ندوة تكريمية للمورخة والأكاديمية الدكتورة هند أبو الشعر شخصية المعرض في دورته (22)
المرفأ..عمان 22 أيلول (اتحاد الناشرين الأردنيين)- أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لمعرض عمان الدولي للكتاب 2023 مساء أمس الخميس ندوة تكريمية للمورخة والأكاديمية الدكتورة هند أبو الشعر شخصية المعرض في دورته (22) التي اختيارها من قبل اللجنة الثقافية للمعرض.
وتحدث في الندوة الدكتور عليان الجالودي، والدكتور جورج طريف، والصحفي حسين نشوان، وبإدارة مدير تحرير مجلة افكار الدكتور مخلد بركات، وبحضور وزيرة الثقافة هيفاء النجار، ورئيس اتحاد الناشرين الأردنيين جبر أبو فارس.
وفي الندوة التي شهدت حضور من رواد المعرض، تحدث الدكتور الجالودي عن الجانب الأكاديمي لدى الدكتورة ابو الشعر، وزمالتهما في الجامعة، وكيف تتلمذا على يد الدكتور عبد العزيز الدوري، والدكتور عدنان البخيت، والدكتور علي محافظة، مشيرا باسهاب إلى اسهاماتها الفكرية في الجامعة كأبرز المشتغلين بالتاريخ من خلال الندوات الفكرية، ومشاركتها في الكتابة، والاشراف على المجلات الادبية.
كما تحدث عن تجربتها كمورخة، وتميزها في الجامعة الهاشمية، وكتبها التي زادت عن 80 كتاب توثق في معظمها تاريخ الاردن، وأنها اول من اماط اللثان عن شخصية الأديب عقيل ابو الشعر، وترجمت ما كتب عن باللغات المختلفة، إضافة إلى تجربتها البحثية في انتاج اعمال موسوعية .
وثمن الدكتور الجالودي في مداخلته في الندوة، الجهد المبذول من قبل الدكتورة ابو الشعر في متابعة المصادر، والعقلية البحثية التي تتمتع بها، وطريقة عملها في الكشف عن مصادر بحثية جديدة أمام الباحثين، وكيف وظفت هذه المصادر في أبحاث منهجية ظهرت بشكل واضح في عناوين رسائل الماجستير..
وتحدث عن جهودها البحثية في توثيق ما أسماه ب “البلدانيات”، وعمق المنهج الإحصائي والكمي الذي تميزت به بشكل متفرد، وامتلاكها لغة الرصينة والاسلوب السلس، وتأثيرها الواضح كقاصة، الأمر الذي انعكس في أسلوبها في الكتابة الرصينة بما لا يسبب الملل للقارىء.
بدوره، تحدث الدكتور طريف أيضا عن زمالته للدكتورة ابو الشعر في مراحل الدراسة في الجامعة، وما تبعها من زمالات اخرى، واشار الى ان الجانب الإعلامي لدى ابو الشعر كان واضحا منذ بدايات انتاجها الادبي حيث حضرت من خلال المقابلات التي كانت تجريها، وومشاركتها في لعديد في الاندية الثقافية في اربد، ونشرها مقالات في صحف ومجلات محلية وعربية.
وقال ان ابو الشعر كان لها عامود في صحف الراي والدستور والشعب، وقد اعدت وقدمت برنامج اوراق اردنية الذي ما زال يبث حتى الان، ونشرت الكثير من الأبحاث التي اعتمدت على الصحافة كمصدر، وكانت رئيس تحرير مجلة البيان، ورئيس تحرير مجلة افكار التابعة لوزارة الثقافة، وعضو مجلس إدارة وكالة الانباء الاردنية، وهي مرجع للباحثين والدارسين.
اما الصحفي حسين نشوان، ورئيس رابطة الفنانين التشكيلين السابق، فقد تحدث عن البعد المعرفي لدى الدكتورة ابو الشعر، وصرامتها في البحث العلمي، وانفتاحها على الجديد، مضيا أنها تنتمي الى عائلة اردنية مليئة بالقامات الأدبية مثل امين ابو الشعر، وعقيل ابو الشعر، صاحب ذلك ثقافة منوعة في التأليف والكتابة للمسرح، واصفا ابو الشعر كمؤسسة قائمة بذاتها من خلال الانجاز.
