دعوات لتعديل النظام الضريبي لينسجم مع الدستور

135
المرفأ : دعا قانونيون واقتصاديون إلى ضرورة إجراء إصلاحات على النظام الضريبي في الأردن وبما ينسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ومع المادة 111 من الدستور الأردني.
واعتبروا أن بنية النظام الضريبي في الأردن لا تحقق العدالة والمساواة للمواطنين خصوصا أنها تعتمد وبشكل كبير على ضريبة المبيعات التي لا تراعي تفاوت مستويات الدخول لدى المواطنين، مقابل اعتماد أقل على ضريبة الدخل التي من المفترض أن تكون تصاعدية.
وأشاروا إلى أن فرض الضرائب لا بد أن يقابله توفير تعليم وصحة وبنية تحتية تكفل للمواطن حياة كريمة، وهذا حق من حقوق الإنسان، مؤكدين على أنه وحتى الدخل بعد الضريبة لا بد أن يكون قادرا على توفير احتياجات الإنسان الضرورية وبما لا يمتهن من كرامته.

أستاذ القانون المشارك عميد كلية الحقوق في جامعة البترا علي محمد الدباس أشار إلى ضرورة إعادة النظر في النظام الضريبي في الأردن خصوصا أنه لا ينسجم مع المادة 111 من الدستور الأردني والتي تنص من جهة على عدم فرض ضريبة إلا بقانون مسن من قبل السلطة التشريعية التي تمثل الشعب بما يضمن عدم تغول الحكومات على المواطن، ومن جهة أخرى يجب أن يأخذ فرض الضرائب مبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.
وتنص المادة 111 من الدستور على أنه “لا تفرض ضريبة أو رسم الا بقانون ولا تدخل فـي بابهما أنواع الأجور التي تتقاضاها الخزانة المالية مقابل ما تقوم به دوائر الحكومة من الخدمات للأفراد أو مقابل انتفاعهم بأملاك الدولة وعلى الحكومة أن تأخذ في فرض الضرائب بمبدأ التكليف التصاعدي مع تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية وأن لا تتجاوز مقدرة المكلفـين على الأداء وحاجة الدولة إلى المال”.

وبين الدباس أن النظام الضريبي في الأردن غير عادل لأن الدولة تعتمد في نظامها هذا بشكل أساسي على ضريبة المبيعات وهي ضريبة غير تصاعدية يدفعها المواطنون جميعا بغض النظر عن دخولهم وقدرتهم على الدفع، وبالتالي فهي ضريبة لا تحقق العدالة والمساواة، مضيفا بأن الهرم الضريبي في الأردن معكوس والأصل أن تكون إيرادات الدولة من ضريبة الدخل أكبر من ضريبة المبيعات.
وحتى اقتطاع ضريبة الدخل والتي تبدو أنها تصاعدية إلا أنها لا تراعي قدرة المكلفين على الدفع في ظل ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، فالمشرع عدل الشرائح الخاضعة للضريبة في الوقت الذي كان هناك ارتفاع في الأسعار وثبات في الدخول، وهذا كان له تأثير كبير على المواطن وعلى الاقتصاد.
وأضاف الدباس أن ضريبة الدخل لا تأخذ بعين الاعتبار الظروف الخاصة لبعض الأسر ذات الدخل العالي عند اقتطاع الضريبة، وبالتالي فإن الضريبة تحقق العدالة الاجتماعية.

وأكد الدباس ضرورة إعادة النظر بالنظام الضريبي بما ينسجم مع الدستور أولا، ثم مع مواثيق حقوق الإنسان التي تنادي بحق الإنسان في المسكن والمأكل والصحة وغيرها، والضرائب إذا لم تكون عادلة وتحقق المساواة فإنها تؤثر على هذه الحقوق.
أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية رعد التل قال إن النظام الضريبي حتى ينسجم مع حقوق الإنسان لا بد أن يساهم في ضمان المعيشة الكريمة التي تستند على 3 محاور الأولى أن يكون الدخل بعد الضريبة قادرا على أن يوفر للمواطن حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن وصحة وغيرها، وبما يكفل عدم امتهان كرامته.
وأضاف إلى المحاور ضرورة الانتباه إلى صيغة ضريبية من شأنها أن تضمن حقوق الإنسان، فإذا كانت الضرائب مرتفعة، لا بد أن توفر الدولة الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وبنية تحتية بمستوى لائق خصوصا وأن هذه الضرائب هي ايراد للدولة، أما إذا كان العكس بحيث تكون الضرائب منخفضة وقليلة فعلى المواطن أن يوفر ويدفع تكاليف هذه الخدمات.

