الأردنيون يحيون الثلاثاء ذكرى الوفاء والبيعة

218
ألمرفأ – يحيي الأردنيون في السابع من شباط (فبراير) من كل عام، ذكرى وفاة المغفور له بإذن الله، “الملك الباني”، الملك الحسين بن طلال- طيب الله ثراه-.
ويُحيي الأردنيون في هذا التاريخ ذكرى يوم الوفاء والبيعة للقيادة الهاشمية المباركة، ففي مثل هذا اليوم من عام 1999 كان الأردنيون أمام أنظار العالم بأسره يضربون المثل في وفائهم لجلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وفي بيعتهم لجلالة الملك عبدالله الثاني حيث تنتقل الراية الهاشمية إلى يده ليواصل مسيرة عنوانها الأمل والتسامح وشرعيتها العدل والإنجاز.
ويستذكر الأردنيون مسيرة الوطن بقيادة الحسين الباني على مدى نصف قرن تقريبا.. ملك بنى وأعطى لوطنه وأمته ما يسجله التاريخ بأحرف من نور مثلما يفخرون بقيادة أبي الحسين، إذ يواصل المسيرة بمزيد من العزم والأمل والإنجاز.
وبدا واضحا منذ ذلك اليوم عزم جلالة الملك عبدالله الثاني على تكريس الأردن دولة مؤسسات وقانون قائمة على العدل والمساواة والانفتاح وتوفير العيش الكريم لجميع أبنائه، حيث حرص جلالته على صيانة كرامة المواطن الأردني وتوفير فرص الحياة الكريمة ومحاربة الفقر والبطالة والعمل على تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية يشعر بها الجميع.
والأسرة الأردنية وهي تحيي هذه الذكرى العطرة تنحني أمام الذكرى إجلالا وتقديرا لعطاء الحسين وتستلهم من معانيها الإيمان والتصميم على إكمال رحلة الخير والبناء بثقة أكيدة وهمة عالية تستلهمها من حامل الراية وراعي المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني.

المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، هو الحفيد الثاني والأربعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذرية حفيده الحسن بن علي، وولد في عمان في الثامن عشر من شهر شعبان عام 1354 هجرية الموافق للرابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1935 ونشأ وترعرع في ظل والديه المغفور لهما الملك طلال بن عبدالله، والملكة زين الشرف بنت جميل في كنف جده الملك المؤسس عبدالله بن الحسين الذي أنشأ الأردن الحديث نواة للمشروع النهضوي الهاشمي في توحيد بلاد العرب واستقلالها، ذلك المشروع الذي أعده شريف مكة الحسين بن علي وبدأ بتنفيذه بالتعاون مع أنجاله.
وقد نودي بالمغفور له جلالة الحسين ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية في الحادي عشر من شهر آب (أغسطس) عام 1952، ولما كان في السابعة عشرة من عمره آنذاك فقد شكل مجلس وصاية على العرش إلى أن تولى سلطاته رسميا في الثاني من شهر أيار (مايو) عام 1953.
ويعتبر الثاني من شهر أيار (مايو) عام 1953 الذي تسلم فيه المغفور له جلالة الحسين سلطاته الدستورية بالنسبة له أعظم الأيام شأنا في حياته، واستمر المغفور له على ذات النهج الهاشمي بالدفاع عن وحدة الأمة وسيادتها واستقلالها، داعيا إلى حل المشاكل بالوسائل الدبلوماسية بدلا من اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية.
وعمل المغفور له على تحويل وتطوير المملكة إلى دولة عصرية تتمتع ببنية تحتية متكاملة ومستويات رفيعة في جميع المجالات مقارنة مع دول العالم النامية، وكان ذا رؤية واضحة حكيمة، مؤمنا بالمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات في الحكم وباحترام حقوق الإنسان في العالم العربي، حيث يعترف العالم اليوم بأن الأردن السجل الأنصع

لحقوق الإنسان في المنطقة.
وفي عام 1989، أعاد جلالته الحياة البرلمانية حيث تم إجراء أول انتخابات عامة شاركت فيها جميع شرائح المجتمع الأردني، وبعد ذلك بقليل كلف جلالة المغفور له لجنة ملكية تألفت من جميع أطراف الطيف السياسي في الأردن لصياغة ميثاق وطني يضع الإطار الديمقراطي وأسس التعددية السياسية في البلاد وقد تمت مباركة الميثاق الوطني من قبل جلالته في حزيران (يونيو) 1991.
ومنذ عام 1967 عمل المغفور له بإخلاص من أجل عقد مؤتمر دولي للسلام من أجل التوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم في المنطقة، مبني على قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338.
وكان للمغفور له دور رئيسي في عقد مؤتمر مدريد للسلام في تشرين الأول (أكتوبر) 1991، ليس فقط تعبيرا عن التزام الأردن بمسيرة السلام بل لتأمين غطاء للشعب الفلسطيني من خلال وفد أردني فلسطيني مشترك وذلك للتفاوض من أجل مستقبلهم.
وخلال سنين حكمه، كان الحسين رحمه الله يؤمن بالمبادئ والقيم التي كانت تدعو إلى السلام والتسامح والوفاق والمساواة والعدالة حتى تمكن من جعل الأردن نموذجا ومثلا يحتذى به في الوسطية والاعتدال.

