غدًا الإثنين ذكرى عودة أرض الغمر والباقورة .. وفرض السِّيادة وعَودتها إلى الأردن

1٬358
المرفأ…يُصادف غدًا العاشر من شهر تشرين الثاني ذكرى إعلان جلالة الملك عبدالله الثاني انتهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر خلال خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية لمجلس النواب عام 2019. حينها قال جلالته للأردنيين: “أعلن اليوم فرض سيادة الأردن على كل شبر في أرض الباقورة والغمر”، ليُنبئ شعبه باستعادة أرض أردنية كانت تحت سيطرة القوة القائمة بالاحتلال “إسرائيل”. ويستمر النَّهج الملكي الأردني في استعادة الأرض ولا يُفرِّط بها مهما كان الثَّمن.
قبل خمس سنوات، انتهى العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الغمر والباقورة اللتين تقعان على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة، واستأجرتهما “إسرائيل” لمدة 25 عامًا بعد توقيع اتفاقية وادي عربة مع الأردن 29 عامًا، وتحديدًا عام 1994. ولم يقبل الملك بعد انتهاء هذا الشرط التمديد وقرر استعادتهما.
انتقل الملك حينها، وبلباسه العسكري، يرافقه سمو الأمير الحُسين بن عبدالله ولي العهد، إلى منطقتي الغمر جنوبًا والباقورة شمالًا، وهناك صلَّى ركعتين على الأرض الأردنية المُستعادة، وبدأ أن العمل فيهما سيكون أردنيًا خالصًا من الآن فصاعدًا.

لم يكن حديث الملك أمام مجلس الأمة وفي خطبة العرش هو الأول المتعلق بأرض الباقورة والغمر، فالأكيد أنها لم تغب عن باله، وكان يترقب ذلك اليوم لحظة بلحظة. وقبل انتهاء مدة عمل الإسرائيليين في المنطقتين، وتحديدًا يوم 21 من تشرين الأول عام 2018، كتب تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، وجهها للأردنيين، وقال فيها: “لطالما كانت الباقورة والغمر على رأس أولوياتنا، وقرارنا هو إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام، انطلاقًا من حرصنا على اتخاذ كل ما يلزم من أجل الأردن والأردنيين”.

وأكد جلالته حينها أن منطقة الغمر لها مكانة خاصة وغالية على قلوب الأردنيين جميعًا، قائلاً: “فلنجعل منها قصة نجاح أردنية ونموذجًا لمشاريع زراعية مماثلة في ربوع الوطن”. لافتًا خلال زيارته لمشروع زراعي كبير تنفذه القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي في منطقة الغمر جنوبي المملكة، إلى ضرورة أن يستفيد المزارعون من مثل هذه المشاريع المتنوعة، وأن تكون مصدر دعم لهم وليس مصدر منافسة.
وشدد جلالته على ضرورة إحداث نقلة نوعية في الإنتاج الزراعي، كميةً ونوعًا، بما ينعكس إيجابيًا على المواطن ويعزز الأمن الغذائي في المملكة، مشيرًا إلى أهمية التركيز على زراعة أصناف جديدة في وادي الأردن، يكون لها قيمة مضافة للقطاع الزراعي والاقتصاد الوطني.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) التقت سياسيين وسألتهم عن هذه المناسبة وأهمية القرار الأردني باسترجاع أراضي الغمر والباقورة، فأجابوا بأنّه القرار التاريخي باستعادة أرض محتلة كان يُراهن المحتل ويضغط ليبقيها تحت سيطرته.
وزير الاقتصاد الأسبق الدكتور يوسف منصور أكد لـ”بترا” أهمية استعادة الأردن لأراضيه المحتلة بعد الإعلان الأردني بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني وإنهاء العمل بمحلقي الباقورة والغمر، والذي أعلنه جلالته بكل فخر واعتزاز في خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية في عام 2019.
وقال إن القرار الأردني المشرف بفرض سيادته على هذه الأراضي يحمل في طياته معاني مهمة من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويؤكد أن الأردن يسعى لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ولكن ليس على حساب مصالحه السياسية والاقتصادية والأمنية، وهو حريص على فرض سيادته على كل شبر من أراضيه.

وبين أنَّ القرار الأردني جاء بحكمة وحنكة جلالة الملك لحماية مصالح الأردن، والتأكيد على احترامه الاتفاقيات التي يُبرمها مع الدول الأخرى التي ما زالت هي الأخرى مطالبة باحترام هذه الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية.