كما أشار نشوان إلى الجانب الإبداعي لدى ابو الشعر التي بدأت في الشعر واصدرت مجموعات قصصية وصلت الى سبع، وذكر انها من المخلصين للقصة القصيرة، وانحيازها للقصة، وساهمت في حفر مجراها.
وبين نشوان أن الدكتور ابو الشعر تنحاز كمثقفة للافضل والاجمل، وتتمتع بخط جميل، وانها الرائدات في الفن التشكيلي عندما اسست مجموعة فنية ضمت عدد من الشباب، واقامت مجموعة من المعارض، وهي من الرواد الذي أرّخوا للفن التشكيلي، كما أن اعمالها التشكيلية تمثل وعاءا معرفيا بشكل بصري، ومؤثرات تؤثثها باللون لتعيد مفردات الماضي من جديد، كما أنها كان تركز أثناء في عملها في المجلات على روح المكان.
بدورها، أعربت الدكتورة هند أبو الشعر عن شكرها لاتحاد الناشرين الاردنيين واللجنة الثقافية للمعرض على اختيارها الشخصية الثقافة، مبينة ان هذه الاختيار يمثل المؤسسات التي تنتمي لها، ويمثل جانب مهم وهو الاهتمام بالمرأة الكاتبة..
وقالت إن ما قدمه الزملاء المشاركين في الندوة “يعني لي الشيء الكثير، داعية إلى الاهتمام بالحدث المحلي الذي يجب ان نعطيه اهتمام خاصا، ومن نوع آخر لأن العالم يتابعنا، وأوضحت أنها بهذه التكريم اليوم “استكملت حالات التكريم بالنسبة لي”.
وكان الدكتور بركات الذي أدارة الندوة قد اشار الى ان مجلة افكار التي تصدرها وزارة الثقافة قد خصصت عدد خاص عن الدكتور هند ابو الشعر، وقد تم توزيعه أثناء الندوة التكريمية.
“دور التراث الثقافي في تعزيز الهوية القطرية” ندوة ضمن فعاليات معرض عمان للكتاب..
عمان- 22 أيلول (اتحاد الناشرين الأردنيين)- أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لمعرض عمان الدولي للكتاب 2023 الذي انطلقت فعالياته الخميس، ندوة بعنوان” دور التراث الثقافي في تعزيز الهوية القطرية” ضمن فعاليات البرنامج الثقافي لدولة قطر الشقيقة ضيف شرف المعرض في دوته (22)، بمشاركة الدكتور غانم سعد الحميدي، وإدارة الدكتور سلطان المعاني.
واستعرض الدكتور الحميدي في الندوة التي حضرها الوفد الرسمي القطري المشارك في فعاليات المعرض العوامل الأساسية في التراث القطري، مبينا عوامل تكوين الهوية القطرية في الدين الاسلامي، والهوية الثقافية العربية، وتحدث عن المذاهب الدينية، وكيف صاحب ذلك انفتاح بالشخصية القطرية وتسامحها، وتأثر الشخصية التراثية بعوامل الجغرافيا، والتاريخ، وكيفية ظهور ما أسماه بالكيانات مستقرة في البلاد.
كما عرض لتكوين المجتمع السياسي كدولة حديثة الذي تأخر عن محيطه، ذاكرا بدايات القرن التاسع عشر وسقوط دولة بني خالد عندها بدأت ما أسماه بالشخصية القطرية التي ظهرت في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن..
وأشار الدكتور الحميدي إلى ظهور قيادة موحدة تمثلت بـ محمد بن ثاني في معركة “مسيمير”، وكيف ساهم هذا القائد في جمع القبائل على قلب رجل واحد، وعندها كيف ظهرت الشخصية القطرية، وبرزت بظهور الموارد التي كانت تعتمد أغلبها على صيد اللؤلؤ، وهنا حملت قطر ثوابت الشخصية القطرية.
