500 مليون دولار لإنشاء قاعدة أميركية في غزة

4٬569

المرفأ- بعد اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشروع قرار أميركي يقضي بإرسال بعثة استقرار دولية إلى قطاع غزة، تخطط واشنطن اليوم لإنشاء قاعدة عسكرية لها على حدود مدينة الحرب المدمرة، في خطوة من شأنها تعزيز الحضور العسكري الأميركي في الشرق الأوسط من بوابة غزة.

 

منذ نشأة إسرائيل في عام 1948، منحت الولايات المتحدة لتل أبيب تصنيف “شريك رئيس في المنطقة”، وتربط بين البلدين علاقة قوية جداً يتخللها تعاون ضخم في شتى المجالات، وبسبب ذلك لا ترى واشنطن أنها بحاجة إلى قاعدة عسكرية لها في المنطقة.

 

خطوات الوجود الأميركي في غزة

 

لكن بعد التغييرات التي أحدثتها أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 تبدلت الاهتمامات، إذ رفع الرئيس دونالد ترمب شعار “أميركا أولاً”، فيما بات ينادي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشعار “الشرق الأوسط الجديد”، وبسبب هذا التوجه الجديد باتت واشنطن بحاجة إلى قاعدة لها في مناطق تدخلاتها الجديدة.

 

في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، أنشأ الجيش الأميركي رصيفاً عائماً قبالة ساحل غزة وكان الهدف المعلن تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، لكن واشنطن اسنتجت بسرعة أن البحر لا يساعدها في التمركز داخل المنطقة، فاضطرت إلى تفكيكه.

 

في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، وضعت الولايات المتحدة خريطة طريق مكتملة الأركان تعزز نفوذها في الشرق الأوسط وأيضاً من بوابة غزة، إذ أعلن الرئيس ترمب أنه يريد لغزة أن تصبح ولاية أميركية، حينها قال “سنتولى السيطرة على قطاع غزة، سنستولي على تلك القطعة ونطورها، ونوجد آلاف وآلاف من الوظائف، وستكون شيئاً يمكن للشرق الأوسط بأكمله أن يفخر به، سنحولها موطناً لشعوب العالم”.

 

بعد ذلك أعلن ترمب خطة السلام والازدهار في غزة، وأوقف الحرب وأنشأ مركز التنسيق المدني العسكري، الذي نشرت فيه الولايات المتحدة ما يصل إلى 200 جندي يعملون على حدود القطاع.

 

الخطوة التالية، كان تشريع مجلس الأمن إرسال قوة مهمات واستقرار داخل غزة، وأخيراً تخطط الولايات المتحدة لإنشاء قاعدة عسكرية لها في قطاع غزة، في خطوة هي الأولى تاريخ العلاقات الإسرائيلية – الأميركية.

 

قاعدة عسكرية

 

بحسب المعلومات المتوافرة، فإن الولايات المتحدة قررت، بعد اعتماد مجلس الأمن مشروع قرار إنشاء مجلس سلام عالمي يهتم بغزة وإرسال بعثة استقرار دولية في القطاع، إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من غزة قادرة على استيعاب 10 آلاف جندي.

 

ويفيد الموقع الإلكتروني الإخباري الإسرائيلي “شومريم” بأن أميركا تخطط لإنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في منطقة غزة، من ضمن مهماتها الإشراف على وقف إطلاق النار وتوفر مساحة عمل مكتبية تبلغ 10 آلاف قدم مربعة، ويقدم داخلها الطعام والمياه وشبكة اتصالات موثوقة وعيادة طبية، وقادرة على إدارة النفايات وتوليد الطاقة، فيما تبلغ الكلفة التقديرية نحو 500 مليون دولار.

 

ترفض الولايات المتحدة إدخال قواتها داخل غزة في الفترة الحالية، وعلى رغم ذلك بدأت، بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، بدراسة مواقع محتملة داخل القطاع لإقامة القاعدة العسكرية الجديدة.

 

أهداف أخرى للقاعدة

 

إلى جانب كونها قاعدة عسكرية، فإن لهذه الخطوة أهدافاً أخرى، من بينها تعزيز السيطرة الأميركية على إدارة القطاع ودعم وقف إطلاق النار وإدارة العمليات العسكرية والإنسانية في القطاع، والإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، إذ ستتولى الولايات المتحدة السيطرة الكاملة على إدارة المساعدات، بينما ستكتفي إسرائيل بدور هامشي عبر منسق أنشطة الحكومة في الأراضي الفلسطينية، كما تعزز القاعدة الردع المشترك ضد أي تصعيد، مع إبقاء إسرائيل الشريك المهيمن على الأرض.

