الأردن ليس ممرا للنار… والقانون الدولي فوق كل اعتبار

617

 

المرفأ…في أعقاب الهجوم الإيراني الصاروخي واسع النطاق على أهداف إسرائيلية فجر السبت، وما تخلله من مرور عشرات المقذوفات عبر أجواء دول إقليمية، تصدّر الموقف الأردني بؤرة الاهتمام السياسي والإعلامي، ليس كطرفٍ مشارك، بل كدولة تمسّكت بأحكام القانون الدولي في موقف دفاعي دقيق. وبينما هددت طهران علنًا باستهداف أي دولة تتدخل لاعتراض صواريخها، سارع الأردن إلى تأكيد تمسّكه الصارم بسيادته، ورفضه لأن يكون ساحةً أو ممرًا لأي طرف.

الأردن، الذي أعلن إغلاق مجاله الجوي كإجراء احترازي، فعّل لاحقًا منظومات دفاعية اعتراضية لحماية أراضيه من سقوط مقذوفات كانت تحلّق ضمن مديات خطرة فوق مناطقه الجنوبية. وقد أكدت الحكومة الأردنية أن هذه الإجراءات لا تنطوي على أي انخراط في العمليات الهجومية، ولا تمثل بأي شكل دعمًا لطرف على حساب آخر، بل إنها تعكس التزامًا حازمًا بمبادئ القانون الدولي، لا سيما مبدأ السيادة الإقليمية، وحق الدفاع عن النفس، وسلامة المجال الجوي للدول.

هذا التوصيف القانوني يجد دعمه المباشر في المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، التي تتيح للدول استخدام وسائل الدفاع المناسبة في حال وقوع اعتداء مسلح، أو وجود خطر وشيك ومباشر. وينطبق هذا الحكم على المجال الجوي تمامًا كما ينطبق على الأراضي البرية والبحرية، إذ إن دخول صواريخ أو مسيّرات دون إذن إلى أجواء دولة ما، يُعد تهديدًا ماديًا للأمن القومي، يُجيز الرد الفوري من باب الضرورة القصوى والدفاع الوقائي.

كما أن ما اتخذته المملكة من إجراءات يتوافق بدقة مع اتفاقية شيكاغو للطيران المدني الدولي (1944)، التي تمنح الدول الحق السيادي الكامل في تنظيم دخول الطائرات والمجسمات الجوية ضمن مجالها الوطني، بما يشمل الحق في رفض الدخول أو اعتراض أي جسم طائر غير مرخص، حتى لو لم يكن موجّهًا نحوها بشكل مباشر، طالما يشكل خطرًا محتملاً على الحياة أو المنشآت.

في هذا السياق، يُعد اعتراض الأردن للصواريخ التي عبرت أجواءه عملاً دفاعيًا مشروعًا ومتكرّرًا في الممارسة الدولية. فكما اعترضت السعودية صواريخ سكود خلال حرب الخليج الأولى، وأسقطت تركيا طائرة روسية لاختراقها المجال الجوي عام 2015، وكما نشرت دول أوروبية منظومات باتريوت لحماية أجوائها من تسرب صواريخ عابرة خلال الحرب في أوكرانيا، كذلك مارست الأردن حقه الطبيعي في حماية مجاله الجوي، دون أن يتجاوز الحدود القانونية أو الأعراف الدولية.

ومن زاوية أخرى، فإن ما قامت به عمّان يُعد مثالًا تطبيقيًا لما يُعرف في فقه القانون الدولي بـ”عدم التواطؤ غير المباشر”، أي أن الدولة ليست ملزمة بترك أراضيها أو أجوائها تُستخدم – ولو من غير قصد – لصالح أي عمل عدائي، ويترتب على ذلك التزام قانوني وأخلاقي باتخاذ التدابير اللازمة لوقف أي انتهاك أو تسلل جوي، حتى إن لم تكن الدولة نفسها مستهدفة أو مشاركة.

ويكتسب الموقف الأردني مزيدًا من القوة القانونية والسياسية في ضوء تأكيده الرسمي بأنه لم يسمح للطيران الإسرائيلي باستخدام أجوائه لتنفيذ هجمات هجومية على إيران، ما يعزز من الحياد الاستراتيجي الذي تتبناه المملكة.

وقد صرّح نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية وشؤون المغتربين، أيمن الصفدي، بوضوح قائلاً:
“ندين العدوان الإسرائيلي على إيران.”
وأضاف:
“مثل هذه الاعتداءات لن تجلب الأمن لأي طرف، وإنما الدبلوماسية، والامتثال للقانون الدولي، واحترام سيادة الدول وحقوقها، هي السبيل لتحقيق الأمن.”
وفي تحذير صريح بشأن سيادة المملكة، قال الصفدي:
“نحذّر من أي اختراق لمجالنا الجوي أو تهديد لسلامة شعبنا من أي طرف. سنفعل كل ما في وسعنا لحماية بلدنا وشعبنا. ولن نكون ساحة معركة لأي طرف.”
واعتبر الصفدي أن هذا الهجوم يمثل:
“تصعيدًا خطيرًا وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ويهدد بانزلاق المنطقة نحو هاوية حرب إقليمية مدمرة.”

إن قراءة الموقف الأردني في ضوء القانون الدولي العام، والقانون الدولي الإنساني، ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، تُظهر بجلاء أن ما قامت به المملكة يقع في صميم الممارسات السيادية المشروعة، ويمثل نموذجًا لدولة تُدير التحديات الإقليمية بحكمة، وتتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي، مع عدم التفريط بحقوقها أو أمنها.

وفي منطقة مضطربة تكثر فيها المغامرات العسكرية، يتعين على الدول الصغيرة والمتوسطة أن ترسم لنفسها خطوطًا واضحة، تقوم على احترام الذات، والتمسك بالشرعية الدولية، ورفض أن تكون مجرد ورقة في حسابات القوى الكبرى. الأردن، عبر هذا الموقف، لا يدافع عن طرف، بل عن حقه في الحياة الآمنة، وحقه في أن لا يكون جزءًا من معادلة النار، ولا هدفًا للابتزاز.

الموقف الأردني، كما عكسه وزير الخارجية أيمن الصفدي، لا يحتمل التأويل أو التشكيك، وهو امتداد لموقف ثابت في السياسة الخارجية الأردنية، يقوم على احترام القانون الدولي، ورفض تحويل أراضي المملكة إلى ميدان لصراعات الغير، دون تفريط بحق الدفاع المشروع عن الوطن وسيادته.

قد يعجبك ايضا