وتساءل: لماذا تأخرت قطر ككيان سياسي، ودور التعداد السكاني في ذلك، ودور المدن التي ساهمت في بناء الشخصية القطرية، وتكونها، مستعرضا العوامل التي تميزت بها، والثوابت التي كانت تحكم هذه الشخصية القطرية، مبينا أن المجتمع منفتح، وهذا كان حاضرا في رؤية 2030 التي أكدت على الشخصية القطرية.
ومن هذه الثوابت – بحسب الدكتور الحميدي- الانتماء، والولاء الشديد، والكرامة والعدالة، وتقدير العمل والعلم، ودور ثنائية البر والبحر التي استمدتها الشخصية القطرية من مهنة الخوص التي تحتاج إلى مهارة وصبر..
كما تحدث عن خصوصية التراث القطري، ولغته ومفراداته، مبينا أن عملية التحديث ما زالت مستمرة، وبدات الدولة بتحديث معالمه هذه التراث في المتاحف، وسوق واقف الذي حافظت عليه، وفي التراث الفني هناك العرضة التي تمارس في الاحتفالات ..
وأشار إلى أن تبلور الشخصية القطرية مرتبطة بشخصية المؤسس من خلال الشيخ جاسم وصفاته التي أسهمت في تعزيز التراث القطري من خلال مؤسسات الدولة، مع الإشارة إلى بعض التحديات التي واجهتها الشخصية مثل: التركيبة السكانية والعولمة، واللغة، كما هي كل المجتمعات..
وقال الدكتور الحميدي إن “اغلب التراث القطري يتم الحفاظ عليه في المكتبة الوطنية، ومضيفا أن قطر سباقة في ذلك من خلال التوجه إلى الأجيال الجديدة من خلال الإعلام، حيث باردت بانشاء قناة الريان للتعريف بالتراث تقديرا منها لأهمية وتأثري الإعلام، وتوسعت بمحتوى فريد يعتمد على المسابقات التراثية بشكل خاص، كما أن التراث القطري له أولوية في التدريس في المدارس من خلال المناهج، وعززت احتفالات اليوم الوطني اهتمامها بالتراث، وانعكس ذلك بشكل واضح على الطلبة وأهاليهم.
واستعرض الدكتور الحميدي التحديات التي تواجه الشخصية القطرية من وجهة نظره، موضحا أن هناك اعتزاز واضح بالتراث والهوية الوطنية من تجربة، ذاكرا تجربة شخصية له بالتعامل مع اربعة آلاف طالب مدرسة ممن يتقنون اللغات الاجنبية، وغيرهم.
وكان الدكتور المعاني الذي أدارة الندوة قد أشار إلى أن التراث القطري له مذاق خاص، وأن هناك خطوات عملاقة من قبل الأشقاء في دولة قطر لتوثيق هذا التراث وربط الماضي بالحاضر بطرق مختلفة، ومنها على سبيل المثال تحويل بعض المعالم السياحية، وترسم لون من ألوان الثقافة، من خلال استمرار بعض المهن والحرف حتى يومنا، ضمن رؤية تتضمن البناء المستدا..
يشار إلى أن الدكتور الحميدي أكاديمي وتربوي، يعمل حاليا كخبير مناهج دراسات اجتماعية أول بإدارة المناهج ومصادر التعلم، شارك بأوراق عمل وابحاث حول تاريخ قطر والأندلس في لقاءات علمية متنوعة منها “تاريخ قطر الإسلامي حضور المكان غياب الحدث “و”نشاءة مدينة الخور بين المصادر التاريخية والروايات الشفهية”، “تاريخ قطر في المصادر النجدية قراءة أولية ” ، ” تاريخ افتتاح الاندلس بين التاريخ والاسطورة “، كتاب تحت الطبع بعنوان ” السمات الوطنية للشخصية القطرية قراءة في المنظور التاريخي”.
