الحلحولي..البحث العلمي مسؤوليتنا وفرصة جديدة سانحة
تشرفتُ بالمشاركة في مؤتمر “واقع البحث العلمي وأثره على الاقتصاد الأردني”، الذي انعقد برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، حفظه الله، وبحضور صاحبة السمو الملكي الأميرة سميّة بنت الحسن، حفظها الله، وعدد من أصحاب الدولة والمعالي ورؤساء الجامعات، والأمناء العامّين، وممثلي القطاعات الأكاديمية والصناعية والتجارية. لقد مثّل هذا المؤتمر محطة وطنية جامعة، عكست إرادةً صادقة لمأسسة الحوار حول البحث العلمي، وتعظيم أثره في دعم الاقتصاد الوطني.
ما تم طرحه في المؤتمر، وما تضمّنه التقرير حول البحث العلمي وأثره على الاقتصاد الوطني من نتائج، يؤكد أن الوقت قد حان لنعيد الاعتبار للبحث العلمي كأولوية وطنية، لا كمجال نخبوي أو ترف فكري، بل كقوة محركة للتنمية، وبوصلة حقيقية لبناء مستقبل قائم على المعرفة والإنتاج والابتكار.
ومن وحي هذا اللقاء الوطني الهام، أود أن أشارككم أبرز الرسائل التي أؤمن بضرورتها:
• إن نقل صندوق البحث العلمي إلى المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا يُعد خطوة استراتيجية بالاتجاه الصحيح، تعزز فرص التوجيه الفعّال للدعم المالي نحو الأبحاث ذات القيمة المضافة، وتضع البحث في حضن مؤسسة وطنية راعية للتكامل بين السياسات العلمية والاقتصادية.
• هنالك حاجة ملحة لإعادة هيكلة العلاقة بين الجامعات والقطاعات الصناعية والتجارية، من خلال برامج بحثية مشتركة، موجّهة، قائمة على المسؤولية المتبادلة، والنتائج القابلة للقياس.
• لا بد من بناء منظومة وطنية متكاملة للبحث والابتكار تجمع بين المجلس الأعلى، والجامعات، والقطاعات الإنتاجية، ضمن إطار حوكمي واضح، يضمن استدامة التمويل، وتوجيه المشاريع نحو خدمة الأولويات الوطنية.
• نحن بحاجة إلى استثمار استراتيجي بالشباب والعقول الواعدة، من خلال برامج دراسات عليا تطبيقية، تتيح الفرصة للباحثين المتفرغين للعمل بعمق ووفق أعلى معايير الجودة والجدوى.
• كما أننا مدعوّون إلى تعزيز الشراكات البحثية بين الجامعات والمؤسسات الوطنية والقطاع الخاص، بما يضمن تكامل الجهود وتراكم الإنجاز، لا تكرار المبادرات أو تنافسها.
• ومن الضروري أيضًا إعادة النظر في أنظمة الترقية الأكاديمية، بما يسمح بتفرغ حقيقي للبحث أو التعليم أو الريادة، بحسب مسارات مختلفة تحترم التخصص وتدعم التميز المؤسسي والفردي.
• وبموازاة كل ما سبق، فإن توسيع وتعميق الشراكات الدولية يُعد ركيزة لا غنى عنها. علينا أن نبني على ما تحقق من علاقات دولية، ونوسّعها باتجاه الدول العربية الصاعدة علميًا، والاقتصادات الآسيوية المتقدمة، بالإضافة إلى مؤسسات البحث العالمية. هذا التوسّع ضروري لنقل المعرفة، وإطلاق مشاريع مشتركة، والانخراط في بيئة بحثية ذات طابع إقليمي وعالمي.
في الجامعة الألمانية الأردنية، نؤمن أن هذا التوجه ليس مجرد رؤيا، بل ضرورة. ومن هنا، نعمل على تجسيده من خلال نموذجنا الأكاديمي التطبيقي، الذي يدمج بين التعليم المرتبط بالصناعة، والبحث المرتبط بالتنمية، والابتكار الموجه نحو الأثر. كما نعمل على تطوير مجمع التكنولوجيا والابتكار لدينا لتكون منصة حاضنة للمشاريع الريادية والبحثية، ولربط الأفكار العلمية باحتياجات الاقتصاد والمجتمع.
ما نشهده اليوم بارقة أمل حقيقية وفرصة وطنية نادرة. مسؤوليتنا الآن أن نغتنمها. أن نبدأ بأنفسنا، بمؤسساتنا، بأفكارنا. أن نجعل من البحث العلمي المنتج والموجّه أولوية وطنية لا تقبل التأجيل، ورافعة للتغيير والتحول والنهضة.
فبالعلم ننهض، وبالعزيمة نبني، وبالإرادة المشتركة نصنع مستقبل الأردن كما نتمناه له.
الأستاذ الدكتور علاء الدين الحلحولي
رئيس الجامعة الألمانية الأردنية