هل تتفاقم عدوى الإفلاس هذا العام حول العالم

232
المرفأ….لقد أصبح الإفلاس موضوعاً متطوراً في القرن الحادي والعشرين فنحن بين الحين والأخر يصل الى اسماعنا اخبار عن حالات الإفلاس من هنا وهناك ومن مختلف ارجاء العالم سواء كانت على مستوى الأفراد أو الشركات أو حتى الدول فعلى سبيل المثال قد تتلقى أخبار عن إفلاس شركات كبيرة متعثرة سواء كانت ضمن قطاع التكنولوجيا أو الشركات المالية او الصناعية او الصحية او غيرها من القطاعات وكذلك الحال للأفراد وفيما يتعلق بالدول فقد تصلنا أخبار عن حالات إفلاس لدول تواجه أزمات مالية مثل تراكم الديون السيادية أو عدم القدرة على تحمل الالتزامات المالية وهذه الأخبار عادةً ما تثير اهتمام الأسواق المالية وتؤثر على قيم العملات والأصول المالية.

وقبل ان نتعمق في الحديث عن الموضوع وكما عودتكم دوما على ربط المعلومات الاقتصادية بشكل منسجم بالبيانات والأوضاع الاقتصادية الحالية ليتيسر للجميع الفهم الصحيح والربط العلمي الدقيق بما يحدث حولنا ،، لذلك دعونا نعرف الإفلاس بشكل مبسط وسريع وبدون أي تعقيدات كي يتسنى للجميع الفهم الاقتصادي للإفلاس وتداعياته، الإفلاس هو عدم القدرة على سداد الديون أو الالتزامات المالية المترتبة على الفرد أو الشركة ويحدث الإفلاس عندما تتجاوز الديون القدرة على السداد، مما يؤدي إلى حصول عجز مالي في حالة الأفراد وقد يكون الإفلاس نتيجة لتراكم الديون الشخصية، في حين يمكن أن يكون للشركات والمؤسسات أسباب مختلفة تؤدي إلى عدم القدرة على السداد، مثل:

تراكم الخسائر أو تقلص الإيرادات ومعنى الإفلاس يتعدى الجانب المالي إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، حيث يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على حياة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات أما على صعيد الدول فان افلاس الدولة يشير إلى حالة عدم قدرة الدولة على تلبية التزاماتها المالية، سواء كانت ديون داخلية أو خارجية ويحدث الإفلاس للدولة عندما تصبح الديون الخارجية أكبر من قدرتها على سدادها، مما يؤدي إلى عدم القدرة على توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، وقد يتسبب في انهيار النظام المالي والاقتصادي للدولة.

وبعد التعريف المبسط انتقل الى الوقوف على الأسباب سريعا وبإيجاز حيث هناك العديد من العوامل المسببة لحصول إفلاس الأفراد والشركات ومن بين تلك الأسباب للأفراد هو تراكم الديون الشخصية و فقدان الوظيفة أو الدخل وعدم القدرة على سداد القروض أو الفواتير في الوقت المحدد و تكاليف الرعاية الصحية المرتفعة والإنفاق الزائد المتمثل بعدم القدرة على إدارة النفقات والاستهلاك بشكل صحيح

– اما في حالة الشركات والمؤسسات فيرجع ذلك للعديد من العوامل والأسباب أيضا منها تراكم الخسائر وانخفاض الطلب على منتجات أو خدمات الشركة يمكن أن يؤدي إلى تراجع الإيرادات وفي بعض الحالات، قد يكون التنافس الشديد في السوق سبباً في إفلاس الشركة، خاصة إذا لم تكن لديها استراتيجية تنافسية قوية بالإضافة الى سوء الإدارة أو القيادة الضعيفة التي تؤدي إلى سوء الأداء المالي للشركة وفقدان الثقة من قبل المستثمرين ولا ننسى التغيرات المفاجئة كالقوانين الحكومية المستحدثة او مثلما حدث في جائحة كورونا وقد تؤثر مثل هذه التغيرات على أداء الشركة وتؤدي بها الى الإفلاس >