وشغل نائب رئيس لجنة التاريخ الشفاهي ومستشار الرئيس التنفيذي بمتاحف قطر، وعضو اللجنة التأسيسية لجمعية المكتبات والمعلومات (تحت التأسيس)، مراجع لمادة لتاريخ قطر الحديث والمعاصر – المكتوبة والمسموعة لمتحف قطر الوطني الجديد ، قام بتدريس مقررات تاريخية متنوعة على المستوى الجامعي هي ” تاريخ قطر الحديث والمعاصر “تاريخ الحضارة الاسلامية ” ” معالم تاريخ المسلمين “” تاريخ قطر ” ” تاريخ قطر والمواطنة “.
إلى ذلك، اقيمت ندوة بعنوان” المشهد الثقافي الأردني: بمشاركة مدير ثقافة الطفيلة الدكتور سالم الفقير، ومدير ثقافة إربد عاقل الخوالدة، وإدارة الدكتور سالم الدهام.
وتحدث الفقير عن برامج وزارة الثقافة المختلفة ومنها مكتبة الأسرة، والمدن الثقافية والتي تحولت إلى الألوية، وتجربته الشخصية وملاحظته مع تجربة لواء الحسا.
كما عرض الخوالدة الى تجربة إربد عاصمة الثقافية العرية العام الماضي، وكيفية إدارة العمل الثقافي في المحافظات البعيدة عن المركز.
وأشار الدكتور الدهام إلى بعض مفردات المشهد الثقافي الأردني.
مساحة الأطفال
وفي المساحة المخصصة للأطفال في معرض عمان الدولي للكتاب، نظمت وزارة الثقافة فعالية قراءات قصصية قدمتها وزيرة الثقافة هيفاء النجار، فيما نظمت دار نبجة للنشر والتوزيع ضمن برنامج دولة قطر ضيف الشرف لهذا العام، فعالية حوارية على المسرح بعنوان “أنا قطري” بمشاركة: جاسم المريخي، وناصر النعيمي، والشيخ سعود آل ثاني، وصباح النعيمي، وعلي السليطي.
كما قدمت فعالية أخرى ضمن برنامج دولة قطر ضيف الشرف، بعنوان ” قصص قطرية” حيث قرأت الشيخة الجوهرة آل ثاني، وتماضر باخميس، وتماضر الشمري، قصص من الكتابات القطرية.
الدعوة لصناعة محرك بحث عربي في ندوة “اللغة العربية والعوالم الجديدة” لمجمع اللغة
عمان- نظم مجمع اللغة العربية الأردني ندوةً بعنوان “اللغة العربية والعوالم الجديدة”، أدارها الأمين العام للمجمع الأستاذ الدكتور محمد السعودي، وشارك فيها الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالشارقة الأستاذ الدكتور امحمد المستغانمي عضو مجلس أمناء مجمع اللغة بالشارقة، وعضو مجمع اللغة العربية الأردني الأستاذ الدكتور إبراهيم السعافين.
الدكتور السعودي
وجاء في استهلال السعودي للندوة التي أقيمت أمس الخميس الحادي والعشرين من أيلول لعام ٢٠٢٣م، الشكر لاتحاد الناشرين الأردنيين ولوزارة الثقافة وأمانة عمان، والقائمين على المعرض، وأشار إلى أن الندوة تجيب عن جملة من التساؤلات حول واقع اللغة العربية في ظل التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم، حيث إن اللغة العربية رغم كل الظروف صامدة نابضة كما عهدناها على مرّ العصور..