وفي الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) 1999 أصدر الراحل العظيم إرادته الملكية السامية بتعيين جلالة الملك عبد الله الثاني وليا للعهد مخاطبا إياه: “لقد عهدت إليك بتسلم منصب ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية، وأنا مرتاح الضمير والنفس، وكلي ثقة واطمئنان بأنك أهل لتحمل هذه المسؤولية الجليلة، وقد عرفت فيك، وأنت ابني الذي نشأ وترعرع بين يدي، حب الوطن والانتماء إليه والتفاني في العمل الجاد المخلص ونكران الذات، والعزيمة وقوة الإرادة وتوخي الموضوعية والاتزان والاسترشاد بالخلق الهاشمي السمح الكريم المستند إلى تقوى الله أولا، ومحبة الناس والتواضع لهم والحرص على خدمتهم والعدل والمساواة بينهم وتوقير كبيرهم والرحمة بصغيرهم والصفح عن مسيئهم حيثما كان مجال للصفح وكرم النفس والخلق والحزم عندما يستقر الرأي على قرار ووضع مصلحة الوطن والأمة فوق كل المصالح والاعتبارات”.
ويدرك المتمعن في الكلمات التي خاطب بها جلالة الحسين ولي عهده مدى إيمانه، رحمه الله، بأن مصلحة الوطن يجب أن تكون فوق كل المصالح والاعتبارات، حسبما كان نهجه ورؤاه طيلة سنين عمره، وهو النهج الذي يطبقه جلالة أبي الحسين حاليا من خلال تنفيذ شعار “الأردن أولا”.
وفي السابع من شباط (فبراير) عام 1999 كان الأردن “الأرض والإنسان” في وداع الحسين وسط حشد من قادة العالم في جنازة وصفت بأنها جنازة العصر، وكان ذلك الحضور دليلا على مكانة الحسين بين دول العالم كافة، ومكانة الأردن واحترام الشعوب والقادة له ولقائده.

وكان جلالة الحسين طيب الله ثراه عند رحيله في السابع من شباط (فبراير) 1999 قد أمضى أطول فترة حكم بين جميع زعماء العالم، كما كان يحتل أهمية عظيمة بين المسلمين في شتى أنحاء العالم نظرا لانتمائه إلى الجيل الثاني والأربعين من أحفاد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وسيبقى جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال في الذاكرة والوجدان بوصفه زعيما قاد بلده عبر النزاعات والاضطرابات إلى أن أصبح الأردن واحة للسلام والاستقرار والاعتدال في الشرق الأوسط. وينظر الأردنيون إلى ذكراه بكل حب وتقدير باعتباره مصدر الإلهام لمناخ الانفتاح والتسامح والتعاطف الذي يتمتع به الأردن، وقد أرسى المغفور له بإذن الله الملك الحسين تراثا مزدهرا يبشر بتوجيه دفة الأردن لسنوات طويلة مقبلة.
ومنذ تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية في السابع من شباط (فبراير) 1999، أصبح الملك الرابع للمملكة الأردنية الهاشمية، الذي اهتم ومنذ اللحظة الأولى لتوليه سلطاته الدستورية بالتواصل مع أبناء شعبه في كل أرجاء الوطن، حيث بدأ بزيارة العديد من المواقع في البادية والريف والقرى والمخيمات والمدن، وكثيرا ما عمد جلالته إلى زيارة تلك المواقع وغيرها من المؤسسات متخفيا ليطلع بنفسه على واقع الحال دون أي تزييف أو تزيين، وأصبحت زيارات جلالته تحفزهم على مواصلة عملهم بإتقان وإخلاص ويتعلمون منها معنى التواضع والإصرار على سرعة الإنجاز وإتقانه.
لقد تحولت دموع الأردنيين التي ذرفوها حارة عزيزة على راحلهم العظيم منذ الأسبوع الأول من شباط (فبراير) 1999 إلى لبنات في مداميك البناء وعضلات السواعد التي حملت معاول الإنجاز التي استنفرها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين منذ تسلمه لسلطاته الدستورية.

