كيف تورّط نتنياهو بعد “قصف بيروت”؟ خطأ كبير يكشفه تقرير!
المرفأ…شكلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة نهاية الشهر الماضي واستقباله الحافل في الكونغرس، عاملاً حاسماً في توجهاته حيال العدوان المتواصل على قطاع غزة المحاصر، ومفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
وينسحب ذلك على مجمل نظرته للتصعيد في المنطقة وضد ما يعرف بمحور المقاومة، ويعود السبب إلى ثقل وأهمية الموقف الأميركي في حسابات نتنياهو والتأثير على مستقبله السياسي.
وشكل انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي، واختيار نائبته كامالا هاريس مرشحة للحزب الديمقراطي، إعادة الأمل للديمقراطيين في منافسة المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
ودفع ذلك نتنياهو لحسم أمره في تصميم اتجاه العدوان على غزة والتصعيد في المنطقة، بما يخدم هدف إطالة أمد الحرب وتعقيد المشهد أمام الإدارة الديمقراطية، في إشارة واضحة إلى انحيازه لصالح ترامب.
ويراهن نتنياهو على فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل، نظراً لما يشكله ذلك من تخفيف ضغوط الإدارة الأميركية عليه فيما يتعلق بالبيئة السياسية الإسرائيلية الداخلية، ويمنحه من الغطاء اللازم للتصعيد ضد محور المقاومة في المنطقة.
كذلك، يمنح فوز ترامب بالانتخابات المقررة رئيسَ الحكومة الإسرائيلية القدرة على المناورة في اتخاذ قرار وقف الحرب على غزة، في ظل انتفاء عامل الضغط الخارجي عليه للتأثير على وضعه السياسي.
ويسعى نتنياهو لتوظيف ما يمكن أن يحصل عليه من دعم ترامب فيما يختص بمشاريع الاستيطان والضم بالضفة الغربية للمحافظة على تحالفه مع اليمين الديني المتطرف الذي ما زال يرفض وقف الحرب، ويسعى لمزيد من المكاسب في الضفة والقدس.
وفي سبيل ذلك، عمل نتنياهو منذ عودته من واشنطن على تصعيد الموقف عبر تنفيذه عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة طهران، وقبلها بقليل نفذ الجيش الإسرائيلي عملية اغتيال وسط الضاحية الجنوبية لبيروت استهدفت فؤاد شكر الذي يعد أرفع شخصية عسكرية لدى حزب الله.
وفي المقابل، يشهد قطاع غزة تصعيدًا في استهداف المدارس ومراكز الإيواء وتعمد إيقاع خسائر وسط المدنيين، وكي يزيد نتنياهو من لغة التصعيد نفذ جيش الاحتلال عملية استهداف مقصودة لمراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي.
التصعيد الذي جلبه نتنياهو أحدث صدمة كبيرة لدى محور المقاومة في المنطقة، ودفعه نحو الاقتراب من لحظة كسر قواعد الاشتباك التي حكمت سلوكه منذ عملية طوفان الأقصى.
وتظهر المؤشرات والتصريحات الصادرة من أعلى المستويات في إيران وحزب الله أنها ستنفذ رداً قوياً وغير مسبوق على الاغتيالات الأخيرة بحق هنية وشكر.
وفتح هذا التعهد بالرد المنطقة من جديد أمام سيناريو الحرب الإقليمية، وأعاد إدارة بايدن مرغمة على ما يبدو إلى أزمة المنطقة التي أشعلها نتنياهو.
ومما يبدو هذه المرة قناعةً لدى الأطراف الدولية والإقليمية أن الرد الإيراني ورد حزب الله لن يكون محدودا ولا رمزياً، وقد شكل التزامن في عمليات الاغتيال مزيدا من الضغط على محور المقاومة لتوجيه رد استثنائي وهو ما سيكون غالباً خارج حسابات نتنياهو والمؤسسة الأمنية والعسكرية.
