مهرجان أمستردام للأفلام الوثائقية… المؤسّسات الإسرائيلية ممنوعة
المرفأ….رفض مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (IDFA)، أحد أبرز المهرجانات الوثائقية في العالم، منح اعتمادٍ لممثّلي ثلاث مؤسّسات إسرائيلية كبرى هي: مهرجان “دوكأفيف” (DocAviv)، وسوق “كو برو” (CoPro)، وهيئة البث العامة “كان” (Kan). الإداريون الجدد في المهرجان، برئاسة المديرة الفنية إيزابيل أراتي فرنانديز، أوضحوا أنّ المنع يشمل الجهات التي تتلقّى تمويلاً حكومياً مباشراً من دولة تُتَّهم بارتكاب انتهاكاتٍ جسيمة لحقوق الإنسان، على أن تُقيَّم الطلبات الفردية من صُناع الأفلام على أساس كل حالة على حدة. وجاء القرار قبل دورة 2025 التي تُقام بين 13 و23 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي في أمستردام. الخبر خرج إلى العلن عبر تقرير لـ”فارايتي” يفيد برفض اعتماد ممثلي “دوكأفيف” و”كو برو” و”كان”، في سياقٍ بدا أنّه انسجامٌ مع موجة مقاطعة ثقافية للمؤسّسات الإسرائيلية على خلفية حرب غزة، وأكّد التقرير أنّ إدارة مهرجان أمستردام رفضت هذه الطلبات لأنّ الجهات المذكورة تحصل على جزءٍ من تمويلها من ميزانية دولة الاحتلال. وقد تناقلت منصّات إخبارية دولية مضمون التقرير على نطاق واسع. تستند إدارة IDFA في قرارها إلى وثيقة “المبادئ والإرشادات” التي نشرتها أخيراً لتوضيح “الموقف السياسي الاستراتيجي” للمهرجان في “أزمنةٍ شديدة الاستقطاب”. تنصّ الوثيقة صراحةً على أنّ الأفلام أو المشاريع التي لها روابط مُثبتة بحكوماتٍ “تُسهم في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” يُستبعد اختيارها، وأنّ “الوفود الرسمية أو المؤسسات التابعة لتلك الحكومات” لا تُمنح اعتماداً، فيما يُبقي المهرجان الباب مفتوحاً أمام مشاركة الأفراد وفق تقييم موضوعي. وتشرح فرنانديز أنّ التعامل مع السينما الإسرائيلية يجري “حالةً بحالة”، مُذكِّرة بأنّ IDFA اختار في دورة 2024 فيلمَين إسرائيليَين حصلا على تمويل حكومي لكنهما عالجا موضوعات نقدية حساسة: “قواعد الحجر” (Rule of Stone) لدانا إيلون، و”محاضر 1957″ (The 1957 Transcripts) لأيليت هيلر حول مجزرة كفر قاسم. في المقابل، ترى ميخال فايتس، المخرجة والمنتجة الوثائقية التي تتولى إدارة “دوكأفيف”، أنّ تصويرَ مهرجانها بوصفه “متواطئاً” مع انتهاكاتٍ مزعومة أمرٌ “غير صحيح”، مؤكدةً أنّ “دوكأفيف” مستقلٌّ برمجياً رغم حصوله على نحو ربع ميزانيته من المال العام، وأنه قدّم عبر سنوات أفلاماً تنتقد الحكومة والحرب والاحتلال. وتقول فايتس إنها تلقّت عرض اعتمادٍ شخصي من مهرجان أمستردام ورفضته كي لا تشرعن ما تعتبره سياسة غير عادلة. خلفية القرار لا تنفصل عن مناخ المقاطعة السينمائية المتصاعد في 2025. فقد أطلقت مجموعة “عاملون سينمائيون من أجل فلسطين” (Film Workers for