وقال التل على أن الإيراد المتأتي من المواطنين كضرائب يجب أن يصب في توفير الخدمات الأساسية وبما يحقق الرفاه الاجتماعي ويضمن الوصول الى حقوقه.
وأكد التل ضرورة إعادة النظر في العبء الضريبي للمواطن وبما يحقق الرفاه الاجتماعي.
أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري قال إنه ولتحقيق نظام ضريبي في الأردن يتواءم مع مواثيق حقوق الإنسان العالمية، فإنه لا بد من أن يكون هذا النظام مبني بشكل رئيس على ضريبة الدخل وليس المبيعات كما هو حاصل، لأن ضريبة المبيعات تؤثر على حقوق الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، ولا تأخذ بعين الاعتبار مستوى دخول المواطنين والجميع يدفعها بشكل متساو.
ويرى الحموري بالإضافة إلى ذلك ضرورة تقليل التهرب الضريبي والهدر الضريبي حتى لا تكون كلفة جمع الضريبة مرتفعة، مشيرا إلى أن هذا ينعكس على حقوق الطبقات المهمشة.
وأكد على أن تحسين النظام الضريبي يجب أن يصب في مصلحة الطبقة الوسطى والمهمشة وبما يساعد في تحقيق حقوق الإنسان.
وكانت دراسة صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي وبالتعاون مع الأمم المتحدة في الأردن صدرت الأسبوع الماضي دعت إلى ضرورة النظر في إصلاح الضريبة العامة على المبيعات وبرنامج الحماية الاجتماعية في الأردن، وذلك بهدف حشد الموارد مع الحفاظ على نسب مخفضة من الضريبة العامة على المبيعات على العديد من السلع والخدمات التي يتم استهلاكها على وجه التحديد من قبل الفئات الهشة (المستضعفة).

وأكدت الدراسة التي جاءت بعنوان ” الضرائب وحشد الموارد- النهج القائم على حقوق الإنسان لمعالجة أوجه عدم المساواة”، على ضرورة إعادة النظر في زيادة العبء الضريبي على فئات معينة من الأشخاص وبالتحديد فئة الدخل المرتفع، بغرض تحقيق أقصى حد من الإيرادات من دون أن يكون لذلك أثر سلبي غير متناسب على الأشخاص الذين يعيشون في أوضاع هشة.
وأضافت بأنه من الضروري إجراء مراجعة للنسب الضريبية والاتفاقيات الضريبية الحالية، وخاصة تلك المتعلقة بالسلع الكمالية، مع إعادة النظر في تحويل بعض المبالغ من الإيرادات الضريبية للحد من أوجه عدم المساواة في الدخل.
وقالت الدراسة أنه ينبغي أن يكون النظام الضريبي الجيد تصاعديا في التكليف، وأن يكون له تأثير إيجابي وغير تمييزي، كما ينبغي أن يتواءم مع القرارات الاستثمارية المحلية والدولية، التي تعزز الشمولية، وتشجع على ممارسة الحوكمة الرشيدة، وتتطابق مع وجهات نظر المجتمع حول التوزيع المناسب للدخل والثروة.