وأوضح أن أراضي الغمر والباقورة ذات أهمية سياسية واقتصادية كبيرة للأردن والأردنيين، مشيرًا إلى توجيهات جلالة الملك للحكومات المتعاقبة باستغلال هذه الأراضي واستثمارها زراعيًا بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الأردني والزراعة الأردنية بشكل عام.
وقال العين محمد داودية: “أقدم جلالة الملك عبدالله الثاني على إنهاء العمل بملحقي الغمر والباقورة، في فعل سيادة وطني، حقق فرحًا غامرًا في أوساط شعبنا العربي الأردني، كما حقق فرحًا مماثلًا في مختلف الأقطار العربية، فهذه الأرض عربية في نهاية المطاف”.
وأضاف أن قرار الملك أوقع صدمة عند رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك، فقد انتزع قرار الملك التاريخي أرضنا المباركة من الجانب الإسرائيلي الذي كان يحتل المنطقتين الأردنيتين منذ عدوان 1967.
وقال: “نعتبر يوم هذا القرار الوطني السيادي يومًا وطنيًا بامتياز، نحتفل فيه كما نحتفل بأعيادنا المجيدة كلها، وعلى رأسها يوم النصر الأردني المجيد على جيش الاحتلال في معركة الكرامة المجيدة”.

وبين أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزرقاء الدكتور الحارث الحلالمة أن الأردنيين يستذكرون القرار الملكي بإنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر، والذي يُعد انتصارًا للسيادة الأردنية، ويظهر حجم الإصرار على عدم بقاء أي جزء من أراضيه خارج سيادته، ويدعم الإرادة الملكية المتماشية مع الرغبة الشعبية في الحفاظ على السيادة الأردنية.

وأضاف أن الأردن مارس حقه القانوني وأرسل رسالة للطرف الآخر بأنه لن يتنازل عن حقه الكامل على ترابه الوطني، رغم التحذيرات الصهيونية المُبطنة باستخدام ورقة تزويد الأردن بالمياه والاتفاقيات المتعلقة بذلك، لكن الأردن، بقيادة جلالة الملك، مؤمن تمامًا بأن سيادته الوطنية تعلو على كل اعتبار.
وأشار إلى أن هذا القرار ليس رسالة للطرف المحتل فحسب، بل يعكس الفهم الملكي العميق للاحتلال ومحاولاته للتلاعب بالاتفاقيات. وما يحدث الآن من عدوان إسرائيلي في فلسطين ولبنان دليل على إدراك الأردن لنوايا الاحتلال الخبيثة، وكان الإصرار الأردني واضحًا للجميع، كما تجلى في مفاوضات الاحتلال مع مصر لاسترجاع طابا، التي استمرت ثمانية أعوام.
وأكد أن الأردن وقف أمام الاحتلال وكشف موقفه أمام المجتمع الدولي في ضوء ما يحدث من خراب يومي في غزة والضفة. وهذا غيّر موقف المجتمع الدولي ليتبنى ما طرحه جلالة الملك والأردن بشأن حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية.
وأشار الحلالمة إلى أن هذا القرار حظي بمباركة عربية وإقليمية، بحيث أكدت أن الأردن مارس حقه قانونيًا وأن هناك تماهياً بين الإرادة الملكية والشعبيةوأكدت الدول على ضرورة احترام قرار الأردن بوقف العمل في الملحقين، مشيرة إلى حزم الأردن في موقفه رغم التفاوض للتمديد، وهذا زاد من احترام المجتمع الدولي للأردن، مما عزز مكانته الدولية.

وقال: “شكل القرار لوحة فسيفساء جميلة تعبر عن التماهي الكبير بين القيادة الممثلة بجلالة الملك والدولة الأردنية والإرادة الشعبية. ورغم الضغوط، لاقى ذلك ترحيبًا محليًا كبيرًا وأكد الأردنيون التفافهم حول القيادة في هذا القرار”.

