النواب تدعو لتعديل “محاكمة النواب” تصطدم بضيق الوقت

875

المرفأ.فيما برزت مطالبات نيابية بتعديل الدستور وتحديدا في البنود المتعلقة بالحصانة النيابية لتكون محصورة في الأعمال المرتبطة بالدور الرقابي والتشريعي للنواب، وليس في المخاصمات الجزائية وحقوق الآخرين، أكد برلمانيون وحقوقيون أنه مع قرب انتهاء الدورة العادية الأخيرة لمجلس النواب، باتت المطالبات بالتعديل “خطوة متأخرة وأن البدء بها يدخل في باب الاستعراض الإعلامي والسياسي”.
وبهذا الخصوص، يؤكد نواب “ضرورة زيادة الحصانات على النواب لممارسة أعمالهم دون أي قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية بالشكل الذي يبعدهم عن أي تهديد أو وعيد أو ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم عن متابعة أعمالهم”.
وأشاروا إلى أن “خطوة الحكومة في إحالة القضايا الأخيرة للنواب لرفع الحصانة عنهم لم تكن موفقة سواء من حيث التوقيت أو نوع القضايا المطلوبة في ظل الهجوم غير المسبوق على المؤسسة البرلمانية ومحاولة تهميشها تعطيل أعمالها من جهات لم يسمونها”.
في أجواء مثل هذه، برز موقف نيابي ثالث يؤكد “أن أي تدخل تشريعي أو دستوري بتعديل النص لا يمكن أن يحل المشكلة ولكن من الممكن تكريس عرف برلماني داخل المجلس ينظم هذه الحالة ويحصرها في القضايا الخطيرة”.
النائب حسين القيسي، وهو رئيس لجنة الطاقة وعضو اللجنة القانونية يؤكد أن “المسألة بدأت بعدم مؤاخذة عضوي النواب والأعيان عما يبدر من أفعال وأقوال تحت القبة لممارسة دورهم التشريعي والرقابي، لكن هذه المسألة تطورت في مختلف دساتير العالم، والتوسع في هذا الموضوع تم تحديده بموجب الدستور في المادة 86 منه، وفي المقابل وأمام الضغط الشعبي والنظرة السلبية لمجلس النواب، أصبحت الحصانة عبئا على النائب، فيما التذرع بالحصانة يجب أن لا يفسر بأوسع نطاق، وإنما بتكريس عرف برلماني داخل مجلسي النواب والأعيان لتنظيم الحالة وحصرها بالقضايا الخطيرة”.
واعتبر القيسي، “أن القضاء في النهاية سيأخذ مجراه، وعلى النائب أن لا يتمسك ويتمترس وراء حصانة إمهال وليست حصانة إهمال”.
ونص الدستور في المادة (86) على “لا يوقف أحد أعضاء مجلسي الأعيان والنواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فورا”، فيما نصت الفقرة الثانية من المادة ذاتها على “إذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون مجلس الأمة مجتمعا فيها فعلى رئيس الوزراء أن يبلغ المجلس المنتسب إليه ذلك العضو عند اجتماعه الإجراءات المتخذة مشفوعة بالإيضاح اللازم”.
وقال القيسي بهذا الخصوص، “إن الحصانة تقضي بعدم جواز اتخاذ إجراءات التوقيف والمحاكمة بحق عضو مجلس النواب في غير حالة التلبس أثناء الانعقاد إلا بعد الحصول على إذن المجلس وهذا ما يطلق عليه بالحصانة البرلمانية الإجرائية”.
أما الحصانة البرلمانية الموضوعية، فتتمثل بعدم جواز مؤاخذة أعضاء البرلمان جزائيا ومدنيا في أي وقت من الأوقات عما يبدونه من آراء أو أفكار بمناسبة قيامهم بعملهم البرلماني.
من جهته، قال النائب فضيل النهار إن “المجالس النيابية تضطلع بوظائف ومهام كبيرة، فهي من تسن القوانين التي تحدد معالم السياسات الحكومية على الصعيد الداخلي والخارجي، كما أنها تراقب سياسات الحكومة الداخلية والخارجية من النواحي السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك أعطى الدستور الأردني مجموعة من الحصانات لأعضاء مجلس النواب وذلك لممارسة أعمالهم دون أي قيود تحد من حريتهم وتحفظ لهم الاستقلالية بالشكل الذي يبعدهم عن أي تهديد أو وعيد أو ضغط يمارس عليهم، والحيلولة دون إعاقتهم عن متابعة أعمالهم”.
