الأردن الأكثر تضررا عربيا من الجمارك الأميركية
المرفأ… اعتبرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا” أن الأردن يعد الدولة العربية الأكثر تضررا بالتعريفات الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على نحو 180 دولة.
وأصدرت “الإسكوا”، أخيرا، تقريرا جديدا تحت عنوان “تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية: آثارها على المنطقة العربية”، وهو يسلط الضوء على التأثيرات المتوقعة للسياسات الجمركية الجديدة التي أعلنتها الولايات المتحدة على اقتصادات الدول العربية، بحسب الغد.
في تقريرها الأخير على التأثيرات المحتملة للتعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على التجارة العالمية والعلاقات الاقتصادية في المنطقة العربية بشكل خاص.
وكانت الإدارة الأميركية الجديدة فرضت تغييرات جديدة على الرسوم الجمركية والسياسات التجارية الأميركية، التي شملت فرض تعريفات جمركية تترواح ما بين 10-185 % على معظم الواردات، تأتي في إطار سياسة “أميركا أولا”، والتي تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليص العجز التجاري الأميركي.
الصادرات الأردنية مهددة بفقدان الميزة التنافسية في السوق الأميركي
واعتبر التقرير أن التغييرات التي طرأت على الرسوم الجمركية الأميركية، تهدد بفقدان الأردن للميزة التنافسية التي تمتع بها عبر السنوات الماضية في السوق الأميركية، خاصة في ظل اعتماد جزء كبير من صادراته على المواد المنتجة في المناطق الصناعية المؤهلة.
وأوضح التقرير أن تأثر الأردن من الإجراءات الجمركية الجديدة ينبع من خصوصية العلاقة التجارية الأردنية الأميركية القائمة منذ عقود، إذ وقع الأردن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة في عام 2000، وكانت أول دولة عربية تقوم بذلك، ما منح المنتجات الأردنية دخولا تفضيليا إلى الأسواق الأميركية.
كما استفاد الأردن بشكل كبير من “برنامج المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)” الذي أطلق في أواخر التسعينيات بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهو ما أسهم في مضاعفة الصادرات الأردنية، خاصة في قطاع النسيج والملابس، التي تعد من أبرز صادرات الأردن إلى السوق الأميركية.
وتوقع التقرير أن يؤدي الاضطراب المالي العالمي الناتج عن تصاعد الحمائية إلى ارتفاع عوائد السندات السيادية، مما سيزيد من تكلفة الاقتراض على الدول العربية متوسطة الدخل، ومنها الأردن، الذي يتوقع أن ترتفع مدفوعاته على خدمة الدين بنحو 14 مليون دولار في العام 2025.
وبحسب الإسكوا، فإن هذه التعريفات الجديدة، وإن لم تستهدف الأردن مباشرة، إلا أن تأثيرها سيكون غير مباشر لكنه عميق، فمن المتوقع أن يؤدي رفع الرسوم الجمركية على مدخلات الإنتاج المستوردة إلى زيادة كلفة التصنيع في الأردن، لا سيما أن كثيرا من المواد الأولية تستورد من دول شرق آسيا، والتي تضررت بدورها من الرسوم الأميركية.
كما أن الضغط على سلاسل التوريد العالمية وتباطؤ الطلب العالمي سيؤثر سلبا على تنافسية المنتجات الأردنية في السوق الأميركية، خصوصا في ظل صعود دول أخرى تحظى بامتيازات تنافسية أعلى مثل فيتنام وبنغلادش.
ويضيف التقرير أن قطاعات اقتصادية رئيسية في الأردن ستكون في مرمى التأثيرات، من أبرزها قطاع الصناعات الدوائية، الذي شهد توسعا ملحوظا في التصدير نحو الولايات المتحدة، وكذلك قطاع الصناعات الكيماوية والأسمدة، والذي سجل نموا في السنوات الأخيرة بفضل الطلب الأميركي.
ومن المتوقع أن تؤدي هذه التغيرات إلى تراجع قيمة الصادرات الأردنية إلى الولايات المتحدة، وانخفاض عوائد النقد الأجنبي، ما يفاقم من العجز التجاري ويزيد من الضغط على ميزان المدفوعات.
