مارغو حداد: رواية عالم يتنفس الموت ليست رقمًا في قائمة بل ظلُّ أشخاصٍ عاشوا على الهامش
المرفأ…دشنت الفنانة الأردنية الدكتورة مارغو حداد روايتها الجديدة عالم يتنفس الموت وذلك بالشراكة مع زميلها الفنان منذر رياحنة، وسط إقبال وتفاعل كبير في عدد من الأوطان العربية.
واعتبر عدد من المثقفين والأدباء أن هذه الرواية تشكل أهمية كبيرة وإضافة نوعية للأدب الروائي، مشيدين بأبطال الرواية وحبكة القصة وتركيبة الأحداث التي جعلت من شخوص الرواية أبطال حقيقيين يعيشون على أرض الواقع.
وحققت الرواية على الرغم من إشهارها منذ أيام قليلة فقط، المرتبة الثانية من ناحية المبيعات لدى دار نون للنشر والتوزيع، بسبب الإقبال الكبير الذي حققته وتحديدًا في جمهورية مصر العربية.
وفي هذا السياق، قالت النجمة مارغو حداد في تصريحات صحفية: إن الأرقام لا تكتبُ الأدب، لكنها أحيانًا تُشيرُ إلى الطرق التي يسلكها القُرّاء بحثًا عن أصواتٍ تشبههم، موضحة: أن تصدر روايةٌ هذا المكانَ في دار نشرٍ تعني أن هناك من وجد فيها مرآةً لعالمه، من قرأ سطوره وكأنها جزءٌ من نبضه، لكن السؤال ليس ماذا أضافت الرواية إلى المكتبة العربية، بل ماذا أضافت المكتبةُ للرواية؟.
وأضافت أن المكتبةُ العربية ليست رفوفًا تُضاف إليها الكتب، بل كائنٌ حيٌّ يتنفسُ بالنصوص التي تجرؤ على كشف الحياة كما هي، بلا تجميلٍ، بلا تزييفٍ، بلا خوف، معتبرة أن هذه الرواية ليست رقمًا في قائمة، بل ظلُّ أشخاصٍ عاشوا في الهامش، وقرروا أن يكونوا صوتًا يُسمَعُ أخيرًا.
وعن سبب اختيار “عالم يتنفس الموت” عنوان الرواية، أوضحت: إننا أحيانا لا نموت دفعةً واحدة، نموت بالتقسيط، مع كل حلم ينهار، مع كل حب يضيع، مع كل باب يُغلق في وجوهنا، نحن نتنفس الموت منذ اللحظة الأولى، نحمله معنا في أنفاسنا، في قصصنا، في الأزقة التي تبتلع أسماءنا، الموت ليس آخر الطريق، الموت ظلّ الطريق، ونحن نمضي فيه، بلا دليل، بلا يقين، كأننا نجرب البقاء رغم كل شيء.
* هل هناك جزء ثانٍ لرواية عالم يتنفس الموت، وأيضًا أنكم انهيتما من كتابة رواية أخرى بعنوان: هناك؟
قالت حداد في هذا الجانب: هناك جزءٌ ثانٍ، لكنه ليس مجرد استمرارٍ للحكاية، بل عبورٌ إلى عالمٍ آخر، إذا كان الجزء الأول يتنفسُ الموت في الأزقة الخلفية، فإن القادم سيأخذ أنفاسه من عالمٍ لا يعترف إلا بالقوة، حيث لا مكان للضعف إلا كقصةٍ تُروى قبل أن تُمحى. ستنتقل الحكاية إلى إيطاليا، إلى مافيا أخرى.
“أما رواية هناك، فهي ليست رواية تُقرأ، بل تجربة تُعاش. هناك، حيث كل شخص يحمل ألمه كما يحمل اسمه، حيث الطفولة لا تنتهي، بل تتخذ أشكالًا أخرى، حيث الغموض ليس لغزًا، بل حقيقة يومية. لا أريد أن أقول أكثر، لأن هناك ليست مكانًا، بل حالة، ومن يصل إليها، لن يخرج كما كان”. بحسب حداد.
وفيما يتعلق بالكتابة المشتركة مع زميلها منذر رياحنة،
وولادة الإبداع بين اثنين، لم تخفِ أن الكتابة بين اثنين ليست مجرّد حوارٍ على الورق، إنها صراعٌ خفيٌّ بين رؤيتين، بين ذاكرَتين، بين صوتين يحاول كلٌّ منهما أن يجد صدى في الآخر.
