أسبوع انهيار سعد الحريري ووليد جنبلاط في “التسوية الرئاسية
Share
486
المرفأ.عندما نزلنا إلى الشارع مع مئات الأصدقاء في صيف 2016 ضمن مجموعة لبنان الإنسان، كان الهدف إنهاء فراغ سببه تغيّب النواب عن أكثر من 40 جلسة، وتخلفهم على مدى سنتين ونصف من أداء واجبهم الدستوري الأساسي، وهو حضورهم جلسة الانتخاب الرئاسي.
ومع التظاهرات المستمرة مساء كل ثلاثاء والضغط المعنوي المتواصل من آب إلى تشرين، تصدّع جدار التعطيل بكَسْرْ النائب الشمالي الأستاذ اصطفان الدويهي مسار التعطيل، والتعطيل هو ما كان يتباهى به الأستاذ جبران باسيل باسم عمّه والمجموعة المعطلة، وعلى رأسها السيد حسن نصرالله.
ولما شارفت الحملة على الانتصار بكسر النصاب المعطل – وهدفها منافسة رئاسية حضارية – انقلب الأستاذ سعد الحريري على نفسه وتاريخه. هذه الصدمة أسبابها الدفينة لا أعرفها.
التجاهل والخذلان
ذاك الأسبوع، أسبوع 17 تشرين الأول 2016 كان مفصلياً في تاريخ لبنان، وكنت قد طرحت على مكتب الحريري ما يمكّن سعد الحريري أن يقوم به للتجانس مع سيرته ومطلب مناصريه. وكان المكتب متجاوباً، إلى حدّ أن كتبت الكلمة التي تسمح لسعد الحريري أن يفرض طابعه على التاريخ متألقاً، فتجاهلها، وخذلنا وخذل مناصريه، وأوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. (النصوص والمراسلات موجودة ، يجد القارىء مثلاً لها في نهاية هذه المقالة).
لم أتوقّف ذاك الأسبوع من البحث عن طرق لمنع الانهيار الأخلاقي والدستوري المتمثّل بـ”انقلاب الحريري على نفسه” (وأذكّر أنه هو الذي استعمل العبارة في حديثه إلى الثورة)، والتعطيل المفروض على نظامنا لمصلحة شخص. وكان واضحاً أن رئيس المجلس الأستاذ نبيه برّي، وعندي معه جفاء منذ ما طالبته شخصياً وفي العلن عدم التجديد منذ عقدين، لا يستسيغ وصول ميشال عون إلى الرئاسة، كما أن وليد جنبلاط أيضاً لا يحبّذه. وكنت مستمراً في أمل ضئيل، وهو أن يرتفع النائب سليمان فرنجية إلى المستوى المطلوب، ويتابع حملته جهاراً لنَصِل على الأقل إلى جلسة تنافس وليس أمراً واقعاً يكرس التعيين الدكتاتوري بدل المنافسة الملازمة لكلّ نظام حرّ، لكنه بقي متردداً، ولو أظهر مضضاً من وصول ميشال عون إلى الرئاسة بعدما كان جنبلاط والحريري قد أعلنا (سابقاً) دعمهما له.
سهرة الاستسلام
لا أدري لماذا لم يقم فرنجية باندفاع أكبر، ولا أعرفه شخصياً لتصور المسببات، كما أن التواصل معه كان صعباً لمحبتي واحترامي لسمير فرنجية وعمق العلاقات التي كانت تربط حميد فرنجية مع جدي شبلي وبعدها مع والدي.
لكني كنت ولا أزال على صداقة تاريخية مع وليد جنبلاط، وقد جهد في ممانعته بمحاولة ثني الحريري عن موقفه الضال. هذا كلّه تبلور في خلال ثلاثة أو أربعة أيام من نهاية أسبوع المحوري، وكنت لا أزال أطرح حيثما أمكن ضرورة التصدي للعصفورية الدستورية الناتجة عن التعطيل المقرون بمبدأ “أنا أو لا أحد”.
وفي نهار الخميس من 27 تشرين الأول، اتّصل بي وليد جنبلاط لدعوتي إلى العشاء لنتحدث عن المستجدات، وكنت آملاً أن أنجح في شدّ عصبه لمنع المسار المقوّض للجمهورية، فقصدت ضيافته عند السابعة. كنت وحدي مدعواً مع الأستاذ كارلوس اده، وهو الصديق صاحب مواقف العز في مساره السياسي المرّ.
فور وصولي سألت وليد جنبلاط هل السهرة سهرة مقاومة أو سهرة استسلام؟ فأجابني بأن الجواب هو الثاني، ومضت السهرة في أحاديث هامشية، مقتضبة وثقيلة بمحاولتي استمرار مقاومة الأحادية في الجمهورية من دون جدوى.
لم تكن هذه أول مناسبة اختلاف مع وليد جنبلاط وقد تلاقينا واختلفنا مراراً. ولكلّ حساباته، وكنت أكثر حريّة منه بوجود أولادي في الخارج.
