ابو حمور يكتب : منظمة التجارة العالمية ((WTO…. ادارة جديدة في مواجهة مشاكل مزمنة
المرفأ..في بداية شهر أيلول الحالي أصبح منصب مدير عام منظمة التجارة العالمية شاغراً، حيث كان البرازيلي روبرتو أزفيدو قد أعلن منتصف شهر أيار الماضي عن نيته ترك منصبه والتخلي عن مهامه في نهاية شهر اب من هذا العام، واليوم هناك ثمانية مرشحين يتنافسون لشغل هذا المنصب منهم عربيان اثنان وهما مرشح المملكة العربية السعودية ومرشح جمهورية مصر العربية، أما باقي المرشحين فيمثلون كل من المملكة المتحدة ومولدافيا وكوريا الجنوبية والمكسيك ونيجيريا وكينيا، وقد انتهت مرحلة تعريف المرشحين بأنفسهم في السابع من الشهر الحالي ، لتبدأ بعدها المرحلة الثالثة من خلال التواصل بين الدول الاعضاء لاختيار مرشح محدد.
وكما هو معلوم فمنظمة التجارة العالمية ( WTO) هي احدى المنظمات الدولية التي يقع مقرها في جنيف/ سويسرا ، ومهمتها تنظيم التجارة بين الدول الاعضاء، وقد بدأت أعمالها بشكل رسمي في الأول من كانون الثاني 1995 بموجب الاتفاقية التي تم التوصل لها في جولة مراكش في العام الذي سبقه، ويمثل ذلك حصيلة الجهود والاتفاقيات والمفاوضات التي تمت في اطار الإتفاقية العامة على التعرفة والتجارةGATT “ ” التي أنشأت عام 1947، وحالياً يبلغ عدد أعضاء منظمة التجارة العالمية 164 دولة تمثل حوالي 97% من التجارة الدولية .
وتدار أعمال المنظمة بواسطة حكومات الدول الاعضاء عبر الاجتماع الوزاري الذي يعقد مرة كل عامين على الأقل، أو بواسطة الخبراء والسفراء وتتخذ القرارات بتوافق الآراء بين الدول الاعضاء، ولا يوجد تفويض لمدير المنظمة لاتخاذ القرارات.
أما واجبات الأمانة العامة في المنظمة والتي يرأسها المدير العام فتتمثل، بشكل أساسي، بتزويد الإسناد الفني والمهني للمجالس واللجان المختلفة، وتوفير المساعدة الفنية للبلدان النامية، ومراقبة وتحليل التطورات في التجارة العالمية، وتوفير المعلومات للجمهور ووسائل الإعلام، وتنظيم المؤتمرات الوزارية. كما توفر الأمانة أيضا بعض أشكال المساعدة القانونية في عملية تسوية النزاعات وتقدم المشورة للحكومات الراغبة في أن تصبح أعضاء في منظمة التجارة العالمية.
في الإطار العام يمكن القول إن منظمة التجارة العالمية عبارة عن منتدى عالمي يتم فيه التفاوض على الاتفاقيات التجارية ومحاولة حل المشاكل والنزاعات التي تظهر بين الدول الأعضاء، سعياً الى ضمان انسياب السلع والخدمات بين دول العالم بسلاسة وبحد أدنى من القيود مع تأمين معاملة عادلة بين السلع بغض النظر عن دولة المنشأ، مع مراعاة تعميم مبدأ الدولة الأولى بالرعاية والمعاملة الوطنية للسلع والمنتجات، وتخفيض القيود الكمية والنوعية على التجارة لأدنى حد ممكن.
تواجه منظمة التجارة العالمية العديد من التحديات منها ما هو قديم ويتمثل في الامور التي لم يتم التوافق عليها خلال جولات التفاوض السابقة ومنها ما هو مستجد مثل الاثار المترتبة على جائحة كورونا وخلافات الولايات المتحدة مع الصين ومع دول أخرى.
وهذا متوقع فالاتفاقيات الجماعية الواسعة كما هو حال منظمة التجارة العالمية لا يمكن أن تحقق طموحات الدول المختلفة بشكل متساو، ومن الطبيعي ان تظهر خلافات متعددة في هذا المجال، وتتمحور الشكاوى في مجموعة من الأمور التي قد تصل الى الأركان الأساسية التي تم بناء المنظمة على أساسها.
فالبلدان المتقدمة تشكو من أن ثلثي أعضاء المنظمة تطالب بالامتيازات والاعفاءات التي تمنح للبلدان النامية ويشير بعضهم بهذا الخصوص الى أن حوالي نصف مجموعة العشرين(G20) تطالب بالمعاملة كبلدان نامية، فالتصنيفات في اطار منظمة التجارة العالمية تختلف عن تلك المعتمدة لدى منظمات دولية أخرى، كما أن التفاوض في اطار هذه المنظمة يخضع لمبدأ الاجماع مما يعني صعوبة التوصل الى تفاهمات واتفاقيات جديدة بشأن التجارة وهذا ما ثبت خلال السنوات الماضية والجولات التفاوضية المتعددة.
وفيما يتعلق بموضوع تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء هناك بعض الاعتراضات من جانب الولايات المتحدة الامريكية حتى أنها أعاقت تعيين قضاة في هيئة الاستئناف ما أدى الى تعطيل نظام تسوية المنازعات، ومن الملاحظ أن العديد من الدول تلجأ الى الاتفاقات الثنائية أو الإقليمية للتنصل مما قد تفرضه عليها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وتشير بعض المصادر الى أن عدد اتفاقيات التجارة في هذا الاطار قد ارتفع من خمسين اتفاقية في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي إلى حوالي 300 اتفاقية في عام 2019، ومثل هذه الاتفاقيات وبالرغم من انها تعمل على زيادة حجم التبادلات التجارية الا انها تؤثر على التوزيع الجغرافي للمستوردات ما يعطي سلع بعض البلدان ميزة إضافية على حساب سلع بلدان أخرى.