فالمسألة لا تتعلق بمجرد جمع الإيرادات من خلال تغيير القوانين والأنظمة(اللوائح) لحشد الإيرادات، بل تتعلق بإدخال إصالحات طويلة المدى لتحقيق العدالة الاجتماعية.
كما أنه من الضروري حشد الإيرادات لتغطية الاحتياجات التمويلية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بوتيرة تواكب النمو الاقتصادي واعمال حقوق الإنسان.
ووفق الالتزام بالحد الأقصى من الموارد المتاحة، يجب أن يكون النظام الضريبي العادل قائما على مبدأ التكليف التصاعدي، ومجهز بقدرات توزيعية حقيقية، كما يجب أن يضمن المساواة وعدم التمييز.
وأكدت الدراسة على أن النظام الضريبي القوي ينبغي أن يتسم بالكفاءة الاقتصادية، والبساطة والمرونة، والمسؤولية السياسية، والعدل.
وأوصت الدراسة بضرورة أخذ مبادئ حقوق الإنسان (الحق في المشاركة في الشؤون العامة، والحق في المساواة وعدم التمييز، ومبادئ الشفافية والمساءلة) بعين الاعتبار عند تصميم وتنفيذ الضرائب والموازنات. مع الإشارة إلى أن النظام الضريبي، المرغوب به والذي ُيعتبر عادلاً، يستطيع أن يعزز الثقة بين الحكومة والناس.

وأكدت على أن إجراء عمليات تقييم لأثر حقوق الانسان على الإصلاحات المخطط لتنفيذها، ومراجعة الروابط مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتأثيرات على المستويات المعيشية وعدم المساواة في الدخل في الأردن وإجراء دراسة تحليلية لكل من ُيحتمل أن يبقى خلف الركب، وخصوصًا النساء والأطفال إضافة إلى الأشخاص الذين يعيشون في أوضاع هشة، بغرض التخفيف من التأثيرات السلبية.
ودعت إلى ضرورة مراجعة وفحص تنفيذ التشريعات أو السياسات أو الممارسات المالية من حيث تأثيرها على التمتع بحقوق الإنسان في الأردن، وضمان الشفافية والمشاركة البناءة في تنفيذ العمليات.
كما أكدت الدراسة على أهمية ربط تحصيل الإيرادات من السلع العامة بزيادة الخدمات المقدمة من قبل الحكومة من خلال زيادة الاستثمارات العامة في قطاعات التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والأمن الغذائي وتدابير التخفيف من آثار تغير المناخ وزيادة الوعي حول هذه النفقات التي ستعزز جميعها رغبة المواطنين في دفع الضرائب.
وأشارت إلى ضرورة تعزيز المساءلة والشفافية في تحصيل الإيرادات من خلال نشر مكونات تفصيلية للإيرادات المحلية من الضرائب والرسوم التي يتم تحصيلها وربطها مع الاتفاق من أجل الإعمال بحقوق الإنسان في مجال التعليم والصحة والنقل والبيئة وغيرها، وعلى غرار ما يتم العمل به حاليا في مجال إظهار النفقات في الموازنة المتعلقة بتغير المناخ والأطفال والنساء.

وبينت أهمية نشر مراجعة نصف سنوية بشكل دوري ومستمر بحيث تتضمن بيانات عن التوقعات الاقتصادية الكلية والمؤشرات غير المالية وذلك لتحسين شمولية الموازنة، وتحفيز القطاع الخاص والشركات لتبني منهجية الاعمال المستدامة من أجل الإعمال بحقوق الإنسان وخاصة في المناطق الريفية.
كما اكدت على ضرورة بذل جهود أكبر لمعالجة التهرب الضريبي وتمكين السلطات من استهدافه.
ودعت الدراسة إلى أهمية بناء نظام للخصم الضريبي يشمل الشركات والمواطنين، ويدعم النظام الضريبي الذي يعمل بمبدأ التكليف التصاعدي. إضافة الى (رسمنة) إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد من خلال تسجيل المواطنين العاملين القطاعات غير النظامية. وسيدفع معظم هؤلاء الموطنين مبالغ محدودة من الضرائب؛ نظراً إلى أن مستويات دخولهم متدنية على اساس مقارن لكنهم سيستفيدون من كونهم جزءاً من نظام الخصم الضريبي، بما في ذلك لأغراض الحماية الاجتماعية.

قد يعجبك ايضا