وخلال السنوات الماضية أثبت جلالته أنه خير خلف لخير سلف.. وكانت حياة جلالته، كما كانت حياة الراحل العظيم، أروع تجسيد لأنبل القيم والمبادئ التي ولدت على أرضنا العربية، حيث جمع جلالته الصفات التي تصنع الملك العظيم.. لذا فإن من يتحدث عن شخصية جلالته يحتار من أي الجوانب يتناولها، فهي شخصية غنية بآفاقها الرحبة وخصوبتها النادرة وملكتها الفذة، حيث بايعه الأردنيون، من شتى الأصول والمنابت، ملكا على المملكة الأردنية الهاشمية خلفا لوالده الراحل الكبير الحسين طيب الله ثراه.
ويتمتع جلالة الملك عبد الله الثاني برؤية شاملة للأمور وفق ترتيب تكاملي ونظام شمولي ومنهج متكامل، تربط القول بالفعل دون تردد غايتها مصلحة والوطن والمواطن، ولأنها تؤمن بأن المواطن الواعي المستقر يبني وطنا مستقرا حضاريا، اهتم جلالته بالقطاعات المحلية كافة.
ففي مجال الإصلاح الاقتصادي سعى جلالة الملك عبدالله الثاني إلى جعل الأردن مركزا جاذبا للاستثمار، ولما كانت التشريعات والأنظمة الاقتصادية لا تتناسب مع هذه الغاية، أصدر جلالة الملك توجيهاته السامية للحكومة وكافة الجهات ذات العلاقة للعمل على تحديث التشريعات الاقتصادية، لتكون قادرة على تحديث البيئة الاستثمارية ومتوافقة مع متطلبات الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقع عليها الأردن ويخدم المصلحة الوطنية العليا.
وبتوجيهات جلالة الملك، أنجزت الحكومة حزمة من التشريعات والأنظمة الاقتصادية، وكان أهمها قانون تشجيع الاستثمار، وقانون حماية حقوق الملكية الفكرية، حيث منحت المنظومة القانونية الكثير من المزايا التي نظمت الاستثمارات وحفزتها، وعالجت الكثير من الاختلالات والمعيقات البيروقراطية التي كانت تقف أمام جذب الاستثمارات.

أما في مجال الإصلاح السياسي، فقد خطى الأردن خطوات مهمة في مجال الإصلاح والتحديث السياسي، حيث تشكلت العديد من اللجان التي مثلت المجتمع بمختلف أطيافه وتوجهاته، ابتداء من اللجنة الملكية لتعديل الدستور، وانتهاء بالتوجيه الملكي بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية.
والمتتبع في شأن الإصلاح السياسي يلحظ إصرار جلالته على ضرورة التقدم في التنمية السياسية وأهمية التجديد السياسي لدور الأحزاب السياسية، وتوسيع هامش المشاركة السياسية لدى فئات الشباب والمرأة وذوي الإعاقة؛ وهو ما أكد عليه جلالة الملك في أكثر من مناسبة على أن الوصول إلى مرحلة الحكومة البرلمانية لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود الأحزاب السياسية البرامجية، وهو ما توافقت عليه مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسة وأهمها قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين.
وأكد جلالة الملك عبدالله الثاني في أكثر من مناسبة أهمية مشاركة الشباب في الحياة السياسية، وأن الوصول إلى مرحلة الحكومة البرلمانية لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود الأحزاب السياسية، وهو ما أكد علية قانوني الأحزاب والانتخاب الجديدين.
وفي مجال تطوير القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، أولى جلالة الملك عبدالله الثاني كل الرعاية والاهتمام بالقوات المسلحة الأردنية، لتواكب العصر تسليحا وتأهيلا فهو من تخرج من صفوفها وعرف واقعها الدقيق ومتطلباتها وكان له ما أراد، فسعى جلالته جاهدا لتطوير وتحديث القوات المسلحة لتكون قادرة على حماية الوطن ومكتسباته والقيام بمهامها على أكمل وجه، لتواكب روح العصر والتطور، فأصبحت القوات المسلحة الأردنية مثالا وأنموذجا في الأداء والتدريب والتسليح، تتميز بقدرتها وكفاءتها القتالية العالية بفضل جلالة القائد الأعلى، الذي هيأ لها كل المتطلبات التي

تمكنها من تنفيذ مهامها وواجباتها داخل الوطن وخارجه.
كما جاء الاهتمام الملكي السامي بالمتقاعدين العسكريين نتيجة العلاقة الوطيدة التي تجمع جلالة الملك برفاق السلاح عبر عقود من الخدمة في الوحدات والتشكيلات العسكرية وما تحمله من المعاني والدلالات والذكريات والدروس التي تشكل مجتمعة هوية المتقاعدين العسكريين، وكمحطة من محطات الوفاء والتقدير للمتقاعدين العسكريين اطلق جلالته مبادرة “رفاق السلاح” تستهدف شريحة المتقاعدين العسكريين بتقديم تسهيلات ائتمانية وتدريبية وتسهيلات بنكية وغيرها تقديرا وعرفانا لهم على ما قدموه من تضحيات في سبيل رفعة ونهضة الأردن.
هذا هو الجيش العربي الأردني الهاشمي بقيادة جلالة الملك، الذي ما زال يشهد التطورات المتعاقبة وما زال يسعى لتحقيق المزيد من التطلعات التي مثلتها مبادئ الثورة العربية الكبرى وما زال يرفع راياتها عاملا ومجاهدا من أجل الاستمرار بتحقيق أسمى المبادئ فالجيش العربي هو جيش العرب كل العرب خاض معارك الأمة على اختلاف ساحاتها منذ العهود الهاشمية الأولى إلى وقتنا الحالي. (بترا)

قد يعجبك ايضا