وأشار القائم بأعمال أمين عام الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني الدكتور أسامة تليلان إلى أن الأردن أعاد رسم خارطته الجغرافية من جديد بعد أن أعلن الملك عبدالله الثاني فرض كامل السيادة على منطقتي الباقورة والغمر، بعد عقود من الاحتلال الإسرائيلي و25 عامًا من الانتفاع بها.
وأشار إلى أنه وفي الذكرى الرابعة للقرار التاريخي باستعادة أراضينا السيادية في الباقورة والغمر، فإن الحزب يؤكد التزامه الثابت بالسيادة الوطنية وإن استعادة هذه الأراضي الحيوية كانت بمثابة انتصار كبير للشعب الأردني وشهادة على صمود أمتنا، وهذا الإنجاز نتيجة مباشرة للجهود الجماعية لشعبنا والمجتمع المدني والقيادة الحكيمة لجلالة الملك عبدالله الثاني.
وبين أننا ننظر إلى هذا الحدث من خلال عدسة استرجاع الحق والعدالة والإنصاف، وليست مجرد مكسب إقليمي، بل هي استعادة لتراثنا الوطني وخطوة نحو مستقبل أفضل. وإن استعادة هذه الأراضي تؤكد على الحق الأساسي لجميع الأمم في تحديد مصيرها بعيدًا عن الاحتلال الأجنبي أو التدخل.
ولفت إلى أن عودة هذه الأراضي توفر فرصًا جديدة للتنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي، ويجب علينا أن نضمن تقاسم فوائد هذا التطور بشكل عادل بين جميع الأردنيين، بالاستثمار في تطوير هذه الأراضي من خلال خلق فرص عمل مستدامة، ودعم الشركات المحلية، وتوفير الخدمات الأساسية. يمكننا ضمان مساهمة هذه المناطق في النمو الاقتصادي والرفاهة الاجتماعية للأردن.
وقال إن استعادة الباقورة والغمر مصدر فخر وطني وشهادة على الروح الدائمة للشعب الأردني وسنواصل العمل معًا لبناء مستقبل أكثر عدالة وإنصافًا وازدهارًا للجميع.

وقال أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان إن السياسة الإسرائيلية توصف بأنها قائمة على الأطماع التوسعية الاستيطانية، وهذا مرتبط بالمخططات الصهيونية وسياسة الأسرلة والتهويد والعبرنة التي تمارسها في فلسطين المحتلة منذ مؤتمر “بال” عام 1897 ولاحقًا وعد بلفور عام 1917 وحرب عام 1948 وعام 1967. واليوم، ومنذ السابع من تشرين الأول عام 2023، بدأت تتكشف مرة أخرى وبوضوح النوايا التوسعية إلى أبعد من ذلك في ظل نهج حكومة اليمين المتشددة واتخاذها القرار السياسي والعسكري بالعدوان على غزة واجتياح الجنوب اللبناني، ليصبح العالم والشرعية الدولية أمام اختبار حقيقي في إمكانية فرض القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والقرارات الأممية المعنية بالسلام.

وأضاف إن قراءة دقيقة لتاريخ النضال والتضحيات الأردنية تجاه القضية الفلسطينية والقدس تكشف عن مدى الوعي الأردني العميق بالمخططات التوسعية الإسرائيلية، إلى جانب صلابة الموقف السياسي الأردني في مواجهتها والحد من تداعياتها على المنطقة والعالم. إذ حظي الأردن بمكانة دولية رفيعة جاءت نتيجة ثقة العالم وقيادته السياسية بحكمة القيادة الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني . وكل ذلك جعل الإرادة السياسية للأردن قادرة على الانتصار المستمر في فرض السيادة الأردنية. ومن النماذج المعاصرة على ذلك إنهاء العمل بملحقي الغمر والباقورة بتاريخ 10 تشرين الثاني عام 2019، الأمر الذي يعكس الثوابت الهاشمية بأن أمن الأردن وحدوده وكل شبر من أرضه خط أحمر.
وقال إن اللجنة الملكية لشؤون القدس، وبمناسبة ذكرى إنهاء العمل بملحقي الباقورة والغمر، تؤكد للقاصي والداني على أن المعادلة الوطنية والقومية الأردنية تتجسد في بُعدين مترابطين هما: الدفاع عن الأردن وحماية أرضه وشعبه، إلى جانب الثبات على دعم ومساندة القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وجوهرها القدس. فقد استطاعت الدبلوماسية والسياسة الحيوية الأردنية التعامل الحيوي الناجح في إدارة علاقات الأردن الدولية في كافة الظروف والتحولات الإقليمية، التي باتت اليوم تتسارع نحو منعطف خطير مقلق. فحماية حدودنا ومنع عمليات التسلل والتهريب تتزامن مع الدعم الإنساني والإغاثي لأهلنا في غزة وكافة مدن فلسطين المحتلة، إلى جانب الاستمرار في حمل أمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وقال إنَّ اللجنة تتقدم بهذه المناسبة الوطنية التاريخية من جلالة الملك بالفخر والاعتزاز والثقة بحكمة جلالته، ومن الشعب والجيش العربي والأجهزة الأمنية حماة الوطن ودرعه بالتهنئة، والتأكيد على أن الأردن، شعبًا وقيادة هاشمية، سيبقى على عهده وتاريخه الخالد مدافعًا عن أرضه ومساندًا لأمته مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.