وأشار النهار إلى أن “الحكومة استغلت الظرف الآن وطلبت القضايا على النواب خلال اجتماع الدورة العادية التي تنتهي عمليا في التاسع من أيار (مايو) المقبل، وبقضايا غير ملحة بالتزامن مع الهجمة التي تتعرض لها المؤسسة البرلمانية التي يحاول عديدون النيل من هيبتها واستقلاليتها”.
واعتبر، “أن أي نائب يمكن محاكمته بأي قضية، ونحن لسنا ضد المحاكمة ولكن يتوجب الأخذ بعين الاعتبار طبيعة قضية النائب والظرف السياسي الذي يرسل فيه طلب رفع الحصانة عنه، بعيدا عن حالات الاحتقان الشعبي والسياسي”.
وشدد النهار على أن “الحصانة البرلمانية الآن غير كافية لنائب منتخب شعبيا، لكني ضد أي تعديل دستوري للانتقاص منها بل أطالب بالمزيد من الحصانات التي يمكنها أن تحمي رأيه ومواقفه السياسية في البرلمان”.
لكن النائب نبيل غيشان، أكد أنه مع التعديل الدستوري الذي يحصر الحصانة البرلمانية بالدور التشريعي والرقابي للنائب، وأن يحاكم النائب كسائر المواطنين سواء خلال الدورة العادية أو بدونها على قضايا تتعلق بحقوق الآخرين، مشيرا إلى أنه طالب بذلك مرارا، غير أن الوقت الآن غير كاف لطرح مذكرة بهذا الخصوص، لأن ذلك وفق غيشان، “يدخل الآن في باب الاستعراض الإعلامي والسياسي، لا سيما أنها الدورة الأخيرة للمجلس النيابي المثقل بالملفات القانونية والسياسية الكبيرة”.
وأيد النائب إبراهيم بني هاني، في حديثه ما ذهب إليه زميله غيشان، من أن الحصانة يجب أن ترتكز على أعمال النائب الرقابية والتشريعية لتحصينه ضد أي ضغوط سياسية قد يتعرض لها خلال ممارسته العمل البرلماني.
وأشار إلى أن “النائب مواطن في النهاية، وعليه أن ينصاع لأمر القضاء، وأن يمتثل إذا ما كانت هناك خصومة لها علاقة بحقوق الآخرين والمخاصمات الجزائية معهم”.
من جهته، استعرض عضو اللجنة القانونية النيابية، مصطفى ياغي، تطور مسألة الحصانة بالقول، “إن القانون الأساسي للعام 1928 لم يتضمن عند صدوره أي إشارة إلى الحصانة البرلمانية الموضوعية (الحصانة ضد جرائم الرأي) أو الحصانة البرلمانية الإجرائية (الحصانة ضد الإجراءات الجزائية) كضمانات من ضمانات المجلس التشريعي”.
وأضاف ياغي، “كانت الحصانة البرلمانية من أبرز ما طرحه أعضاء المجلس التشريعي آنذاك، حيث رفضوا النظر في جدول الأعمال الموكلة إليهم والتي كان على رأسها التصديق على المعاهدة الأردنية البريطانية إلا بعد إقرار نصوص تمنح أعضاء المجلس التشريعي الحصانة البرلمانية، فما كان من الأمير عبدالله إلا أن تدخل لفض النزاع لصالح المجلس التشريعي وتم منح أعضائه الحصانة البرلمانية بموجب تعديل القانون الأساسي للعام 1928”.
ووفق ياغي، “جاءت المادة (41) من القانون الأساسي بعد التعديل لتؤكد على أنه لا يلقى القبض على أحد أعضاء المجلس التشريعي أو يحاكم خلال الدورة ما لم يعلن بقرار وجود سبب كاف لمحاكمته أو أنه ألقي القبض عليه أثناء ارتكابه الجناية، ولكل عضو من أعضاء المجلس الحرية في التكلم ضمن حدود النظام الداخلي الذي أقره المجلس ولا تتخذ بحقه إجراءات قانونية من أجل أي تصويت أو رأي أو خطاب يلقيه، وإذا القي القبض على عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم.