ويتفق نتنياهو مع المؤسسة العسكرية والأمنية على استخلاص رئيسي من الفشل الذي لحق بهم يوم السابع من تشرين الأول، وهو أن الاحتلال فقد الردع بشكل غير مسبوق. لذا، يركز الكل في إسرائيل على محاولة استعادة الردع عبر توجيه هذا النوع من الاغتيالات الصاخبة، إلا أن ذلك يوقع إسرائيل في فخ تغليب المنجز التكتيكي على حساب الخسارة الإستراتيجية.
والردع المقصود من الاغتيال سيواجه بكسر للردع الإستراتيجي في المنطقة، وسيدفع دولاً وجماعات منتشرة في كل المنطقة لتوجيه ضربات إلى عمق إسرائيل.
وقد غيرت عملية “طوفان الأقصى” وبشكل عميق قناعات المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بعدد من المسلمات، وهي أن تفوقهم العسكري والتكنولوجي قادر على ردع خصومهم، وأنهم قادرون على العيش بأمان خلف الجدران والحدود المحصنة، وأنهم قادرون على الازدهار اقتصاديا. إلا أن هذه القناعات لم تعد قائمة، وبدأ كثيرون في المؤسسة الأمنية يدركون أن “إسرائيل ليست قوية إلى هذا الحد”.
ومقابل هذه القناعة، تدرك الأوساط داخل إسرائيل وخارجها أن نتنياهو قد صمم مسار الحرب على غزة من أجل إطالة أمدها للمحافظة على بقائه في السلطة وتجاوز كافة تبعات الفشل بالسابع من تشرين الأول وما قبله وما بعده، وهو ما يدفع نتنياهو إلى هذا النوع من المغامرات في تقصّد تنفيذ اغتيالات استفزازية لإيران ومحور المقاومة.
على غرار الخطأ الذي ارتكبته إسرائيل في استهدافها للقنصلية الإيرانية في دمشق، يأتي الهجوم على الضاحية الجنوبية وعملية الاغتيال بحق هنية في طهران كأحد أبرز مظاهر الخطأ في تقدير الموقف الذي ومن الواضح أن إسرائيل أخطأت التقدير حينها ولم تكن تتوقع مثل هذا الرد غير المسبوق والواسع النطاق والمباشر الذي تضمن إطلاق مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ من الأراضي الإيرانية على إسرائيل.
وما خسرته إسرائيل في شنها مثل هذه الهجمات أنها فقدت ما اعتمدت عليه لسنوات وهو ما يعرف “بالردع بالإنكار” وذلك من خلال درء أو تقليل الضرر في حال الهجوم والتخفيف من الآثار المحتملة له.
وحاولت إسرائيل أن تمارس ذلك جزئيًا حيال الضربة التي نفذتها إيران في 14 نيسان الماضي، حيث ركزت ومعها الولايات المتحدة على قدرة التحالف الذي قادته واشنطن على التصدي للهجوم، إلا أن الحقيقة الأهم أنه ورغم ذلك فإن الهجوم عمليًا نجح ووصل إلى أهدافه ولم تستطع إسرائيل إنكار أو تجاوز ذلك.
ويشعر العديد من المحللين الأمنيين الإسرائيليين بالقلق إزاء تآكل الموقف الإقليمي، وهم يخشون أن تكتسب إيران وحلفاؤها المزيد من القوة، أو أن الأخيرة قد تجد المزيد من الحوافز لتسليح قدراتها النووية إذا اعتقدت أنها غير قادرة بالقدر الكافي على ردع إسرائيل بالوسائل التقليدية.
وقد أدخل كسر قواعد الاشتباك -الذي تسبب به نتنياهو ومعه الجيش والمؤسسة الأمنية- إسرائيل عمليًا في اشتباك مع كافة أركان محور المقاومة بالمنطقة، وهو ما يعتبره الكثير من المحللين الأمنيين والعسكريين تهديدا وجوديًا لإسرائيل لطالما عملت على تجنبه.