صدرت باللغتين العربية والإنجليزية مجلة “الصقّار” تحتفي بالشيخ زايد في عددها الجديد أبوظبي، 6 سبتمبر 2025

2٬580

 

المرفأ…أبوظبي، 6 سبتمبر 2025

تحت عنوان “الشيخ زايد: الصقّار الذي صان البيئة وعلّم أجيال العالم فنّ الصيد وأدب الصحراء”، أفردت مجلة “الصقّار” في عددها الأخير الصادر عن نادي صقّاري الإمارات، باللغتين العربية والإنجليزية، ملفاً خاصاً ضمن باب “شخصية العدد”، يُسلّط الضوء على الدور الريادي للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في صون التراث الثقافي للصقارة وحماية هذا الفنّ الأصيل.

ويستعرض الملف أبرز مُبادراته، طيّب الله ثراه، للحفاظ على الصقارة كجزء من الهوية الوطنية الإماراتية، إضافة إلى تأثيره على الأجيال المُتعاقبة في الاهتمام بالصقور وفنون تدريبها. وجاء العدد الجديد من “الصقّار” مُزوّداً بصور أرشيفية نادرة وتقارير توثيقية تُؤكّد مكانة الشيخ زايد، كرمزٍ للحفاظ على التراث وصون البيئة.

صدر العدد الجديد من مجلة “الصقار” بمناسبة انطلاق الدورة الـ 22 من معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية (30 أغسطس – 7 سبتمبر 2025). ويُكرّس العدد بغناه وتنوّعه دور المجلة كمنصّة ثقافية محلية وعالمية تُعنى بُمستقبل الصقارة والصيد المُستدام. ويمتد العدد على 224 صفحة ويتضمّن أكثر من 100 مادة تراثية وثقافية وعلمية عبر 34 باباً مُتنوّعاً.

وأكدت مجلة “الصقّار” في ملفها الخاص، أنّ إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في مجال الحفاظ على الصقارة لم يقتصر على حدود دولة الإمارات، بل امتدّ ليترك بصمات عالمية بارزة في حماية التراث الثقافي غير المادي وصون الأنواع والصيد المُستدام. وقد كان الشيخ زايد أوّل الداعمين للاعتراف بالصقارة كتراث إنساني عالمي في منظمة اليونسكو، وهو إنجاز تحقق لاحقاً بفضل رؤيته واستراتيجيته الرائدة.

ولطالما اعتُبرت الصقارة جزءاً لا يتجزأ من التراث العربي والإنساني، وهي ليست مُجرّد هواية أو رياضة، بل فنّ مُتجذّر في تاريخ البادية والحياة الصحراوية، يعكس مهارة الإنسان في التعايش مع البيئة وفهمه لطبيعة الصقور وتقنيات القنص والصيد.

وفي هذا السياق، لعب الشيخ زايد دوراً استثنائياً في صون هذا الإرث، ليس كمُمارس للصيد بالصقور فحسب، بل كمُحرّك ودافع رئيسي لحماية الثقافة وترسيخها للأجيال القادمة.

وتُوضح مجلة “الصقّار” أنّ اهتمام الشيخ زايد بالصقارة بدأ منذ شبابه، حيث كان يُرافق كبار الصقّارين في رحلات الصيد، ويحرص على تعلّم أسرار تدريب الصقور وأساليب الصيد التقليدي بها. وقد أكد مُعاصروه أنّ الشيخ زايد كان يحمل شغفاً حقيقياً بمعرفة كلّ تفاصيلها، من اختيار الصقور وتربيتها إلى أساليب تدريبها والصبر في الصيد بها.

وتُشير المجلة إلى أنّ الشيخ زايد لم يكتفِ بالمحافظة على الصقارة كهواية شخصية، بل عمل على صونها كموروث ثقافي وطني. فقد أسس العديد من المُبادرات التي تهدف إلى حماية الصقور، وإنشاء مراكز متخصصة لتربيتها والعناية بها، بما يعكس حرصه على نقل هذا الفن للأجيال القادمة. كما كان داعماً للبحوث العلمية حول الصقور والحياة البرية في الإمارات، لضمان استدامة الصيد بالصقور دون الإضرار بالتوازن البيئي.

وكان الشيخ زايد من أوائل الذين سعوا إلى وضع القوانين المُنظِّمة لممارسة الصقارة، بما يضمن حماية الصقور البرية والمحافظة على التنوّع البيولوجي. وقد أشارت المجلة إلى أنّ هذه القوانين كانت نموذجاً يُحتذى به، حيث جمعت بين احترام التقاليد وحماية البيئة.

وتعرض المجلة في صفحاتها شهادات حيّة من كبار الصقارين الإماراتيين والأجانب الذين عاصروا الشيخ زايد وعرفوه، مؤكدين أنه كان يُولي اهتماماً بالغاً لكلّ تفاصيل الصقارة، ويحرص على تعليم الشباب كيفية التعامل مع الصقور بفهم واحترام.