وتابعت بحديثها: منذر وأنا لم نكتب رواية، كتبنا ذاكرةً مشتركةً بأصابع مختلفة، أضفنا ظلالًا جديدةً للمدن التي عبرناها، وضعنا وجوهًا للغائبين، وأسماءً للذين عاشوا دون أن يراهم أحد، لم يكن الأمرُ تقسيمًا للمساحات، لم يكن سطرًا لي وسطرًا له، بل كان مساحةً ثالثةً وُلدت بيننا، كأنّ النصّ لم يكن لي وحدي، ولم يكن له وحده، بل كان لطفولتنا التي تشابهت، لشوارعنا التي التقت دون أن نعرف، لأحلامنا التي لم تكن بحاجةٍ إلى أسماءٍ تفصلها.
“أما أن يكون الكاتبُ رجلًا أو امرأة، فذلك سؤالٌ لا تطرحه الكتابة، فالكتابةُ أكبرُ من الجسد، وأكبرُ من الاسم. حين نكتب، نصبحُ أقربَ إلى الأرواحِ التي لا هويةَ لها، لا وجهَ لها إلا ما تصنعه الكلمات”. بحسب مؤلفة الرواية.
*شخصيات الرواية
تصف حداد بأن دييغو بطل الرواية لم يكن شخصًا فقط، بل كان صوتًا يصرخ في الفراغ، ظلًّا يبحث عن جسده في أزقة منسية، عاش كمن يحمل ثقل العالم على كتفيه، لكنه يمشي كأنه لا يشعر به، لم يكن بطلًا كما ترويه القصص، ولم يكن ضحية كما يحب العالم أن يصنّف الضعفاء. كان المسافة بين الاثنين، حيث يولد الخوف، وحيث يتشكل الصمت.
وعن أسباب عودة دييغو بعد هروبه في الرواية، ترى حداد أنه لا أحد يهرب المطلق، بل نأخذ الطرق الطويلة، ونغيّر المدن، نغيّر الأسماء أحيانًا، لكنّنا نحملها معنا، مؤكدة أن دييغو لم يكن يهرب من حيّ المشرحة، بل كان يهرب من صوته هناك، من الأسماء التي نادته يومًا، من الطرق التي حفظت وقع خطواته. وحين تعب من الركض، لم يجد أمامه سوى العودة، كأن الماضي كان ينتظره عند العتبة، صامتًا، واثقًا أنه سيعود يومًا.
*عالم دييغو مليء بالموت، لكنه لا يموت. لماذا؟
في هذا الصدد، تقول إن بعض الأرواح لا تنتمي إلى الموت ولا إلى الحياة، تظلّ عالقة بينهما، كأنها لم تجد مكانًا يناسبها، دييغو واحدٌ من هؤلاء، كان يتنفس، لكنه لم يكن حيًّا تمامًا، وكان يسير على حافة العالم، لكنه لم يسقط فيه، فالموت بالنسبة له لم يكن حدثًا، كان حالة دائمة، شيء يسير بجانبه كل يوم، يهمس في أذنه، يترك له علاماتٍ صغيرة على الجدران، لكنه رغم ذلك، ظلّ واقفًا، كأنّه يخبره: “أنا لن أسقط قبلك.”
وعن أيوب وأمنية وفرهود وماريا “أبطال الرواية”، أوضح أن هؤلاء كانوا يبحثون عن الحياة، لكن كلٌّ بطريقته، فأيوب رآها بقلبه حين عجزت العيون عن إدراكها، وأمنية حلمت بها لكنّها لم تجدها، وفرهود كان يطاردها بين الأعشاب والزجاجات، يبيعها للناس لكنه لا يذوقها، وماريا صلّت لها، عاشت فيها كمن يحتمي داخل بيتٍ لا سقف له، فكل واحد منهم حمل مرآةً مكسورة، رأى في شظاياها ما تبقى منه، وما فقده في الطريق.
الرواية ليست مجرد قصة، بل هي عالم يتنفس الألم والحلم معًا
“العالم لا يمنحنا القصص، نحن من نلتقطها من الأزقة، من صمت الحواري القديمة، من النظرات التي تتحدث دون صوت، فمنذر وأنا لم نخترع هذه الحكاية، بل عشناها في تفاصيلنا الصغيرة، بين جدران الحارة التي حفظت أصواتنا، في قاعات الجامعة حيث كنا نبحث عن المعنى وسط فوضى الأسئلة، في الطرقات التي تشبهنا أكثر مما نشبه أنفسنا، هذا النص لم يكن مشروعًا أدبيًا بقدر ما كان امتدادًا لحياتنا، ظلًا للمكان الذي كبرنا فيه، وللأحلام التي لم تمت لكنها ضاعت بين الممرات الضيقة للحياة”. وفق ما قالته حداد عن المرحلة من ولادة فكرة الرواية.