لكن شيوع بعض المصطلحات الجديدة مثل “الترند” و”الترويقة” تجعلنا نتساءل عما إذا كانت هذه اللغة قاصرة عن مواكبة التكنولوجيا المعاصرة، وهل استطاع القائمون على الثقافة العربية ومؤسسات الفكر العربي الوصول إلى الناس من خلال هذه اللغة، وهل أصبحت النظرية اللغوية اليوم خافتةً في عقول أهل التفكير باللغة؟ وهل أصبح التجديد تنينًا تخشاه الجامعات ومراكز التفكير العربي فيما يخص مواكبة حركة المصطلح العالمي؟ وأضاف: حتى لا نجلد الذات أكثر مما يجب، نستعرض التجربة الألمانية والصينية واليابانية والكورية التي قدمت العلوم باللغة العربيّة لأبنائها، وعرّبت ونجحت، بل إن العالم العربي اليوم يتجه إلى هذه الأمم التي أصبحت فيها الشخصية الثقافية حاضرةً ولها احترامها في المجتمعات الغربية..
الدكتور امحمد المستغانمي
وبدأ المستغانمي حديثه عن اللغة العربية بأنها تعيشُ اليوم على غرار أخواتها من اللغات العالميّة مرحلةً عسيرةً بسبب التّجاذبات العنيفة والتّفاعل القويّ الذي أحدثه الانفجار المعلوماتي العالميّ، وعلى الرّغم ممّا تمتلكه العربيّة من خصائص ومزايا أهّلتها للبقاء بل ورغّبت العالمين في تعلُّمها والتّواصل بها، إلّا أنّ المبذول من الجهد والمال والوقت والتّخطيط لدعمها وتقوية جانبها قليلٌ نزرٌ بالنّسبة لطبيعتها ومكانتها الأمميّة.
وأشار إلى أن الإحصاءات الحديثة تتحدث عن أنّ اللغة العربيّة تتبوّأُ المنزلة الخامسة في نسبة المتحدّثين بها في العالم الذي يحفل بسبعة آلاف لغة، ولا مريةَ أنَّ هذه منزلةٌ ساميةٌ جدًا، وهي السّادسة في ترتيب الّلغات الرّسميّة في منظّمة الأمم المتّحدة، وهي منقبة ثانية.
سيّما أن العرب الذين يتحدّثون بها يتجاوز عددهم (٤٢٠) مليون نسمة، والمسلمين الذين يمارسون شعائرهم بها يربو الآن عددهم على المليارين من البشر. وهي تعيش اليوم في وسطٍ تتجاذَبُهُ عواملُ تأثير وتأثّر قويّة، والعربيّة – كما هو الشّأن بالنّسبة لجميع اللغات- ليست وسيلةً للتواصل فحسب، وإنّما هي حاملة فكر، ووعاء الثقافة المجتمعيّة العربيّة وديوان التراث الأدبي وذاكرة أحداث الأمّة.
وتساءل عن دور أبناء اللغة العربيّة تُجاه لغتهم العظيمةِ المزايا في عالم الانفجار المعلوماتي الذي يعجّ بالتّطبيقات المتنوّعة ومواقع التّواصل الكثيرة الغزيرة؟ وعن موقع العربيّة في الشّابكة العنكبوتيّة؟ وعن كميّة المنشورات باللسان العربي؟ وعن نوعها جودةً ورداءةً وصحّةً ولحنًا؟ وعن مدى تناسبها مع حجم العربيّة ومنزلتها العالميّة؟ وأين وصل البحث العلميّ المتعلّق بالذّكاء الاصطناعيّ واللغة العربيّة؟ وهل ثمّة بحوثٌ جادّة في هذا المجال الحيويّ اليوم؟ ثم ما السّياسات اللغويّة التي يرسمها أصحاب القرار للتّمكين للسان العربيّ عالميّاً؟ وما حجمُ الأموال المبذولة في البحث العلمي اللغويّ، ونسبة الأطروحات العلميّة في مجال حوسبة اللغة العربيّة؟
واختتم المستغانمي حديثه أن ثمة أسئلة ومحاور كثيرة أخرى يُثيرها موضوع اللغة العربيّة وعلاقتها بالعوالم الجديدة، وهي بحاجة إلى دراسات ومشاورات وتنقيب عن حلول جادّة شاملة كإنشاء محرك بحث عربي شامل ودقيق يتكئ على مدونة لغوية ثرية ومحللات صرفية تعمل بذكاء اصطناعي مميز بجهود مؤسسية يتصالح فيها اللغوي مع الحاسوبي في مشروع ضخم يتعاون فيه القطاع العام مع رجال الأعمال في القطاع الخاص ضمن خطط استراتيجيّة مدروسة، وتضافر جهود كلّ المهتمّين بالشّأن اللغوي حكومات وأفرادًا للتّمكين للعربيّة التي اجتباها الباري سبحانه لتكون وعاءً للذّكر المقدّس.