لكنها كانت مناسبة متجددة لعدم ارتفاع كلّ من جنبلاط والحريري إلى المسؤولية التاريخية، وخذلانهما للناس التوّاقين في لبنان إلى الحرية والديموقراطية. ولم أتوان مذذاك، في الحفلات الخاصة وفي العلن، عن التذكير بتسببهما في خراب البلاد على أنقاض ما بناه مناصروهما بالعذاب والأمل.
عودة إلى واصا باشا
كما لم أتوقف عن التصدي لميشال عون بالحجة، يوم تعيينه في 31 ت1 (وأذكّر انه كان تعييناً لأن وحدها المنافسة ديموقراطية، وعلى ما أذْكر كانت المنافسة الوحيدة مدام كلينك) في حوار مطوّل في التلفزيون الفرنسي عبّرت فيه عن قلقي بسبب عقلية التهويل والمدفع الملازمة لسيرته، واستمر استهجاني بعدها من تمادي العهد الجاهل في اسلوب المتصرف واصا باشا في أواخر القرن التاسع عشر، وكان صهره كوبليان من أسباب فساده، وأبيات تامر الملاط في فساد واصا باشا لا تزال تتردد في ذاكرة اللبناني الشريف إلى اليوم. رحم الله عصامية كمال جنبلاط وعلمه، وقد أبن شاعر الأرز بكلام بديع في “أن تاريخ لبنان لا يتجزأ”.
هذه الشهادة أقدّمها للثورة في يوم آخر من إطباق الفساد على الجمهورية، ليس فقط للتحسر على الماضي الضائع، بل لتذكير الثائرات والثوار أن الإعوجاج قابلٌ دائماً للتصحيح بالحجّة والجهد، وأن تاريخ الشجاعة متواصل على درب الحرية الطويل، وأن نكسة اليوم ما هي الا نكسة سيذكّر بها الناس الحريري وجنبلاط على خلفية هفواتهما وأخطائهما، يدفعان أثمانها المرة أكثر منا.
النصوص والمراسلات:
صدر عن الأساتذة سعود المولى وشبلي ملّاط وأنطوان قربان وديالا اليافي ويوسف حيدر وسناء الصلح من حركة “لبنان الإنسان” البيان التالي:
ما كنّا نودّ أن نسمعه من سعد الحريري:
– قُتل والدي واقفاً من أجل الديموقراطية، ومن أجل حقنا بتقرير مصيرنا أحراراً بوجه نظام الأسد ومؤيديه في لبنان. نحن ما زلنا ننتظر العدالة، ولن يهدأ لنا بال حتى تأخذ العدالة مجراها. مات الكثير من أصحاب والدي للسبب عينه، من أجل الحرية والديموقراطية. أمدّ يدي اليوم إلى شعب لبنان الذي وقف معنا يوم 14 آذار للمطالبة بتحقيق العدالة.
– أعربنا يوم الثلاثاء في كتلة المستقبل عن رسالة مبدئية: (أ) احترام ذاكرة أصحابنا الذين سقطوا ضحايا الوحشية لتمسكهم بمبادئنا. والثلاثاء صادف ذكرى اغتيال فقيدنا البطل وسام الحسن. (ب) تطبيق دستور لبنان باعتباره السبيل الوحيد لحلّ المأزق الرئاسي.
– بناء على اقتراح من وليد جنبلاط، ساندت قبل اثني عشر شهراً ترشّح النائب سليمان فرنجية لاعتداله في الاجتماعات التي تتالت خلال السنوات الثلاث الماضية، في وضع صعب للبلاد ومحبط للناس والمؤسسات بسبب تعطيل الرئاسة. فجاء تقويض ترشيح النائب فرنجيه من حلفائه.
– يُطلب مني اليوم ترشيح النائب ميشال عون. لن أفعل ذلك لسبب رئيسي: لقد طغى في مسيرة الجنرال عون، في الغالب، الطابع الاستبدادي الفاشي، و أدى إلى ثلاثة مآزق قوّضت السلام في البلاد وسبّبت الآلاف من القتلى من دون حاجة. وضمن المنطق الفاشي التسلطي نفسه، لقد منع النائب ميشال عون حصول الانتخابات الرئاسية، وقال أنه لا يزال يعطلها إلا اذا عُيّن هو رئيساً. هذا الموقف مخالف للدستور ومنافٍ للديموقراطية.
– من حق النائب عون المطلق أن يكون مرشحاً. لبنان ديموقراطي، بموجب الدستور، وتنص قواعده على رعاية التنافس على الرئاسة. وكلما ازداد المرشحون، كلما اغتنت الديموقراطية وسطع لبنان بها.
– سنكون موجودين مجدداً، بموجب الدستور، في الدورة 46، لانتخاب رئيس الدولة. و ندعو جميع الزملاء النواب لحضورها، كما ندعو كلّ مرشح، بمن فيهم ميشال عون وسليمان فرنجيه، لإقناعنا بالتصويت لصالحه في ذلك اليوم. لذلك عليهم أيضا الالتزام باحترام الدستور وحضور هذه الدورة لانهاء التعطيل الرئاسي.
– وبموجب الدستور، ليس لدينا أي عمل آخر منذ اليوم العاشر من انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان عدا انتخاب رئيس.
– ننوي القيام بواجبنا الدستوري في 31 تشرين الأول وانتخاب الرئيس. وليفز المرشح الأفضل.