ذاكرة النار … تشتعل على بياض الروح سليم النجار

471

ذاكرة النار … تشتعل على بياض الروح
سليم النجار
المرفأ. ليس هذا اختيار حُر لعنوان أردته لكتابة مقال عن رواية ” بروميثانا ” للكاتب الصديق احمد ابوسليم ؛ الذي افتتح مشروعه الروائي بروايته الأولى ” الحاسة صفر ” التي كشفت ولن اقول عّرَت سلوكيات بشرية انا شخصيا أراها شيء عادي ومفهوم لرجال يتذوقون طعم الموت كما يتذوقون فنجان القهوة الصباحي ؛ ولكن البعض رفض هذا البوح عن الفدائيين وكأنهم أنبياء وليسوا بشر ؛ وفي جميع الأحوال الرواية حققت حضور لا فتاً ومميازً في المشهد الثقافي العربي . ورواية بروميثانا حديث اليوم ؛ هي رواية روحانية بإمتياز جاءت ردَة فعل على حداثة العقل الأداتي للعلم والتقنية ؛ واستغفال الإنسان المعاصر للأبعاد الروحانية للإنسانية جرّاء تعالقه بالصيغ المادية المقيّدة بالرمزيات المسطحة التي تحجب البصيرة عن الحقيقة الروحانية .
رواية ” بروميثانا ” تدعو القارىء إلى استقراء خبايا جوانيته وأناه القابعة في باطن نفسه ؛ يستكنه قيمّا روحانية ويتبصر بحقيقة شخصيته التي تمتاز بالحرية والتجدد والخلق والديمومة ؛ وهي المنبع الرقراق والصافي لقيمنا الروحانية التي تشفى غليلنا القيمي الحياتي .
يقترح علينا الروائي احمد ابوسليم من روايته ؛ أن على الإنسان يهتم بدراسة حياة الروح في جميع مظاهرها ؛ فعلى الإنسان التمرس بالمراقبة الذاتية الداخلية ؛ يجب عليه أن ينزل إلى داخل ذاته ؛ ثم يعود إلى السطح ؛ ممتبِّعًا الحركة التدريجية التي يمتد بها الوعي وينتشر لكي ينمو في الفضاء ؛ أنها ذاكرة النار التي لا تسكين في فضاء محدد ؛ بل تفتح احداثها على كل الفضاءات .
وانتقد احمد ابوسليم الراوي ظاهرة المثقَّف الذي يعشق الأغتراب ؛ لأن اغتراب المثقَّف في العالم العربي يحيل إلى مرجعية الأستاذ الجامعي المشدود إلى التقاليد البحثية الجامعية ؛ بعيدًا عن أي صراع ؛ كما حدث لدى مثقَّفي اوروبا من أجيال المدرسة الهيغلية . وميّز أيضًا بين المثقَّف المحافظ الذي يدافع عن تقاليد الدولة المستندة إلى تمثيل شرعية ” الأمّة ” ؛ ومثقَّف السلطة الذي يبرّر القمع والاضطهاد ؛ فالمثقف المحافظ مغيّب في الوطن العربي ؛ وهو ما يجعل دوره يتوارى لمصلحة مثقّف السلطة .
وفي المنحى عينه ؛ يكتشف ان الرواي ابوسليم ينتقد المثقّف المحافظ الذي انحاز لمجال التفسير للقمع وانخرط في مجالات الدعوة للثقافة الماضوية متواري خلف اننا نعيش عصر ” الكفر ” وأن العودة إلى الماضي هو الذي سيخرجنا من هذا العصر ؛ الم اقل أن ابوسليم وظّف ذاكرة النار لتلتهم هؤلاء جميعهم ؟
وهنا لابد ان انذكر شيء ذو دلالة ؛ بما أن ذاكرة النار حاضرة بين كلماتنا ؛ في عهد الانتداب الفرنسي في بلاد الشام ؛ خاطب السيد محسن الأمين المسلمين ؛ سنّة وشيعة ( وهو المرجع الكبير الذي يدعُ إلى خلافة أو ولاية عامة ) : ” يقينا نختلف على من هو خليفتنا حتى أضحى المندوب السامي الفرنسي خليفتنا ” .
ويهذا المعنى الراوي أحمد ابوسليم من خلال روايته ” بروميثانا” ذاكرة النار يدعو المثقّف الأنطلاق من منطلق معاييره الأخلاقية للتبني والتواجد في أتون الصراع ؛ ويحدد موقفه من سلطة القمع في عالمنا التي حولت الحياة إلى مقبرة مفتوحة ؛ وليس بالضرورة أن يكون هذا الموقف متخذ من موقع يساريًا أو ثوريًا أو غير ذلك ؛ كما أنه ليس بالضرورة ناجمًا عن اغتراب أو منفى ؛ بل أن يكون إنسان بمعنى إنسان يستوعب الكل ويحاور الجميع ؛ هذا ما دعا له الراوي ابوسليم ليس من باب المعلم أو العليم بل من زاوية الإستشكال التي تفتح ذاكرة النار على آفاق السؤال المحرّم الذي عادة يختبأ خلف عباءة الخوف ؛ ويتزين بصورة الحلال والحرام . الرواي احمد ابوسليم افتتح الطريق … ونتظر الآتي أيٍ كان .

قد يعجبك ايضا