الدكتور السعافين
وفي مداخلة السعافين التي استهلها بالإشارة إلى واقع اللغة العربيّة في الوطن العربي وفي العالم، أوجز بعض التحدّيات الأساسيّة التي تجابه اللغة العربيّة في زمن التّنافس الثّقافي والحضاري، وانحسار مشاركة أمّتنا العربيّة في المنجز الثّقافي والعلمي والتكنولوجي، الذي يؤثر بطبيعة الحال على دورها، واستيعابها للمصطلحات الجديدة بل على دورها في التعليم العالي ومجابهة الأخطار المختلفة، كخطر الإحلال الذي يمتدّ من الجامعات إلى مرحلة التّعليم العام، وفي موقع اللّغة العربيّة التي لم تكن قديماً وحيدةً في محيطها، فقد كانت لغة العلم والفكر والأدب. وقامت بدور المنتج والنّاقل معًا، وأثّرت تأثيرًا هائلاً في نهضة الغرب الحديث.
ومن الطّبيعي ألّا نراها تواجه من التحديات كما تواجهه الآن في واقعنا المعاصر بسبب “ثنائيّة الضّعف والقوّة” كما أسماها السعافين بالمعنى الماديّ والرّمزي، فملامح الضّعف شاملة على الأصعدة كافّة، ما أورث الوهن أحيانًا والشّعور بالدّونيّة نتيجة ظروفٍ مختلفة؛ فقد تخلّت طوعًا أو قصرًا عن دورها الرّيادي في الفكر والعلوم والآداب.
وهي برأي السعافين تتعرّض لمنافسة من ينتجون العلم والمعرفة، وتقف أحيانًا عاجزة حتّى عن الاستهلاك فهي تُعاني في المنهاج، فمن يتأمل بنية منهج اللغة العربيّة في التعليم العام يلاحظ ضآلة المساحة الممنوحة للمادّة، وبدل أن يحرص المنهاج على دعم محتوى المادّة بفروعها المختلفة، نلحظ تراجعًا واضحًا في هذا الصّدد على مستوى الكمّ والنّوع معًا.
ويرى السعافين أنّ أيّ أحد له معرفة بمناهج تدريس اللغات الأجنبيّة في مراحل التّعليم العام يلحظ قوّة المنهاج كمًّا وكيفًا وعمقًا، ولا يقف واضع المنهاج أمام السّهولة والصّعوبة كما يقف واضعو المناهج في بلادنا.
والذي يؤسف له أنّ التلميذ في رياض الأطفال يعرف بعض المصطلحات التي لا يعرفها الطلاب إلاّ في المرحلة الجامعيّة أحيانًا. ومّما يلاحظ على منهاج اللغة العربيّة تراجع الحرص على جودة النصوص التي تصلح للمحاكاة من شعرٍ ونثرٍ وفكر بأقلام رموزٍ يوثق بلغتهم وفكرهم، فاختيار النصّ يجب ألاّ يخضع لاعتبارات غير قدرة النّص على تحقيق المعيار اللغوي. ويلاحظ متتبّع المنهاج ضعف الحرص على الحفظ باعتباره أداةً لتقويم اللّسان، وتزويد الذّاكرة بما يسعفها في المواقف التّعليميّة بحججٍ واهية لا علاقة لها بالأسس العلميّة لبناء المناهج.