Palestine) تعهّداً بمقاطعة المؤسسات الإسرائيلية “المتورّطة في الإبادة والفصل العنصري”، ووقّعه آلاف العاملين في الصناعة، بينهم أسماء هوليوودية بارزة كإيما ستون وواكين فينيكس ومارك رَفالّو وغيرهم. تتباين تقديرات الأعداد بين أكثر من ثلاثة آلاف إلى أكثر من خمسة آلاف توقيع مع توسّع الحملة خلال سبتمبر/أيلول، لكنّ إجماع التغطيات أنّها بلغت آلاف الأسماء وأطلقت نقاشاً واسعاً في هوليوود. وتؤكد إدارة مهرجان أمستردام أن وثيقة “المبادئ والإرشادات” سابقةٌ لحملة المقاطعة، وأن القرار نابع من “نقاشٍ داخلي” ممتد منذ دورة 2023 المضطربة (الدورة التي تلت بدء حرب الإبادة في غزة)، حين شهد حفل الافتتاح رفع لافتة تتضمن شعار “من النهر إلى البحر” وما تلاه من اعتذاراتٍ رسمية وانسحاباتٍ واتهامات متبادلة داخل المشهد السينمائي. سجال تلك الدورة يوثّق اعتذار المهرجان وشرحه لملابسات ما حدث، قبل أن يتحوّل السجال إلى اختبارٍ مفتوح لحدود حرية التعبير في الفعاليات الثقافية الكبرى. على صعيدٍ موازٍ، تُفيد إدارة المهرجان بأنها تعوِّل، ضمن أدوات تقييمها للسياقات الوطنية، على مؤشر حرية الصحافة العالمي الصادر عن “مراسلون بلا حدود” (RSF)، مع اهتمامٍ خاص بالطلبات الواردة من دولٍ تقع في أدنى فئتين (“صعبة” و”حرجة جداً”). وفق إصدار 2025، تراجعت إسرائيل إلى المرتبة 112 عالمياً، مع إشاراتٍ إلى تقلّص حرية الإعلام والتعدّدية والاستقلال التحريري، وارتفاع أعداد الصحافيين القتلى في غزة. ولا ينحصر تشدّد المهرجان بإسرائيل وحدها. فبحسب إداراته الحالية والسابقة، سبق أن رفض أعمالاً مدعومة من مؤسسات رسمية إيرانية وروسية، واتّخذ مواقف حذرة تجاه وفودٍ حكومية من دولٍ تُسجِّل تراجعاً فادحاً في حرية التعبير. هذا الاتساق المعلن في المعايير تقابله مرونةٌ انتقائية حين ترى لجنة البرمجة أنّ “الموضوع النقدي” يبرّر الاختيار، كما في حالتَي فيلمي 2024 المذكورين. انعكاسات القرار الهولندي تظهر أيضاً في المجال الثقافي الأوسع. ففي سبتمبر/أيلول، أعلن التلفزيون الهولندي العام AVROTROS أنّه سيقاطع “يوروفيجن 2026″ إذا سُمح لإسرائيل بالمشاركة، في خطوةٍ تتقاطع مع سرديةٍ مدنيةٍ وسياسيةٍ تتشدّد في انتقاد سياسات تل أبيب منذ حرب غزة، وتؤكد هيئات إعلامية أن قرارها مشروطٌ بـ”القيم الأساسية للمسابقة” في ظل “المعاناة الإنسانية المستمرّة”. وتصّر إدارة المهرجان أنها تدفع باتجاه ترسيم خطٍّ فاصل بين “الأفراد” و”المؤسّسات” حين ترتبط الأخيرة مباشرةً بميزانيات حكومية لدولٍ متهمةٍ بارتكاب انتهاكات جسيمة. بهذا المعنى؛ يعلن المهرجان أنّه لا يُقاطع المخرجين/ات الإسرائيليين أفراداً، وأنّهم “مرحّبٌ بهم” للتقديم والمشاركة متى انطبقت المعايير الفنية والمؤسسية، فيما تُحجَب الاعتمادات عن “الوفود الرسمية” و”المؤسّسات المتصلة بالدولة”.