وقال العين السابق الأمين العام للحزب الديمقراطي الاجتماعي جميل النمري إن عودة السيادة الأردنية على منطقتي الباقورة والغمر “مثلت التنفيذ الملموس للحقوق الأردنية في الاتفاقية، إلى جانب حصتنا في المياه من نهر اليرموك”.

وأشار إلى أن “توقيت الاتفاقية كان عاملاً حاسماً في تثبيت هذه الحقوق، وأن الاتفاقية لا تُقيَّم سياسيًا من منظور الوضع الراهن، بل من منظور المصالح الوطنية الأردنية في حينه، وبعد استقلال المسار الفلسطيني في القرار والمفاوضات”.
أمين عام الحزب الوطني الإسلامي الدكتور مصطفى العماوي قال إنَّ يوم 21 من شهر تشرين الأول 2018 كان يومًا تاريخيًا عندما أعلن جلالة الملك عبدالله الثاني عدم تجديد اتفاقية تأجير أرض الباقورة والغمر. وكان هذا الإعلان من أجل الأردن والأردنيين، بالرغم من تهديد وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أريئيل بقطع المياه عن عمان.
وأكد أن هذا القرار يعزز مدى عدم التنازل عن ذرة تراب من أرض الوطن، وفرض السيادة الأردنية على كافة الأراضي، وعدم المساس بها لأي جهة كانت. وهذا ليس بغريب على قائد الوطن الذي يسعى ليلاً ونهارًا من أجل الأردن.
وبدأ الأردن منذ عودة الغمر استغلال حوالي 14 ألف دونم من الأراضي المستعادة والمجاورة لها، ضمن خطة خمسية، من أجل تحقيق الأمن الغذائي وتنمية المجتمعات المحلية وإدخال أحدث أنواع التكنولوجيا الزراعية، وتأهيل القوى العاملة الوطنية. وتضمن المشروع في مرحلته الأولى، والتي تمثل 10 بالمئة من الخطة الخمسية، تجهيز البنية التحتية من آبار المياه وأنظمة الري الحديثة، وإنشاء مركز تعبئة وتغليف بمواصفات عالمية لدعم المزارعين في المنطقة. إذ تم أخذ احتياجات المزارعين في وادي عربة في عين الاعتبار، وبالأخص الأصناف الشبيهة.
وبدأ الأردن العمل على زراعة ألفي بيت بلاستيكي بالفلفل على أراض تقدر مساحتها بألف دونم، وتم زراعة 240 بيتًا بالثوم (تقاوي) التي ستنتج بذور ثوم كافية لزراعة ألف دونم، بالإضافة إلى زراعة المانجا والليتشي والثوم بهدف التصدير ضمن مشاريع زراعة الأراضي بمنتجات مختلفة، بما لا يؤثر أو ينافس القطاع الخاص أو المزارعين المحليين.
وكانت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي قد بدأت في بداية العام 2022 بزراعة أرض الغمر والباقورة وبالشراكة مع القطاع الخاص، وبتمويل كامل من قبل القوات المسلحة، وبأيدي عاملة لأردنيين مدنيين غير عسكريين، وفق المعايير الدولية للتصدير، بحيث تكون جودة المنتج الأردني عالية، واستغلال التقنيات الحديثة كافة في الزراعة.
وتقع منطقة الباقورة في شمال الأردن بالقرب من نهر الأردن، وتبلغ مساحتها 6 آلاف دونم، وتم احتلال جزء منها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية عام 1950. أما الغمر، فتقع في وادي عربة جنوب الأردن، وهي أرض مملوكة للخزينة العامة، ومساحتها 4 آلاف و235 دونمًا، وتمتد لمسافة 5 كيلومترات حدودية، واحتلتها “إسرائيل” عام 1967، لكن اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية أصرّت فيها الأردن على استعادتها بعد 25 عامًا.

قد يعجبك ايضا