– أما أسباب افلاس الدول وهو الأخطر يرجع الى العديد من الأسباب الرئيسية والتي قد تأتي مجتمعة وناتجه عن عدة عوامل مترابطة مثل تراكم الديون الخارجية ويكون هذا نتيجة للقروض الكبيرة والضخمة التي تم الحصول عليها لتمويل المشاريع أو البرامج الحكومية الداخلية بالإضافة الى انخفاض نمو الاقتصاد أو تراجع الإنتاجية أو انخفاض قيمة العملة الذي يمكن أن يؤدي إلى تراكم الديون وزيادة الضغوط المالية على الحكومات ونقطة مهمة أيضا هي تدني إيرادات الدولة ،، ولابد ان اتوقف عندها للشرح قليلا>

– حيث ان تدني إيرادات الدولة يعد عاملاً مهماً يمكن أن يؤدي إلى زيادة الضغوط المالية على الحكومات ويحصل نتيجة لتراجع النشاط الاقتصادي والإنتاجية الوطنية التي تؤثر على مستوى الدخل الوطني وتقلل من الإيرادات الضريبية بالإضافة الى عامل مهم اخر وهو تراجع أسعار السلع الرئيسية إذا كانت الدولة تعتمد بشكل كبير على صادرات معينة مثل النفط أو الفحم أو المعادن وغيرها فتراجع أسعار هذه السلع في السوق العالمية يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الإيرادات التي تحصل عليها الحكومة من هذه القطاعات ومن أسباب تدني إيرادات الدولة أيضا هو التهرب الضريبي وتقلبات أسواق العملات الأجنبية التي تؤثر على القيمة الحقيقية للإيرادات الواردة في العملة المحلية مما يقلل من قوة الشراء للحكومة>

– واكمل في أسباب افلاس الدول حيث ان الركود العالمي أو الأزمات المالية العالمية تؤثر بشكل كبير بالإضافة الى ارتفاع معدلات التضخم بشكل هائل الذي يقلل من قوة العملة ويجعل الديون الخارجية أكثر صعوبة في السداد بالإضافة الى غيرها من العوامل كسوء الإدارة المالية والفساد الذي يؤدي إلى استنزاف الموارد العامة للدولة .

ولدينا عدة امثلة عن حالات تعثر عالمية للدول اثارت ضجة وكان لها الأثر الواضح على الاقتصاد العالمي مثل أزمة الديون اليونانية حيث عانت اليونان من أزمة ديون قوية بدأت في عام 2010 ولغاية 2018 قبل ان يتدخل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بالدعم المالي مقابل فرض إجراءات تقشفية صارمة عليها ، وإفلاس الأرجنتين عام 2001 بعد أزمة اقتصادية خانقة حيث تراكمت الديون وتدهور الوضع الاقتصادي مما أدى إلى تعليق خدمة الديون وإعلان الإفلاس وأزمة ديون دبي في نوفمبر من عام 2009 >

حيث أعلنت حكومة دبي عن تأخر في سداد ديون إمارة دبي وشركاتها الحكومية مما أدى إلى حالة قلق في الأسواق المالية العالمية وانخفاض قيمة الأصول آنذاك والازمة الأوروبية المشتركة التي شملت عدة دول في منطقة اليورو مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وغيرها وكانت هذه لمحة سريعة عن بعض حالات التعثر المالي للدول خلال العقود الأخيرة

وفي الآونة الأخيرة شهدنا العديد من حالات الإفلاس على مستوى الافراد والشركات العالمية وقد ذكرت ذلك في توقعاتي لعام 2024 وكتبت :

