مدونة السلوك الجديدة لـ”المحاسبة”.. كيف تضبط بوصلة النزاهة؟
المرفأ.. فيما أطلق ديوان المحاسبة أخيرا مدونة الأخلاقيات والسلوك المهني للعام 2025، أكد خبراء أن من شأن هذه المدونة أن تضبط عمل موظفي الديوان وتوجه سلوكهم المهني، بما ينسجم مع أسس التعامل مع المؤسسات والحقوق والمال العام.
والمدونة الجديدة، التي تأتي في إطار خطة تحديث شاملة ينتهجها الديوان، ليست مجرد وثيقة توجيهية، بل هي منظومة متكاملة من المعايير والقيم المهنية التي تحدد بوضوح سلوكيات الموظف العام داخل الديوان، وتضبط علاقته مع الجهات الخاضعة للرقابة، ومع المال العام، والمجتمع بوجه عام.
وتعدّ خطوة إستراتيجية نحو مأسسة القيم الأخلاقية في العمل الرقابي، وتجسيدا حقيقيا للرؤى الإصلاحية في الإدارة العامة، وهي بمثابة التزام عملي لا رجعة عنه تجاه الشفافية، والمساءلة، وخدمة الصالح العام.
وراعت المدونة التحديثات العالمية في العمل الرقابي، إذ انسجمت مع المعايير الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (INTOSAI)، وتحديدا مع المعيار الأخلاقي الدولي ISSAI 130، ما يعزز موثوقيتها ويمنحها بعدًا عالميًا في تطبيق قواعد الحوكمة السليمة.
دليل إرشادي
وفيما يتوقع أن تشكّل المدونة نموذجا يحتذى في بقية مؤسسات القطاع العام، نحو بناء جهاز إداري يضع النزاهة المهنية في صميم عمله اليومي، أكد وزير تطوير القطاع العام الأسبق ماهر المدادحة، أن هذه المدونة تعد بمثابة دليل علمي ومنظومة متكاملة من المعايير المهنية، تهدف إلى ضبط عمل موظفي الديوان وتوجيه سلوكهم المهني، بما ينسجم مع أسس التعامل مع المؤسسات والحقوق والمال العام.
وقال المدادحة إن المدونة الجديدة ترتقي إلى مستوى دليل إرشادي عملي شامل، لما تضمنته من تفصيلات دقيقة، وتناولها لعدد من القضايا الجوهرية في العمل الرقابي، ما يجعلها أقرب إلى منهج عمل مؤسسي يتجاوز الطابع التقليدي لمدونات السلوك المعتمدة عادة في المؤسسات العامة.
وأضاف إن المدونة دخلت في تفاصيل مهنية متعددة، وراعت الانسجام مع معايير المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (INTOSAI)، وهو ما يعكس توجّه ديوان المحاسبة نحو الارتقاء بعمله وفق أفضل الممارسات الرقابية المتبعة دوليا.
وشدد على أن تحقيق الالتزام الكامل بهذه المدونة؛ سيعزز ثقة الحكومة بالديوان وبمخرجاته الرقابية، ما يجعل منه مرجعية أساسية في معالجة أي مخالفات أو اختلالات، ويعزز مكانته في دعم منظومة الحوكمة والمساءلة العامة، مشيرا إلى أن هذه الخطوة، إيجابية ومهمة على طريق تطوير منهجية عمل ديوان المحاسبة.
خطوة متقدمة لترسيخ الشفافية
من جهته، أكد أستاذ القانون الإداري د. محمد المعاقبة، أهمية المدوّنة باعتبارها خطوة مؤسسية متقدمة نحو ترسيخ مبادئ الحوكمة والشفافية في العمل الرقابي
وقال المعاقبة إنه بعيدا عن كونها وثيقة إدارية نمطية، إلا أن المدوّنة تشكّل إطارا معياريا ينظّم الأداء المؤسسي ويعزّز النزاهة والامتثال، بما يسد الفجوة بين القيم القانونية والممارسات العملية اليومية.
وأضاف إنه من خلال تحديدها لأنماط السلوك المقبول وغير المقبول وتوحيدها للمعايير الوظيفية، تسهم المدوّنة بشكل مباشر في تقليص تضارب المصالح، وتعزيز ثقة المواطنين والجهات الخاضعة للرقابة بقرارات الديوان، بما يعكس التزاما عميقا بقيم الدولة الأردنية في الحوكمة الرشيدة.