 

في الواقع، جاءت فكرة إنشاء القاعدة العسكرية بناء على خطة ترمب التي تنص على تشكيل قوة دولية في القطاع، وتمكين جهود إعادة الإعمار من العمل داخل القطاع، وهذا ما أوضحه المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية تيم هوكينز الذي قال “الجيش الأميركي يعمل مع شركاء عسكريين دوليين لتطوير خيارات محتملة لتمركز القوات الدولية، التي ستكون جزءاً من قوة الاستقرار الدولية في غزة”.

 

ووفقاً للمعلومات، فإن هذه المنشأة العسكرية ستكون مركز إيواء القوة الدولية، إذ يمكن استخدامها من قوة الاستقرار الدولية، التي من المفروض أن تنتشر في غزة مطلع عام 2026.

 

تحول في خريطة النفوذ

 

يقول المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل “الخطوات الأميركية التي تخطط لإقامة قاعدة عسكرية في غزة تمثل تحولاً استراتيجياً عميقاً في سياسة الولايات المتحدة والإسرائيلية على حد سواء، بما قد يؤدي إلى إعادة رسم خريطة النفوذ، ويمثل تحولاً في دور واشنطن بالمنطقة”.

 

ويضيف “ستجعل القاعدة المركز الأميركي المسؤول الأساس عن النشاط في غزة، مع تراجع مكانة إسرائيل كفاعل رئيس، على رغم أن تل أبيب بذلت كل ما في وسعها للحد من التدخل الدولي في الأراضي الفلسطينية، ولكن هذه الخطوة تعني تدويل قطاع غزة”.

 

ويوضح هرئيل أن إنشاء القاعدة يرمز إلى إصرار واشنطن على زيادة تأثيرها المباشر في غزة، على رغم أن وجودها العسكري في إسرائيل محدود للغاية، لذلك ستكون هذه أول منشأة عسكرية أميركية واسعة النطاق في إسرائيل، وتعد تعبيراً عن زيادة التزام واشنطن بترسيخ الاستقرار.

 

تبعية إسرائيل

 

يقول الباحث السياسي عزام أبو العدس “ترى إسرائيل في القاعدة العسكرية مكسباً أمنياً، وتشكل نقلة نوعية في العلاقات بين الجانبين، وفيها حماية لتل أبيب من أي تهديد إيراني، كما توفر لواشنطن منطقة عمل حرة من دون أي التزامات، لأن ترمب يعتقد أن أرض غزة ليست لأحد”.

 

ويضيف “على رغم تلك المميزات إلا أن هناك فريقاً إسرائيلياً يرى في القاعدة العسكرية الإسرائيلية مؤشراً على تراجع استقلال القرار الإسرائيلي وتحوله إلى أداة بيد ترمب، ويكشف عن حجم تبعية إسرائيل السياسية والعسكرية للولايات المتحدة”.

 

ويشرح أبو العدس “إسرائيل كانت دائماً حريصة على أن تصور نفسها شريكاً للولايات المتحدة لا تابعة لها، إنما هذه القاعدة تعمق مسألة التبعية”، ولكنه يشير إلى أن للقاعدة العسكرية تأثيراً في خريطة التحالفات في المنطقة، وستحدث أثراً واسعاً في توازنات التحالف في المنطقة”.

 

مواقف رسمية

 

بصورة رسمية تقول متحدثة البيت الأبيض كارولين ليفيت “الإدارة الأميركية لم توافق بعد على خطوة إنشاء قاعدة عسكرية قرب غزة، لكن لحد اللحظة الرئيس ترمب لا يريد أن يرى جنوداً أميركيين في الشرق الأوسط، لكي نكون واضحين لن تنشر أية قوات أميركية في غزة في المرحلة الحالية”.

 

أما من جانب إسرائيل، فإن المتحدث باسم الجيش نداف شوشاني يعلق قائلاً “لا يوجد شيء ملموس حتى الآن، نحن نعمل جنباً الى جنب مع الأميركيين وشركاء مختلفين في شأن مستقبل غزة، وهناك أفكار مختلفة مطروحة على الطاولة”.

 

وبالنسبة إلى “حماس”، فإن القيادي فيها أسامة حمدان يقول “الحركة ستتعامل مع أية قوة أو قاعدة عسكرية ستدخل لغزة على أنها قوة احتلال ترتبط بإسرائيل، الغزيون لا يقبلون المساومة على الحقوق والثوابت”.

قد يعجبك ايضا