اننا سنشهد العديد من حالات الإفلاس هذا العام حيث ارتفعت حالات إفلاس الشركات في إنجلترا وويلز الى أعلى مستوى منذ ثلاثة عقود وفقا لأرقام رسمية وسط تباطؤ الطلب وارتفاع تكاليف الإنتاج وفي عام 2023 كان هناك 25158 شركة مسجلة في حالة إعسار وهو أعلى رقم منذ عام 1993 ومن المتوقع أن تتعرض ايضا الشركات الألمانية للإفلاس بمعدل أعلى هذا العام بعد الزيادة الحادة في حالات الإفلاس في عام 2023 حيث تضررت الشركات من ارتفاع تكاليف الطاقة وانتهاء المساعدات الوبائية وقد تضخمت صفوف الشركات المتعثرة بسبب الركود الاقتصادي في ألمانيا إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع الأجور وارتفاع أسعار الطاقة وضغط الميزانية الحكومية كل ذلك سيؤدي إلى ارتفاع حالات الإعسار بنسبة تتراوح بين 10 – 30 % هذا العام مما يجعلها أعلى من مستويات ما قبل الوباء ويتوقع أن ترتفع حالات الإعسار بأكثر من 30 % في عام 2024 في المانيا وكان لي مقال مفصل حول الاقتصاد الألماني منذ فترة تحدثت فيها بالأرقام عن وضع الاقتصاد الألماني وكيف ان عام 2024 مهم لمستقبل أكبر اقتصاد في منطقة اليورو للخروج من المأزق ،، وعند النظر الى القارة الاسيوية فهي ليست بحال افضل ولعل ما حدث مؤخرا من انهيار وتصفية شركة التطوير العقاري إيفرجراند الصينية خير دليل وبعد هذه الجولة السريعة لكبرى الاقتصادات العالمية يبرز السؤال المهم ماذا عن الولايات المتحدة في عام 2024؟؟

في الولايات المتحدة على نطاق الشركات ارتفعت حالات التخلف عن السداد العام الماضي إلى أعلى مستوى منذ بداية الوباء أيضا والوارد جدا ان يحصل المزيد من الضرر للشركات خلال العام الجاري وقالت وكالة موديز إن حالات التخلف عن السداد في الشركات غير المالية تضاعفت ثلاث مرات تقريبا من عام 2022 إلى عام 2023 وفي الربع الرابع من عام 2023 قادت الشركات المدعومة بالأسهم الخاصة إجمالي حالات التخلف عن السداد ، ووفقا لمذكرة وكالة موديز قفزت حالات التخلف عن السداد في عام 2023 الى اعلى مستوى إجمالي سنوي منذ بدء الوباء في عام 2020 ومن خلال دورة رفع أسعار الفائدة التي أطلقها الاحتياطي الفيدرالي والتي بدأت في عام 2022 أدت الظروف المالية الأكثر صرامة إلى الضغط على قدرة الشركات على الاقتراض وسداد الديون وقالت وكالة موديز إن الارتفاع الكبير في حالات التخلف عن السداد على مدى الاثني عشر شهرا الماضية أثر على أكثر من 91 مليار دولار من إجمالي الديون المتعثرة، ارتفاعا من 38 مليار دولار في العام السابق وبالنظر إلى المستقبل القريب من المتوقع أن يواجه قطاعا الاتصالات والسلع الاستهلاكية المعمرة معظم التحديات، مع توقع معدلات اعلى للتخلف عن السداد هذا العام ،، وتسلط حالات الإفلاس المتزايدة الضوء أيضا على المشكلات التي تواجهها بعض شركات الرعاية الصحية المملوكة للأسهم الخاصة المثقلة بالديون، في السنوات الخمس الماضية حيث دعمت مجموعات الأسهم الخاصة نحو 140 مليار دولار من صفقات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة مما يجعلها ثالث أكثر القطاعات نشاطا بعد التكنولوجيا والمالية وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن معدلات الإفلاس في العديد من البلدان تجاوزت مستوياتها خلال الأزمة المالية 2008-2009 وتوقعت شركة الخدمات المالية الألمانية أليانز أن تصل معدلات نمو الإعسار العالمي إلى 10 % هذا العام بعد زيادة 6 % في 2023 وتواجه بعض الولايات الفيدرالية الامريكية واقع ليس بعيد للتخلف عن سداد التزامات ديون السندات ومدفوعات القروض والرعاية الاجتماعية وتشهد هذه الولايات انخفاضا في عائدات الضرائب الحالية والمستقبلية وزيادة الإنفاق التدريجي على أنظمة التقاعد العامة التي تعاني من نقص التمويل على المدى الطويل وتعتبر ولاية إلينوي ونيوجيرسي من الولايات الخطرة لحصول هكذا أمور حيث تعد الولايتين الأقل تصنيفا داخل الولايات المتحدة وتتجه نيويورك و كونيتيكت وميشيغان وغيرها من الولايات إلى التخلف عن السداد في المستقبل ما لم يتم إصلاح الميزانية والسياسات المالية.