وأشارت العديد من الشهادات إلى أنّ الشيخ زايد كان يُشجّع دائماً على الابتكار في أساليب التدريب، مع الحفاظ على الجوهر التقليدي للصقارة، ما ساهم في تطوير هذا الفن دون فقدانه لهويته الأصيلة.

وتجاوز إرث الشيخ زايد في مجال الصقارة حدود الهواية، ليُصبح نموذجاً مُتكاملاً للإدارة الحكيمة التي تجمع بين الحفاظ على التراث والاهتمام بالتنمية المُستدامة. فقد أسس الشيخ زايد نهجاً يجعل من الصقارة أداة تعليمية وثقافية، تُشجّع على الصبر والانضباط وحُبّ الطبيعة، وهي قيم أساسية في المُجتمع الإماراتي.

كما سلّطت المجلة الضوء على المُبادرات التي أطلقها الشيخ زايد لتشجيع الأجيال الجديدة على ممارسة الصقارة، مثل إنشاء النوادي، وأوّلها نادي صقّاري الإمارات، والمراكز التدريبية التي تُوفّر بيئة آمنة لتعليم الصقور والعناية بها، وإقامة المسابقات التي تُساهم في صقل مهارات الصقارين الشباب. ويعكس هذا التوجّه حرص الشيخ زايد على استمرار هذا التراث للأجيال القادمة، مع تعزيز روح الانتماء الوطني والاعتزاز بالهوية الإماراتية.

وفي ختام الملف، تُؤكّد مجلة “الصقّار” أنّ الشيخ زايد سيظلّ رمزاً خالداً لصون الصقارة، ليس فقط باعتباره قائداً حكيماً حاز على إعجاب وتقدير دول العالم، بل باعتباره أيضاً راعياً للتراث وحامياً للقيم الثقافية. فقد جمع بين حُبّ الصقارة كفنّ أصيل، وبين التزامه العميق بالمُجتمع والطبيعة، ليترك إرثاً مُستداماً يمزج بين التاريخ والحداثة، ويضمن أنّ يظل التراث الإماراتي حيّاً ومُؤثراً محلياً وعالمياً.

الصقّار الأول في عيون صقّاري العالم..

وضع المؤسس الراحل خلاصة خبرته في مجال الصقارة في كتاب “رياضة الصيد بالصقور” الصادر عام 1976 والذي يُعتبر مرجعاً مُهمّاً في هذه الرياضة القديمة، ولعلّه أوسع هذه المراجع وأكثرها دقة لأن المعلومات التي يشملها الكتاب تأتي عن ممارسة وخبرة.

ويُعتبر المغفور له بإذن الله الشيخ زايد صقّاراً كبيراً ومعروفاً على المستوى العالمي برفعة أخلاقه، وقد نعاه صقارو العالم فور الإعلان عن نبأ رحيله، ليُعبّروا عن مشاعرهم إزاء هذه الخسارة. ولا زال الصقارون في مختلف الدول مُتمسّكين بالحب والوفاء للصقّار الأوّل في عيونهم، ولعطائه الكبير لهذه الرياضة التي ارتقى بها إلى فنّ تراثي أصيل أحبّه وأتقنه وتفرّد فيه، وأضفى عليه الكثير من أياديه البيضاء وروحه المُحبّة للطبيعة والحياة البرية.

نبذة عن إنجازات الشيخ زايد في مجال الحفاظ على الصقور وطرائدها

شكّل مؤتمر الصداقة الدولي للبيزرة الذي وجّه المغفور له الشيخ زايد بتنظيمه في أبوظبي عام 1976 أولى المُبادرت العالمية غير المسبوقة، التي مهّدت الطريق نحو تعاون عالمي لحماية الصقارة كتراث إنساني. والشيخ زايد أوّل من ربط بين الصقارة والاستدامة، مؤكداً أنّ الصيد يجب أن يكون مسؤولًا، فمنع الصيد الجائر، وأطلق مشاريع إكثار الحبارى، وأنشأ محميات طبيعية لحماية الصقور وبيئاتها. كما وجّه بتأسيس نادي صقاري الإمارات ليكون وجهة ريادية في صون الصقارة.

وجمع المؤتمر في حينها للمرّة الأولى بين صقاري الجزيرة العربية وصقاري أميركا الشمالية وأوروبا والشرق الأقصى، وكان مُنطلقاً حقيقياً للاستراتيجية التي وضعها الشيخ زايد رحمه الله بهدف حشد الصقارين ليكونوا في طليعة الناشطين أصحاب المصلحة الحقيقية للمحافظة على الطبيعة.