وعن الأسباب الملحة لكتابة هذا العالم على الورق، توضح في الجانب، بأن الصمت أثقل من الموت، ولأن هناك وجوهًا تسير بجانبنا لا نراها، لكنها تحمل تاريخًا من الأوجاع والأحلام المكسورة، ولأن الفقر ليس مجرد نقصٍ في المال، بل هو ثقبٌ في الذاكرة، فجوةٌ في الروح، وندبةٌ لا يراها أحد، فكنا نبحث عن أنفسنا في هذا النص، وربما لم نجدها، لكننا وجدنا وجوهًا تشبهنا، أشباحًا عاشت معنا ثم غابت، وكلمات كانت تختبئ خلف الخوف فقررنا أن نحررها
*الحارة، الجامعة، الحياة المشتركة… وانعكاسات تفاصيلها على الورق
“لا يمكن للإنسان أن يكتب خارج جلده، نحن كتبنا داخل ذاكرة المكان، داخل الأزقة التي كنا نركض فيها صغارًا، داخل قاعات الجامعة التي كنا نملأها بالأسئلة، داخل المقاهي التي جمعتنا مع غرباء صاروا أصدقاء ثم صاروا مجرد ذكريات، هذه الرواية ليست خيالًا محضًا، إنها سردٌ آخر لحياتنا، لكنها ليست سيرة ذاتية، بل سيرة المكان فينا، وسيرة الشخوص الذين عبَروا حياتنا ثم ذابوا في السرد”. بحسب حداد
عالم يتنفس الموت… الموت حاضر في العنوان كما في النص. هل هو النهاية أم البداية؟
وفي هذا الإطار، أبرزت حداد أن الموت ليس لحظة، بل حالة، ونحن لا نموت حين تتوقف قلوبنا، بل حين نتنفس ولا نشعر أننا أحياء، إذ أن الموت في الرواية ليس النهاية، بل هو استمرارٌ بشكل آخر، هو ظلٌ لا يفارق من نجا، هو وجوه من عبروا ثم تركوا أثرًا لا يُمحى، مضيفة أن العالم لا ينهار فجأة، بل يتآكل ببطء، ونحن نحيا على أطراف هذا التآكل، نحاول أن نكتب كي لا نختفي، أن نحكي كي لا نصير صمتًا إضافيًا في هذا الفراغ الكبير.
وعن سبب تفرد الرواية بالحديث عن متلازمة الموت والصمت، نوهت بأن الصمت أكبر من الكلمات، لأن هناك وجوهًا تتحدث بعيونها أكثر مما تفعل بأفواهها، لكون الفقر ليس فقط جوعًا، بل هو شعورٌ بالاختفاء، شعورٌ بأن أحدًا لا يسمعك، لا يراك، لافتة إلى أن الشخصيات في الرواية لا تصرخ، لكنها تقول كل شيء بملامحها، بحركاتها، بصمتها الطويل الذي يكشف أكثر مما تخفيه الكلمات.
*وفي نهاية المطاف هل وجدت الإجابات على أسئلة الرواية؟
قالت حداد إن الكتابة تمنح إجابات، لكنها تفتح المزيد من الأسئلة، وكل كلمة كتبناها جعلتنا نرى العالم بوضوح أكثر، لكن الوضوح ليس راحة، بل عبء، نحن لا نكتب لنريح أنفسنا، بل لنترك أثرًا، لنحاول أن نقول إننا مررنا من هنا، وإننا سمعنا أصوات الذين لم يُسمعوا، وإننا حاولنا أن نحكي عن الذين صاروا مجرد ظلال في هذا العالم الذي يتنفس الموت ببطء.
وعن سبب اختيار 43 نفسًا كعدد للفصول في رواية “عالم يتنفس الموت، أشارت إلى أنه في اللحظات الأولى من حياة الطفل، يتنفس 43 نفسًا في كل ثانية، فتم اختيار هذا الرقم ليكون رمزًا لبداية الحياة، حيث كل فصل في الرواية يمثل نفسًا جديدًا، يكشف عن تحول أو وعي جديد، وهذه الأنفاس ليست مجرد إحصائية، بل تعبير عن دورة مستمرة من الأمل والوجود، حيث يبدأ كل فصل بلحظة جديدة، كما يبدأ الطفل حياته مع كل نفس جديد.
وعن إمكانية تحويل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني، قالت الفنانة والكاتبة مارغو حداد: إنه تم تصوير حلقة تجريبية من رواية “عالم يتنفس الموت”، ولكن العمل ما زال بحاجة إلى تحضير كبير وميزانية عالية جدًا، معربة عن أملها بأن يبصر العمل النور قريبًا.