية أو حتى أسعارها”.
ولم تكن سارة الضحية الوحيدة لوعود أطباء ومراكز خلايا جذعية، تجري عملياتها العلاجية في مستشفيات أردنية غير مرخصة، بعيدا عن الرقابة الذاتية (أخلاقيات الطبيب)، وأعين الجهات الرسمية متمثلة بالوزارة.
فالشاب العشريني زيد السيد، تطوع في العام 2016 في بحوث زراعة خلايا جذعية لعلاج الشلل النصفي السفلي، بعد تعرضه لحادث منعه من السير على قدميه، إلا أن حلمه بالعودة لحياته السابقة تبدد، كما هو حال الطفلة سارة.
الشاب زيد كان من بين مرضى مصابين بالحبل الشوكي، ممن تطوعوا في إحدى الدراسات العلمية بمركز العلاج بالخلايا الجذعية (مرخص)، لكنه أيضا لم يتحسن بالرغم من أخذه للخلايا الجذعية في الأردن.
وقبل إجراء عمليته في الأردن؛ وقعت أسرة زيد ضحية مركز علاجي في أوكرانيا، بقيادة طبيب عربي، منحهم أملا بعلاج شاف، ليكتشفوا بعد أن تكلفوا قرابة عشرة آلاف دينار بأن الخلايا الجذعية مجرد أوهام، حسبما قال والد زيد.
ونصح والد زيد أهالي المرضى بإنفاق أموالهم على تحسين حياة أولادهم، بدلا من إنفاقها على “خزعبلات الجذعية”، مؤكدا بأن “أحد المراكز المحلية الخاصة، طلب منه 30 ألف دينار لحقن العمود الفقري بالخلايا الجذعية، والنتائج غير مضمونة”.
الغد