في مجال حماية الصقور وطرائدها كان الشيخ زايد أول من أدرك المخاطر التي تُواجه أنواع الطيور والحيوانات، فقام بإنشاء عدّة مشاريع لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، وبتوجيهاته بدأ برنامج إكثار الحبارى الآسيوية في الأسر في حديقة حيوان العين عام 1977، وقد أعلن في عام 1982 عن تفقيس أول فرخ في الأسر في دولة الإمارات.

وفي مُستهلّ الثمانينات قام الشيخ زايد بإنشاء مستشفى الصقور بمنطقة الخزنة ثم وجّه فيما بعد بإنشاء مستشفى أبوظبي للصقور في عام 1999. إذ قاده شغفه بالصقور والصقارة إلى أن يأمر بإنشاء مستشفى بيطري لا مثيل له يركز على تشخيص ومعالجة الأمراض التي تُصيب الطيور الجارحة إلى جانب البحوث التطبيقية ذات الصلة، مما نجم عنه تحسينات نوعية في مجالات الإدارة والرعاية الصحية المخصصة لصقور الصيد في جميع أنحاء العالم.

وفي عهده بادر المركز الوطني لبحوث الطيور عام 1989 الذي أصبح فيما بعد جزءاً من هيئة البيئة بأبوظبي، برنامجه الطموح لإكثار الحبارى الآسيوية والذي تطوّر من بداية متواضعة حتى وصل إلى إنتاج 200 طائر في عام 2004، ومُتّجهاً بقوة وثقة باتجاه الهدف بعيد المدى الذي حدده المؤسس الراحل بإنتاج عشرة آلاف طائر حبارى آسيوي سنوياً، وإطلاق معظمها لزيادة أعداد المجموعات البرية. وهو ما تمّ تجاوزه لاحقاً بكثير.

وأنشأ في المملكة المغربية عام 1995 مركز الإمارات لتنمية الحياة الفطرية لإكثار الحبارى وإطلاقها في البرية.. وقد أثمر النجاح المُتزايد من عام إلى آخر عن تفريخ “2150” طائر في 2004، العام الذي شهد رحيل الشيخ زايد، رحمه الله.

وأيقن الشيخ زايد منذ عام 1995 ضرورة التحول من استخدام الصقور البرية إلى الصقور المتكاثرة في الأسر. وفي عام 2002 أصبح صقارو الإمارات يعتمدون بنسبة 90 بالمائة على الصقور المُكاثرة في الأسر مما جعل الإمارات البلد العربي الأول الذي أصبح يعتمد على استخدام هذه الصقور بديلاً عن طيور البرّية في رياضة الصيد بالصقور.

ودعم بقوة إنشاء الهيئة العالمية للحبارى في باكستان، وقد أثمر ذلك عن زيادة التعاون والتنسيق مع الحكومة الباكستانية من أجل مكافحة الصيد غير المشروع لطيور الحبارى، وإعادة تأهيل الطيور المُصادرة لإطلاقها في البرية.

وتبنى المغفور له الشيخ زايد تقليد إعادة إطلاق العديد من صقوره إلى البرية في نهاية موسم الصيد، حيث بدأ برنامج زايد لإطلاق الصقور في عام 1995، حيث تمّ إطلاق المئات من صقور الحر والشاهين التي نجحت في العودة إلى حياتها البرية الطبيعية بعد إطلاقها على مسار هجراتها الأصلية في باكستان وأواسط آسيا.

وشجع الشيخ زايد بصورة فعالة الصقارين على الاستغلال الأمثل للطيور المُنتجة في الأسر، واعتمد نظاماً مشدداً للترخيص باستخدام الطيور البرية في دولة الإمارات. ورافق ذلك إصدار “جواز سفر الصقر” الذي تم اعتماده بواسطة اتفاقية /سايتس/ العالمية، مما كان له أثر بالغ في التقليل من أنشطة الصيد غير المشروع في المنطقة.

وفي مسعاه لخدمة صقّاري دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي والمحافظة على الصقور من الانقراض، تمّ في عام 2001 إشهار نادي صقاري الامارات.

وأطلق الشيخ زايد معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية في دورته الأولى العام 2003، والتي تشرّفت حينها بزيارته، ليأمر حينها، طيّب الله ثراه، بأن يكون المعرض على مستوى عالمي وينطلق من أبوظبي مرّة كل عام بتنظيم من نادي صقّاري الإمارات، حيث تمّ تنظيم نسخة /أبوظبي 2004/ التي لاقت نجاحاً وإقبالاً كبيرين.

ولا يزال المعرض يُشكّل محطة هامة على خارطة المعارض العالمية المتخصصة في هذا المجال، لما يُقدّمه من جهود كبيرة في ترسيخ الصيد المُستدام، ودعم وتشجيع استراتيجية الحفاظ على التراث والتقاليد والقيم الأصيلة التي تتميز بها دولة الإمارات.

 

 

 

قد يعجبك ايضا