1234 إشاعة بالأردن خلال عام والحقيقة لم تعد تصل أولًا

499

المرفأ…بين حرية الصحافة وخطر التضليل، في زمن السرعة الرقمية، خيط رفيع يتطلب من الصحفيين والدول نسجه بالوعي والمسؤولية، عبر التزام مهني وتشريعات تحمي الكلمة وتحصّن المجتمع.

فبحسب أرقام ينشرها مرصد مصداقية الإعلام الأردني “أكيد” شهريًا، أصبح “السبق للأسرع لا للأصدق”، فبين يوم عالمي لحرية الصحافة مضى وآخر أقبل، تسللت إلى وعي الجمهور، متخفية في ثوب الحقيقة، 1234 إشاعة، كان 90 بالمئة منها مصدره منصات نشر علنية، ومن ضمنها مواقع تواصل اجتماعي.

تتبعت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) حجم الأخبار الزائفة من 3 أيار 2024 إلى 3 أيار 2025، الذي يصادف اليوم العالمي لحرية الصحافة، فتبين أن عدد الشائعات ارتفع بشكل لافت وبقفزات سريعة؛ إذ سجل مرصد “أكيد” 57 إشاعة في أيار، و74 في حزيران، و63 في تموز، و64 في آب، و104 في أيلول، ونحو 200 إشاعة في شهري تشرين الأول والثاني، و105 في كانون الأول، و90 في كانون الثاني، و95 في شباط، و94 في آذار، و82 في نيسان، ما أدى إلى اضطراب المعلومات لدى جمهور المتلقين، وتضليل المجتمعات، ونشر خطاب كراهية وصورة سلبية بين أفراد المجتمع.

يقول مراقب المحتوى الإعلامي في مرصد “أكيد”، زيد المومني، لوكالة (بترا): “المسافة بين حرية التعبير ونشر المعلومات المضللة قصيرة جدًا، وهي أقصر مما نتصور، ولهذا تبقى حرية الصحافة حقًا أصيلًا، لكنها لا تكون مكتملة إلا إذا كانت مسؤولة، وإلّا تفقد جوهرها وتتحول إلى أداة لنشر معلومات وأخبار مضللة”.

ويضيف: “تلك المسافة القصيرة جدًا أمر بالغ الخطورة على حرية الصحافة وحق الجمهور في المعرفة”، مشيرًا إلى رصد 891 إشاعة العام الماضي، بمعدل يقارب 74 إشاعة شهريًا.

وأوضح أن 87 بالمئة من هذه الإشاعات انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي بدأت كمساحات للتعبير، لكنها باتت تُستخدم في كثير من الأحيان لنقل معلومات دون تحقق، ما أسهم في تضليل المتلقين.

وأكد أنه في عصر الإعلام الرقمي، لم تعد الحقيقة هي ما يصل أولًا، بل ما يُنشر أولًا وما يُشارك أكثر، مبينًا أن “كثيرين ممن يملكون أو يُتاح لهم منابر للنشر، احتموا بمصطلح ‘حرية التعبير’ واستخدموه ليبرروا غياب الدقة، بل وغموض المصدر أحيانًا”.

وقال: “حرية الصحافة ليست هِبة ولا منّة، بل هي حق، لكن عندما تكون مسؤولة، حتى لا تكون على حساب المصداقية”، مؤكدًا أهمية “حماية مهنة الصحافة، وحراسة بوابات النشر بطريقة دقيقة جدًا، حتى لا يقع الجمهور ضحية لمن يختبؤون خلف مصطلح حرية الصحافة، وينشرون معلومات من مصدر مجهول أو خارجي، أو معلومات لها أهداف ومبررات ومرتبطة بتضارب مصالح خارجية”.

وقد حدّد الأردن تعريفًا دقيقًا لمصطلح “الأخبار الكاذبة”، ولم يتركه فضفاضًا أو قابلًا للتأويل؛ فقد عرّفته محكمة صلح جزاء عمّان في قرار لها، من خلال استقراء المادة (15) من قانون الجرائم الإلكترونية، بأن “تجريم الأخبار الكاذبة قائم على أسباب معينة، يرجع فيها المُشرّع إلى عنصرين أساسيين: التأثير السلبي على الأمن الوطني والسِّلم المجتمعي، والتجاوز لحدود ممارسة الحق المقرّر بمقتضى أحكام القانون”، وإن هذين العنصرين لا يؤثران على حرية الرأي والتعبير المكرّسة في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي المادة 15 من الدستور الأردني.