– لكن هل الامر بهذا السوء في الولايات المتحدة؟؟

من المفارقات أن اثنتي عشرة ولاية أمريكية لديها تصنيفات سندات من ثلاث وكالات لتصنيف السندات أعلى من الحكومة الامريكية نفسها اعتبارا من أغسطس 2023 ولدى العديد من هذه الولايات قوانين ميزانية متوازنة تحظر الإنفاق بالاستدانة وبعض الولايات تحد من زيادات الإنفاق السنوية وتتمتع هذه الولايات الاثنتي عشرة الآن بتصنيف ائتماني أفضل من تصنيف الحكومة الأمريكية بعد ان خفضت وكالة فيتش الديون الأمريكية إلى AA+ وجاء تخفيض التصنيف الائتماني من وكالة فيتش بعد 12 عام من خفض وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف ديون الحكومة الأمريكية إلى AA+ ، ويتركز كلا التخفيضين حول مخاوف مماثلة مثل سياسة حافة الهاوية المحيطة بسقف الديون والتي غالبا ما تترك الحكومة على حافة التخلف عن السداد غير المسبوق قبل الإصلاح السياسي في اللحظة الأخيرة ما بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، فما هي هذه الولايات المميزة والتي يعتبر الاستثمار فيها جيدا للراغبين بذلك.

ولاية تكساس
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية تينيسي
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية جورجيا
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية فلوريدا
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية يوتا
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية كارولينا الشمالية

تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية فرجينيا
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية ماريلاند
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية ديلاوير
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية مينيسوتا
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية ميسوري
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AAA
تصنيف موديز: AAA

ولاية كارولينا الجنوبية
تصنيف فيتش: AAA
تصنيف ستاندرد آند بورز: AA+
تصنيف موديز: AAA

تأثرت الولايات المتحدة بصورة خاصة بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008 حيث شهدت زيادة في حالات الإفلاس والتخلف عن السداد واستجابت الحكومة الأمريكية باتخاذ عدة إجراءات لمواجهة هذه الأزمة بما في ذلك تقديم برامج تحفيزية اقتصادية وتنظيم القطاع المالي بإصدار قوانين جديدة وتقديم الدعم للبنوك والشركات المتضررة بالإضافة إلى تحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل لكن ما حصل العام الماضي من انهيارات وافلاس لبعض البنوك الامريكية وما يصلنا من ارقام بخصوص افلاس الشركات الامريكية يجعلنا نضع العديد من علامات الاستفهام حول وضع الاقتصاد الأمريكي في عام 2024 وهل سيكون سيء ام لا كما يحصل في منطقة اليورو هذا ما ستوضحه لنا الأيام القادمة >

لكن اجمالا لا يزال الاقتصاد الأمريكي يقف صامدا بالرغم من كل الضغوط الكبيرة منذ الجائحة ولغاية اليوم وانهى عام 2023 متقدما على جميع الاقتصادات العالمية الكبرى حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قدره 3.3 % خلال الربع الرابع – وهي نهاية قوية لعام اعتقد الكثير أنه سيمثل سقوط الاقتصاد الأمريكي في الركود وبدلا من ذلك بلغ النمو 3.1 % للعام بأكمله ــ وهو أفضل أداء بين أي اقتصاد متقدم رئيسي ،، ترقبوا المزيد من المقالات والطروحات والأفكار المستمرة من قبلنا والتي نهدف منها الى ربط المعلومات الاقتصادية بما يحاكيها على ارض الواقع من احداث وبيانات اقتصادية لزيادة الوعي الاقتصادي والاستثماري وتوسيع آفاق المعرفة التي من المؤكد انها ستمنح القارئ العزيز التطور والفائدة على المستوى الشخصي والمهني.

adfbe018 aeb4 4a3e 9a3b 918260fb5307 - وكالة عكاظ الاخبارية

وسلامتكم
المحلل المالي والتقني
عبد الرحمن الأصفر

 

قد يعجبك ايضا