ترامب والصين.. واشنطن تسقط “التحدي الأعظم” من استراتيجيتها الأمنية

3٬364
المرفأ- تشير استراتيجية الأمن القومي الجديدة، التي أعلنها البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي، إلى نهج أكثر ليونة في التعامل مع بكين، وفق ما أوردته صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقالت الصحيفة إن الاستراتيجية الجديدة تقلل من أهمية الاختلافات الأيديولوجية بين القوتين العظميين، وتمثل قطيعة مع السنوات التي كانت فيها الصين تُعتبر التحدي الأعظم الذي تواجهه الولايات المتحدة.
وأصدرت إدارة الرئيس دونالد ترامب، يوم الجمعة، وثيقةً طال انتظارها، من 30 صفحة، تُحدد أولويات السياسة الخارجية لواشنطن.
وتنتقد الوثيقة بشدة حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا، مع التأكيد على الأهمية القصوى للأمريكيتين في نهج البيت الأبيض “أمريكا أولًا”.
وفي عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، صُنفت الصين صراحةً على أنها التحدي الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية.
وكانت تلك الإدارة صريحة بشكل خاص في دعمها لتايوان، الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تعهدت بكين بالسيطرة عليها بالقوة إذا لزم الأمر.
“المنافسة الاستراتيجية”
وتحافظ استراتيجية الأمن القومي الجديدة على لغة “المنافسة الاستراتيجية” عند مناقشة وضع تايوان، وتدعو إلى العمل بشكل أوثق مع الشركاء والحلفاء في المحيط الهادئ لردع أي محاولة للاستيلاء على تايوان.
لكن الوثيقة تقلل أيضًا من الخلافات الأيديولوجية بين الولايات المتحدة والصين، وتضع بدلًا من ذلك الاقتصاد والتجارة في مقدمة العلاقة.
ولم تذكر الوثيقة الصين إلا مرات معدودة، ويكاد يكون حصريًا فيما يتعلق بالعلاقة الاقتصادية.
كما تتضمن الوثيقة إشارات غير مباشرة أخرى إلى الصين ، مثل ذكر منافسين للولايات المتحدة من خارج نصف الكرة الغربي لم دون تسميتها.
والأمر الأبرز لبكين، هو أن وثيقة البيت الأبيض أسقطت تصريح إدارة بايدن بأن الولايات المتحدة “لا تدعم استقلال تايوان”.

وفي المجمل، فإن الوثيقة الجديدة تمثل ما قد يعتبره قادة بكين “تحولًا إيجابيًا نسبيًا في الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة”، وفق قول أستاذة الدراسات الصينية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن، جيسيكا تشين فايس.
وأشارت فايس، التي قدمت المشورة لوزارة الخارجية في عهد بايدن، على وجه الخصوص، إلى حقيقة أن وثيقة الاستراتيجية لا تسمي الصين التحدي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة، كما فعل البيت الأبيض في عهد بايدن عام 2022.
“أرضية تفاوضية”
من جانبه، قال ريان فيداسيوك، الباحث في معهد أمريكان إنتربرايز، وهو مركز أبحاث محافظ: “تتعامل بكين مع كل التزام أمريكي مكتوب على أنه أرضية تفاوضية”.
وأضاف أن استراتيجية الأمن القومي “تحدد الأساس الذي تتفاوض منه بكين، وهو الأساس الذي انطلق منه”.
وقال فيداسيوك إن ما يعتبره تخفيفًا لموقف الولايات المتحدة – من موقف “يعارض” التغييرات الأحادية الجانب للوضع الراهن بشأن تايوان خلال سنوات بايدن، إلى موقف “لا تدعم” فيه الولايات المتحدة أي تغيير أحادي الجانب في وثيقة ترامب الجديدة – سوف يُرحب به في بكين.
وقال فيداسيوك، المسؤول السابق في وزارة الخارجية والذي يدرس أيضًا في جامعة جورج تاون: “إن بكين سوف تستغل هذا التنازل وتستخدمه كنقطة انطلاق للمفاوضات المقبلة، وتطلب قدرًا أكبر من المرونة”.
إخفاقات سياسات بايدن
وبحسب الصحيفة، تتجنب وثيقة الاستراتيجية الجديدة لغة بايدن المفضلة المتمثلة في الحفاظ على نظام دولي “قائم على القواعد” – وهو مصطلح ظهر ما لا يقل عن ثماني مرات في ورقة عام 2022.
وتظهر العبارة مرة واحدة فقط هذه المرة، بنبرة سخرية، لانتقاد ما يسميه البيت الأبيض في عهد ترامب إخفاقات سياسات عهد بايدن.
ويُخصّص البيت الأبيض أشد انتقاداته لأوروبا، وما يصفه بتراجع “الثقة الحضارية الغربية بالنفس”.

وقد تُؤثر هذه النبرة اللاذعة تجاه حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا سلبًا على شركاء واشنطن في آسيا، حيث لطالما شكلت القوات والتحالفات الأمريكية ركيزةً أساسيةً لأمن المنطقة.
لكن على جبهات أخرى، هناك أدلة تشير إلى أن موقف السياسة الخارجية الأكثر تقليدية بشأن الحفاظ على التحالفات لا يزال في صالح الولايات المتحدة، رغم زيادة التعريفات الجمركية والسياسات التجارية الأكثر صرامة التي تستهدف شركاء الولايات المتحدة في طوكيو وسول وتايبيه، فضلًا عن المطالبات بتحمل المزيد من عبء الدفاع عن أنفسهم.
وتدعو الوثيقة صراحةً إلى العمل مع الحلفاء والشركاء الإقليميين “لمنع أي محاولة للاستيلاء على تايوان، أو تحقيق توازن قوى غير مواتٍ لنا يجعل الدفاع عن تلك الجزيرة مستحيلًا”.
كما تُشدد على أهمية المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، والتي تتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسق السياسة البحرية في المحيط الهادئ.
وقد نددت بكين بهذه المجموعة باعتبارها محاولةً لاحتوائها.
وبشكل عام، ينصب تركيز الاستراتيجية الجديدة على الصين، وبشكل أساسي على التجارة، التي تصفها وثيقة ترامب بأنها “الرهانات النهائية” في آسيا.
وترسم إدارة ترامب صورة لعلاقات تجارية ثنائية تحولت على مر العقود إلى علاقات كانت فيها الولايات المتحدة والصين “قريبة من بعضهما”.
وفي حين تندد بالممارسات التجارية للصين، فإنها تشير أيضًا إلى آمالها في إقامة “علاقة اقتصادية مفيدة للطرفين مع الصين”.
ووفق تقرير الصحيفة، تتماشى هذه الوثيقة مع محاولات ترامب، في ولايتيه الأولى والثانية، لإعادة صياغة العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وتتعهد الوثيقة بالعمل مع الحلفاء والشركاء الإقليميين “لمواجهة الممارسات الاقتصادية الجشعة” و”ضمان عدم خضوع الاقتصادات الحليفة لأي قوة منافسة”.

قد يعجبك ايضا