ماذا بعد إحباط المخطط الإرهابي؟… مرحلة حساسة مقبلة
المرفأ….قال أستاذ علم الاجتماع السياسيّ الدكتور بدر الماضي إن الإعلان عن تفكيك خلايا أمنية تستهدف أمن الأردن واستقراره ليس بالأمر المفاجئ، فهو يأتي تتويجًا لتراكم طويل من الجهد الاستخباري والعمل الأمني المتواصل، الذي يؤكد من جديد على جاهزية الأجهزة الأمنية الأردنية ووعيها العميق بمختلف التهديدات، سواء كانت مباشرة أو مستترة. وأوضح في تصريحٍ خاص لصحيفة “أخبار الأردن” الإلكترونية أن الدوائر الأمنية، وفي مقدمتها جهاز المخابرات العامة، أثبتت مرة تلو الأخرى قدرتها الفائقة على استباق الخطر، واحتواء التهديدات قبل تحولها إلى أزمات. وبيّن الماضي أن الإعلان الأخير عن تلك الخلية – التي تنتمي إلى شبكة معقدة ذات امتدادات إقليمية – يؤشر إلى أن الأردن لم يعد يواجه تهديدات فردية أو ذات طابع محلي فحسب، إذ أصبح مستهدفًا ضمن شبكة أوسع من العمليات التي تمثل جزءًا من مشروع إقليمي يتقاطع فيه الأمن بالإيديولوجيا، والدعاية بالتحريض، والتمويل بالتنفيذ. وأشار إلى أن هذه الخلية – المكوّنة من 16 عنصرًا – كانت تتمتع بخبرة تنظيمية لافتة، وقدرة على التصنيع والتخفي، ما يشير بوضوح إلى أن الأمر يتجاوز مجرد نزعة فردية نحو التطرف، ليصل إلى بنية تنظيمية قائمة على دعم لوجستي وتخطيط مبرمج. ونوّه الماضي إلى أنه لا يمكن فصل هذا التهديد عن السياق الإعلامي الموازي، إذ شهدت السنوات الأخيرة حملات تضليل ممنهجة عبر منصات التواصل الاجتماعي، سعت إلى شيطنة الدولة الأردنية، وتشويه مواقفها التاريخية – وخاصة موقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية – في إطار مشروع يهدف إلى زعزعة الثقة بالمؤسسات الوطنية، مضيفًا أن الخطورة هنا تكمن في محاولات تطويع الرأي العام، وزرع حالة من العداء تجاه الدولة ومؤسساتها الرسمية، عبر تبنّي سرديات معادية، تُسوّق لأجندات خارجية، وتبرّر في اللاوعي الجمعي أفعالًا تمس الأمن القومي. وأشار إلى أن انكشاف امتدادات هذه الخلية في دول مثل لبنان – وربما امتدادها إلى فصائل تعمل ضمن ما يُعرف بمحور “الممانعة” – يعزز فرضية أن الأردن مستهدف باعتباره فاعلًا إقليميًا متوازنًا، وداعمًا تاريخيًا للقضية الفلسطينية، ما جعله خصمًا موضوعيًا لبعض الجهات الإقليمية التي ترى في استقراره تهديدًا لمشاريعها التوسعية، مستطردًا أن الخبرة التي تتمتع بها هذه التنظيمات في تقنيات التصنيع والتمويه والتجنيد، تضع الأجهزة الأمنية أمام تحديات مركّبة تتطلب تضافر البعد الاستخباري مع البعد الإعلامي والتوعوي. وحذّر الماضي من أن الخطورة الحقيقية تكمن في أن بعض هذه التنظيمات تتبنى خطابًا أيديولوجيًا ضيقًا، يتجاهل تمامًا الدور الأردني التاريخي في حماية الأمن العربي، وتقديم الدعم السياسي والإنساني للشعب الفلسطيني، فضلًا عن احتضان الأردن لملايين اللاجئين على مرّ العقود، مردفًا أن تلك التنظيمات التي عميت عن رؤية هذا الدور، ووقعت في أسر أجندات خارجية، لن تجد أمامها سوى طريق التصادم مع الدولة، التي أثبتت أنها لن تتهاون في الحفاظ على أمنها الوطني. ولفت الانتباه إلى أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة، فالدولة الأردنية – عبر مؤسساتها الأمنية – ستواجه هذه الجماعات بمسؤولية راسخة وشرعية متينة مدعومة بتأييد شعبي متزايد، أما من اختار أن يزاحم الدولة في قدرتها على حفظ الأمن والاستقرار، فسيجد نفسه في مواجهة مع وطن لا يسمح بأن يُستهدف من الداخل أو الخارج.وأكد الماضي ضرورة إعادة توجيه البوصلة الفكرية والثقافية نحو خطاب وطني عقلاني، يعزز الانتماء ويُحصّن الجبهة الداخلية، تُعد أولوية قصوى في مواجهة هذا النوع من الحروب الهجينة التي لا تكتفي بالرصاص، بل تستهدف العقول والوعي العام.