ويعزو السعافين هذا التراجع إلى عدم الاهتمام بحفظ القرآن لما فيه من فوائد مختلفة، ومن دور المحاكاة في هذا المجال، وإلى انّ المنهاج لا يهتم بالكتابة الإبداعيّة التي تمكّن المتعلّم من إتقان المهارات الأساسيّة في مرحلة مبكّرة وتدريبه على الإبداع والتّخييل، إضافةً إلى مزاحمة المدارس الأجنبيّة وتكاثرها وضعف منهاج اللغة العربيّة فيها أو عدم وجوده بالمرّة، وتدريس العلوم في الكليّات العلميّة في الجامعات بلغات أجنبيّة حتّى إن بعض الجامعات تدرّس بعض مساقات الكليّات الإنسانيّة بلغاتٍ أجنبيّة.
ومن التطلعات التي يشير إليها السعافين للنهوض بدور اللغة العربية قيام بعض مجامع اللغة العربيّة أو اتّحاد المجامع باقتراح منهج نموذجي للغة العربيّة يُراعى فيه مستوى المادّة وقيمة النّصوص المدروسة والجوانب التربويّة والنفسيّة والثّقافيّة والحضاريّة للمتلقّين بعيدًا عن محدّدات الوزارات والحكومات وكوادرها المختلفة.
والاهتمام بمدوّنة اللغة العربيّة على الشّبكة العنكبوتيّة، وبكفاءة محرّك التّرجمة، ومراجعة مدوّنات اللّغات الأخرى في المدارس الأجنبيّة والخاصّة، بل وضرورة الإشراف على منهج اللغة العربيّة والتّربية الإسلاميّة بشكل خاصّ، فأي تهاون في ذلك ينعكس سلبًا على شخصيّة الفرد على مستوى الوطن والأمّة والحضارة.
ويؤكد السعافين أن عدم الاعتزاز باللغة عاملٌ من عوامل التخلّف والانحطاط، والاعتزاز ليس بالقول ولكن بالفعل من خلال الخبرة المربّية.
ويشير أيضًا إلى أهمية العناية بالمصطلح ومحاولة توحيده في المجالات كافّة، خشيةَ الغموض وضياع الجهد والوقت. أمّا في المجالات العلميّة فالأمر يحتاج إلى قرارٍ سياسيّ يجعل تدريس العلوم ومن ثمّ مصطلحاتها باللغة العربيّة، وتجنب فوضى النّشر، فمن الملاحظ أنّ نشر المواد والنّصوص لدى دور النّشر ووسائل التّواصل الاجتماعي والمنصّات المختلفة يعاني من فوضى غريبة تضرّ بمستوى مدوّنة اللّغة العربيّة التي لا تخضع لأي رقابة إطلاقًا حتّى اختلط الحابل بالنّابل، ويستتبع ذلك فوضى المعايير في كلّ المجالات التي تخصّ اللّغة، ومنها فوضى النّقد، فقد شاع في هذه الأيّام ضعف بعض النّصوص إلى درجةٍ مقلقة.
إذ نلاحظ استسهال الحكم النقدي على أعمالٍ ضعيفة وفي غياب المعايير تُصاب اللغة بضررٍ كبير. ونلاحظ غلبة النقل والمحاكاة وضعف الإبداع وضحالة التّطبيق، ثم تأتي الجوائز والتّحكيم، فيلاحظ أحيانًا عدم الاهتمام الجديّ بعمليّة التّحكيم، ناهيك عن ضعف الإقبال على تخصّص اللغة العربيّة قياسًا بالحال في الماضي.
واختتم السعافين حديثه عن أهمية اللغة والإعلام التي لا بدّ فيهما من الاهتمام بالإعلاميين وتأهيلهم تأهيلاً عاليًا على المستوى اللغوي؛ لأن الإعلام أداة تعليم وتثقيف وصقلٍ للّغة وتطوير لمهارة التّعبير، مبرزًا أهمية الاعتناء بالنص وتطوير اللغة، فالحديث عن نظريّة نقديّة عربيّة ليس ذا جدوى إن لم يقترن بنصوصٍ ذات قيمة عالية تشقّ مسالك جديدة، فالنصّ المتفوّق عادةً يسبق النّظريّة، وأجود النّصوص التي تبنى على غير مثال.