ولفت التقرير إلى أن الأردن، نظرا لمحدودية موارده الطبيعية واعتماده الكبير على التصدير لتحقيق النمو، سيحتاج إلى تبني إستراتيجيات اقتصادية مرنة للتكيف مع هذا الوضع. وتشمل هذه الإستراتيجيات تحسين البيئة الاستثمارية، وزيادة القيمة المضافة للصادرات، وتنويع الشركاء التجاريين، خاصة في ظل تنامي الأسواق الآسيوية والأفريقية.
وفي هذا السياق، حثت الإسكوا الأردن على تعزيز دوره في سلاسل القيمة الإقليمية، وفتح قنوات شراكة جديدة بعيدا عن الاعتماد المفرط على السوق الأميركية.
وفي سياق أوسع، أشار تقرير الإسكوا إلى أن معظم الدول العربية التي كانت تستفيد من اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة شهدت تراجعا كبيرا في حجم صادراتها إلى هذا السوق، إذ انخفضت صادرات السلع العربية من 91 مليار دولار أميركي في 2013 إلى 48 مليار دولار أميركي في 2024، وذلك بسبب التراجع الكبير في صادرات النفط والمنتجات البترولية إلى الولايات المتحدة.
وتعد هذه التغيرات جزءا من تحول كبير في أولويات التجارة الأميركية مع المنطقة العربية، إذ أصبحت واردات الولايات المتحدة من السلع العربية تمثل أقل من 4 % من إجمالي الواردات الأميركية، مقارنة مع 6 % في العام 2013.
الانعكاسات على المنطقة العربية
وفيما يخص التأثيرات العربية بشكل عام، أظهرت “الإسكوا” أن الدول ذات الحصة الأكبر من الصادرات غير النفطية إلى الولايات المتحدة ستكون الأكثر تأثرا، فقد أظهرت البيانات أن الأردن، البحرين، مصر، لبنان، المغرب، وتونس هم الأكثر تعرضا لزيادة التعريفات الجمركية الأميركية.
وعلى سبيل المثال، تمثل صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة نحو 25 % من إجمالي صادراته، مما يعني أن هذه الإجراءات ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الأردني في المدى القصير.
كما أشارت الإسكوا إلى أنه رغم التأثير المباشر لهذه الرسوم الجمركية، فقد يكون هناك تأثير غير مباشر أكبر نتيجة لتراجع الطلب من كبار الشركاء التجاريين مثل الاتحاد الأوروبي والصين.
ويتوقع أن تنخفض صادرات المنطقة العربية إلى هذه الأسواق أيضا بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي، ما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي للعديد من الدول العربية.
ومن ناحية أخرى، فقد تناولت الإسكوا الفرص المتاحة لبعض الدول العربية في إطار هذه التغيرات التجارية إذ من المحتمل أن تستفيد بعض الدول مثل مصر والمغرب من تأثيرات تحويل مسار التجارة، خصوصًا مع إعلان الولايات المتحدة تعليق الرسوم الجمركية على بعض السلع الإلكترونية، وهو ما يفتح مجالا لدول أخرى لتعزيز صادراتها إلى السوق الأميركية.
لكن هذا التأثير سيكون مؤقتا، خاصة بعد تعليق الرسوم الجمركية المتبادل على بعض السلع مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر.
وعلى المستوى الإقليمي، استعرض تقرير الإسكوا أيضا التأثيرات المحتملة على دول مجلس التعاون الخليجي، التي يُتوقع أن يكون لها تأثير ضئيل نسبيا من هذه التغيرات الجمركية. ومع ذلك، فإن التحديات الكبيرة التي تواجهها هذه الدول تتمثل في انخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب العالمي، ما قد ينعكس سلبا على العائدات النفطية لهذه الدول.
وأكدت الإسكوا أن تأثير هذه التغيرات التجارية على الاقتصاد العربي في 2025 سيكون معقدا ويعتمد على عوامل عدة، بما في ذلك تحولات سلاسل القيمة العالمية، الطلب العالمي على السلع العربية، وكذلك السياسات الداخلية التي قد تتخذها الدول لمواجهة هذه التحديات. كما أكدت أهمية مراقبة التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة لضمان استجابة فعالة لهذه التحديات.