وتكمن أهمية المدوّنة في كونها تتسق مع المعايير الدولية، وتحديدا مدونة السلوك المهني (ISSAI 130) الصادرة عن منظمة الإنتوساي، ما يمنحها بعدا مقارنا يعزّز مكانة ديوان المحاسبة الأردني ضمن الأجهزة الرقابية العالمية، ويجعل الممارسات الوطنية متناغمة مع التجارب الدولية الرائدة، وفق المعاقبة.
وأوضح أن المدوّنة تتضمن مواد وقواعد تفصيلية تغطي طيفا واسعا من المبادئ والمفاهيم، مثل واجبات الموظفين تجاه المواطنين وزملائهم، وضوابط التعامل مع المال العام والمعلومات والوثائق، فضلا عن معايير استخدام التكنولوجيا الحديثة في التدقيق، وآليات تجنّب تضارب المصالح.
وبين أنه من منظور القانون الإداري، تلعب المدوّنة دورا تكامليا في تعزيز مبدأي المشروعية والمساءلة؛ فالمشروعية تُستند هنا إلى المادة (119) من الدستور الأردني وقانون ديوان المحاسبة، لتترجم إلى سلوك يومي يعكس حيادية الموظف واستقلاليته ومهنيته.
ونوه المعاقبة أن المساءلة تتجلى من خلال النصوص التي تنظم الإبلاغ عن المخالفات والسلوكيات غير السوية، وتحدد بوضوح أدوات الرقابة الذاتية والتأديب الإداري، بما يسهّل على الجهات الرقابية والتشريعية، وعلى رأسها مجلس الأمة، متابعة أداء الديوان وقراراته.
وقال: “وعليه، يمكن القول إن مدوّنة الأخلاقيات والسلوك المهني لعام 2025 لا تمثل مجرد تحديث إجرائي، وإنما هي أداة حوكمة داخلية تُسهم في سد الفجوة بين النصوص القانونية وموجبات العمل الرقابي اليومي، وتُعزّز ثقة المجتمع بفعالية الديوان”.
الالتزام بالقيم الأخلاقية
الالتزام بالقيم الأخلاقية
وكان رئيس ديوان المحاسبة د. راضي الحمادين، أكد في تصريحات صحفية سابقة، أنه انسجاما مع الدور الدستوري والوطني الملقى على عاتق ديوان المحاسبة، فإن الالتزام بالقيم والمبادئ الأخلاقية واجب مؤسسي ومسؤولية فردية وجماعية، تحتّم على جميع العاملين في هذا الجهاز الرقابي التقيد بالمبادئ والقيم الأخلاقية المهنية دون تهاون.
وأشار الحمادين إلى أن هذه المدونة تأتي تجسيدا للالتزام بالقيم الأخلاقية وتعزيزاً لرفع القدرات المهنية من خلال الاهتمام بالسلوك المهني والعناية المهنية اللازمة، والتي تستند الى نهج الإصلاح الشامل، التي تضمنته الرؤى الملكية السامية في التحديث الإداري، والارتقاء المؤسسي وترسيخ مبادئ الحوكمة والنزاهة والمساءلة في القطاع العام.
ولفت الحمادين الى أنه تم في إعداد هذه المدونة مراعاة الانسجام مع المعايير الأخلاقية الدولية، وبخاصة المبادئ الجوهرية الواردة في الإطار الأخلاقي الصادر عن المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية العامة والمحاسبة (INTOSAI)، وأهمها: المعيار الدولي للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة (قواعد السلوك المهني ISSAI 130).
وتبين المدونة واجبات ومسؤوليات الموظف المتعلقة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والأجهزة التقنية والتعامل مع الانترنت والتعامل مع البريد الالكتروني، وكذلك الجوانب الأخلاقية في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التدقيق، إضافة الى تناول جانب الكفاءات المهنية والتطوير الوظيفي وتعارض المصالح ومكافحة الفساد، وكذلك التزامات الديوان تجاه العاملين فيه من خلال التمكين وبناء القدرات على وجه الخصوص والتزامات الديوان تجاه موظف القطاع العام والمواطن.
وتعزيزا للمساءلة، عالجت المدونة في أحد أبوابها حالات الإبلاغ عن القضايا الأخلاقية المسلكية وطرق التعامل معها وكذلك قضايا أخرى تتعلق بسفر موظف ديوان المحاسبة في مهام رسمية والمشاركات الخارجية لضمان استقلاليته ونزاهته، كما تناولت موضوع الحياد السياسي الذي يجب أن يتمتع به موظف الديوان، فضلاً عن طرق مراجعة المدونة وتحديثها مستقبلا.