وهناك من يرى أن مسألة هيمنة التكتلات الإقليمية على التجارة العالمية هي قضية وقت، خاصة مع التطور الملحوظ للأسواق واتساعها لدرجة تتيح لها الاعتماد على الذات والازدهار بمعزل عن الأسواق الأخرى.
هناك رغبة لدى العديد من دول العالم لإجراء إصلاحات لمنظمة التجارة العالمية وبالطبع فان الآراء تختلف بين دولة وأخرى فكل طرف من الاقتصادات الكبرى او التكتلات الاقتصادية يحاول ان يحقق اكبر خدمة ممكنة لاقتصاده من هذه الإصلاحات.
وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة العديد من المقترحات بما في ذلك تلك التي قدمتها كندا والاتحاد الأوروبي وغيرها ناهيك عن المطالبات الامريكية في هذا المجال، ولكن فكرة الاجماع التي تخضع لها مفاوضات منظمة التجارة العالمية تجعل من فرصة التوصل الى اتفاق بين كافة الدول الأعضاء ضئيلة خاصة في ظل الخلافات الواسعة التي نشهدها بين الولايات المتحدة والصين.
ومن المؤكد أن عدم نجاح محاولات الإصلاح قد يؤدي الى تفكك الركائز الأساسية التي تستند اليها فكرة التجارة الحرة ، كما قد تقوم بعض الدول بالانسحاب من المنظمة ونستذكر هنا التهديدات الامريكية في هذا المجال وذلك قد يؤدي في النهاية الى بروز تكتلات تجارية بديلة، أو العودة الى الانكفاء والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي وكل ذلك قد يكبد الاقتصاد العالمي كلفة باهظة ويؤثر بشكل سلبي على مختلف بلدان العالم.
العالم اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى الى جهود دولية هدفها تحسين أداء منظمة التجارة العالمية لتستجيب بشكل أفضل وأكثر فعالية لاحتياجات الدول الأعضاء ولكي تصبح التجارة العالمية عاملاً داعماً للنمو المستدام وتحسين حياة المواطنين وحافزاً لتشجيع التقدم العلمي والتكنولوجي مع ضمان انسياب وسلاسة التعاملات التجارية بين الدول المختلفة وليكن الهدف الأساسي من الإصلاحات هو ضمان الحفاظ على منظمة التجارة العالمية وتحسين أدائها بدلاً من السعي الى تقويضها، لان ذلك سيلحق الضرر بالجميع واثاره السلبية لن تقتصر على دولة دون أخرى، والتعاون الدولي المستند الى النوايا الحسنة هو السبيل الأكثر فعالية لمواجهة المصاعب والتحديات والمعيقات بشتى أنواعها.
برز خلال جائحة كورونا بعض الظواهر التي لم نكن نشهدها في الماضي مما يمنحنا فكرة حول الاحداث التي قد تحصل في أوقات الازمات، فعلى المستوى المحلي لبعض الدول شهدنا كيف نفذت البضائع من الأسواق في أوقات قياسية وكيف قامت بعض الدول بتقييد التصدير لا بل والاستيلاء على شحنات وبضائع كانت متوجهة لدول أخرى، وبات من الواضح أن احتكار دولة بعينها أو مجموعة من الدول لمنتج معين أو مواده الأولية يشكل تهديداً استراتيجياً، خاصة إذا كان هذا المنتج أو السلعة يتصف بدرجة عالية من الأهمية.
ولعل هذه الاحداث تفرض علينا التفكير بشكل منهجي ومنظم حول تعزيز التعاون الإقليمي وكيفية الاحتفاظ بمخزون مناسب من السلع الاستراتيجية وتأمين سلاسل امداد مأمونة وموثوقة بدرجة كبيرة مع الالتفات لأهمية التنويع وتوفر البدائل المناسبة في الأوقات الحرجة.
ومن المفهوم أن أفضل البدائل هو توفر انتاج محلي يغطي احتياجات المواطنين، ما يعني أننا أمام ضرورة تطوير وتعزيز وتحفيز المنتجات المحلية وتوفير الظروف الملائمة لزيادة الاستثمارات في هذا المجال والسعي الى استغلال ما نتمتع به من مزايا نسبية والاهتمام بمواردنا المحلية والعمل على استكشاف الفرص المتاحة في مختلف القطاعات الاقتصادية وخاصة ما يتعلق بالأمن الغذائي والصحي. والأردن بحمد الله يتوفر لديه العديد من المقدرات والامكانيات التي يمكن أن تؤمن له قدراً معقولاً من الاحتياجات ونحن بحاجة لعمل ممنهج لتكريس ذلك على أرض الواقع، عمل لا يقتصر على الحكومة فقط بل يجب ان يشارك فيه القطاع الخاص والمواطنون بمختلف مشاربهم بشكل فاعل وبناء، وما نأمله ان لا تتعمق الاتجاهات نحو الانغلاق على الذات واللجوء الى الحمائية المفرطة لان ذلك في النهاية ستكون له اثار سلبية على مختلف دول العالم وسيقوض ما تم تحقيقه من إنجازات خلال السنوات الماضية نتيجة لتوسيع وتسهيل التبادلات التجارية بين مختلف دول العالم، فالعمل الجماعي والتعاون بين مختلف دول العالم هو السبيل الأنجح لمواجهة الازمات والتغلب عليها.
د.محمد ابوحمور – وزير مالية سابق