وأشار إلى أنه وبعد إلغاء القانون الأساسي للعام 1928 وإصدار دستور 1947، أكد هذا الدستور في المادة (54) منه على أنه “لا يوقف أحد الأعضاء ولا يحاكم في مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر في المجلس الذي هو منتسب إليه قرار بالأكثرية بوجود سبب كاف لمحاكمته أو ما لم يقبض عليه حين ارتكاب الجناية ولكل عضو الحرية في الحديث ضمن حدود نظام المجلس الذي هو منتسب إليه ولا تتخذ إجراءات قانونية من اجل أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه، وإذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقدا فيها فيبلغ رئيس الوزراء المجلس عندما يعيد اجتماعه الإجراءات المتخذة مع الإيضاح اللازم”.
وبين ياغي بالقول، “إن النظام الداخلي لمجلس النواب في تلك الفترة لم يتضمن أي إشارة إلى الحصانة البرلمانية بشقيها الموضوعي والإجرائي ولم يبين الآلية القانونية لرفع الحصانة”، مشيرا إلى أنه “بعد ذلك صدر دستور 1952 والذي نص على الحصانة البرلمانية في مواده (86) و(87)”، فيما أوجب دستور (1952) على الحكومة في حال القبض على العضو في حالة التلبس بالجريمة إعلام المجلس فورا وهذا ما لم يكن منصوصا عليه في دستور 1947.
واعتبر ياغي، “أن النظام الداخلي الحالي لمجلس النواب جاء متطورا ومنسجما مع ما تتطلبه الحياة النيابية والديمقراطية، ففيما يتعلق بالحصانة البرلمانية فقد أكد النظام الداخلي في المادة (146) منه على الحصانة البرلمانية الإجرائية ووسع من نطاقها الإجرائي ليشمل امتناع اتخاذ أي إجراءات جزائية أو إدارية بحق عضو البرلمان في أثناء فترة انعقاد المجلس باستثناء حالة التلبس بالجريمة”.
كما بين النظام الداخلي، بحسب ياغي، إجراءات رفع الحصانة عن عضو مجلس النواب، حيث يقدم رئيس الوزراء طلب الإذن باتخاذ الإجراءات الجزائية إلى رئيس المجلس مشفوعا بمذكرة تشتمل على نوع الجرم ومكانه وزمانه والأدلة ويقوم رئيس المجلس بإحالة الطلب إلى اللجنة القانونية لفحصه والنظر فيه وتقديم تقرير عنه خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً، فإن لم يقدم التقرير خلال تلك المدة جاز للمجلس البت في الطلب مباشرة ويعرض تقرير اللجنة على المجلس لمناقشته للبت نهائيا بالأمر، فإذا وجد المجلس سببا كافيا لاتخاذ الإجراءات المطلوبة يتخذ قراره برفع الحصانة بالأكثرية المطلقة”.
رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، عبد المنعم العودات، قال، “إن مسألة فتح مواد الدستور تحتاج إلى قرار سياسي لغايات إجراء التعديلات”، لافتا إلى أن “أحاديث نيابية سابقة كانت تدور حول أن تبقى الحصانة موضوعية داخل قبة البرلمان، فيما يمكن الحديث عنها بالمستقبل بعيدا عن الحصانة الإجرائية”.
واعتبر العودات، “أن لا مطالبات رسمية من النواب بتعديل نصوص الدستور خاصة في الجزئية المتعلقة بالحصانة الرلمانية”.
وكان العودات، أكد سابقا أنه “عندما يطلب من مجلس النواب رفع الحصانة عن عضو من أعضائه فهو لا يبحث في موضوع الوقائع المنسوبة إليه بحثا قضائيا ليبين الإدانة أو البراءة وإنما يفحصها فحصا سياسيا للتأكد فقط من كون الاتهام جديا أو كيديا وليد دوافع أو أغراض انتقامية تهديديه، فإن ظهر للمجلس جدية الاتهام وجب عليه رفع الحصانة البرلمانية عن عضو البرلمان”.
وقال، “هذا ما أكده النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة (150) منه، حيث نصت على أنه “ليس للمجلس أن يفصل في موضوع التهمة وإنما يقتصر دوره على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين له أن الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي”.

قد يعجبك ايضا