ونص قرار المحكمة على أن “مفهوم السلم المجتمعي هو حالة السِّلم والوئام داخل المجتمع، وأما مفهوم الأمن الوطني، فهو استخدام الوسائل للمحافظة على سير حياة المجتمع بمكوناته كافة بصورة صحيحة، بعيدًا عن الأزمات والإشاعات التي تؤثر على أمن المجتمع”، ويعتبر كلا المفهومين من المفاهيم التي تخضع لتقدير قاضي الموضوع، ويرتبط هذا التقدير بفحوى العبارات التي جرى نشرها، وزمانها، ومكانها.وبيّن القرار أن مصطلح “الأخبار الكاذبة” متعدد المعاني، وعرفته منظمة اليونسكو بأنه: “المحاولات المتعمدة المخطط لها بعناية لإرباك أشخاص أو التلاعب بهم عبر تقديم معلومات كاذبة عنهم، بغرض المساس بسمعتهم ومصالحهم”، كما أن الفقه الجنائي وضع تعريفات لجريمة بث الأخبار والإشاعات الكاذبة، فعرفها أغلب الفقه بأنها: “رواية عن أمر أو حدث أو شخص بأسلوب يُروى أو يُذاع، فهو نوع من الخبر غير المؤكد، ويريد قائله أو مذيعه لفت النظر إلى تأكيده وعلم الناس به”.

وبيّنت المحكمة أن مصطلح “الأخبار الكاذبة” من المصطلحات المتعارف عليها في التشريع الأردني، وذلك في المادة 132 من قانون العقوبات، التي نصت على أنه: “كل أردني يذيع في الخارج، وهو على بيّنة من الأمر، أنباء كاذبة أو مبالغًا فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها”.

كما بيّنت المادة 106 من قانون الأوراق المالية أنه يُحظر على أي شخص القيام بأي مما يلي: “بث الشائعات أو ترويجها، أو إعطاء معلومات أو بيانات أو تصريحات مضللة أو غير صحيحة”، وتنص المادة 38 من قانون المطبوعات والنشر على حظر “نشر ما يشتمل على ذم أو قدح أو تحقير للأفراد، أو يمس حرياتهم الشخصية، أو يتضمن معلومات أو إشاعات كاذبة بحقهم”.

وانتهت المحكمة إلى القول إنَّ مفهوم “الأخبار الكاذبة” عبر الشبكة المعلوماتية، هو: “الخبر أو مجموعة من الأخبار الزائفة وغير الصحيحة، التي تنتشر عبر الشبكة المعلوماتية، ولا يكون لها مصدر موثوق، ويجري تداولها بين الناس بهدف التأثير على الأمن والسِّلم المجتمعي، وقد تكون ذات طابع عسكري أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي”.

وأشار مجلس نقابة الصحفيين، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، إلى ضرورة التنبه للتحديات التي تواجه حرية الصحافة في ظل التطورات التقنية، والثورة المعلوماتية، والذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد وسيلة لتسريع العمل الصحفي، بل أصبح جزءًا من منظومة إنتاج الأخبار.

وقال المجلس إن من أبرز التحديات التي تواجه حرية الصحافة، انتشار الأخبار المزيفة والمضللة، واستفحال ظاهرة التضليل الإعلامي، التي تنتجها أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتنامي استخدام تقنيات التزوير، والتمييز الخوارزمي في تنظيم المحتوى والرقابة الرقمية، وهي تحديات تهدد سلامة الصحفيين، فضلًا عن التحدي المتعلق باستدامة المؤسسات الإعلامية في المستقبل.

وأضاف أن هذه التحديات تستوجب دعم وسائل الإعلام المختلفة، وإعادة بناء الإطار الاقتصادي للعمل الإعلامي، بما يحقق الاستقرار للمؤسسات والعاملين فيها، ويتيح ممارسة العمل الصحفي بشكل مهني، مع ضمان إنتاج أخبار ومعلومات موثوقة وصحيحة، مشيرًا إلى أن تحسين أوضاع الصحفيين يساهم في امتلاكهم الوسائل الكفيلة بمقاومة أعداء الصحافة، من صناع التضليل والمعلومات الزائفة. – (بترا)

قد يعجبك ايضا