وثيقة مسرّبة الرئيس الامريكي يسعى لخروج أربع دول من الاتحاد الأوروبي.

5٬499

المرفأ- تزعم وثيقة مسرّبة أن الولايات المتحدة تعمل على دفع أربع دول أوروبية هي؛ إيطاليا، النمسا، بولندا والمجر، بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي، ضمن توجّه مرتبط بخطة غير معلنة تُعرف إعلاميًا باسم «اجعلوا أوروبا عظيمة مجددًا».

وتُوصَف الوثيقة بأنها مسودة موسّعة وسرّية من استراتيجية الأمن القومي الأميركية (NSS)، تتجاوز مضمون النسخة العلنية التي نُشرت في 4 ديسمبر/كانون الأول 2025.

النسخة الرسمية من الاستراتيجية، التي تُقدَّم تقليديًا إلى الكونغرس مع كل إدارة جديدة، وصفت أوروبا بأنها قارة «في حالة تراجع»، محذّرة من خطر «محو حضاري» نتيجة سياسات الهجرة، وما سمّته «الرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية». غير أن مسودة أطول، لم تُنشر رسميًا وتداولتها دوائر إعلامية قبل الإعلان، تذهب بحسب منصة Defense One إلى أبعد من ذلك، إذ تقترح مسارًا أميركيًا نشطًا للتأثير في تماسك الاتحاد الأوروبي نفسه.

ووفقًا لما نُقل عن هذه المسودة، تُدرج الدول الأربع باعتبارها دولًا ينبغي للولايات المتحدة «العمل معها بشكل أعمق بهدف سحبها بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي». ورغم أن البيت الأبيض نفى بشكل قاطع وجود أي نسخة بديلة أو سرّية من الاستراتيجية، فإن مضمون التسريب أثار قلقًا واسعًا في العواصم الأوروبية، وفتح تساؤلات مباشرة حول نوايا واشنطن تجاه مستقبل الاتحاد.

 

وأثار نشر استراتيجية الأمن القومي الأميركية ردود فعل أوروبية غاضبة، واعتبره عدد من القادة والمحللين خروجًا غير مسبوق عن تقاليد الشراكة عبر الأطلسي. وأكد البيت الأبيض تمسّكه بمضمون الوثيقة، معتبرًا أنها تعبّر بوضوح عن أولويات إدارة ترامب، التي ترى في بروكسل كيانًا يُضعف السيادة الوطنية ويقيد الحريات ويخلق عدم استقرار عبر سياسات الهجرة.

وفي موازاة ذلك، واصل ترامب هجومه العلني على ما يصفه بـ«سياسات الاتحاد الأوروبي المستيقظة»، معتبرًا أن القادة الأوروبيين «يدمّرون» بلدانهم عبر الهجرة الجماعية، وأن أوروبا «تتآكل» بسبب نخب «صحيحة سياسيًا».

لماذا هذه الدول الأربع؟

يرى خبراء أن اختيار هذه الدول ليس عشوائيًا. دانيال هيغيدوش، المدير الإقليمي لأوروبا الوسطى في صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، يشير إلى أن المجر تمثل الحالة الأوضح، نظرًا للعلاقة الوثيقة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يُعد من أكثر قادة الاتحاد الأوروبي تشكيكًا ببروكسل، وغالبًا ما يُنظر إليه كعامل تعطيل داخل المنظومة الأوروبية.

 

أما إيطاليا، فرغم الإعجاب العلني الذي يبديه ترامب برئيسة الوزراء جورجيا ميلوني وحزبها اليميني «إخوة إيطاليا»، يرى هيغيدوش أن واشنطن قد تقع في «سوء تقدير». فميلوني، رغم تقاطعاتها الأيديولوجية مع أوربان، لم تتصرف كقوة معرقلة داخل الاتحاد، بل تبنّت نهجًا براغماتيًا يدرك أهمية الاتحاد الأوروبي لاستقرار إيطاليا الاقتصادي والسياسي.

وفي بولندا والنمسا، لا تحكم حاليًا حكومات يمينية شعبوية، لكن الأحزاب القومية والمتشككة بالاتحاد لا تزال ذات وزن كبير. ففي النمسا، يتصدر حزب الحرية اليميني المتطرف المشهد الانتخابي، بينما فاز في بولندا كارول ناوروكي، المدعوم من حزب «القانون والعدالة» القومي المحافظ، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما يجعل البلدين بيئة محتملة لتوسيع النفوذ الأميركي مستقبلاً.يثير غياب دول مثل التشيك وسلوفاكيا عن القائمة تساؤلات إضافية، رغم أن البلدين يشهدان صعودًا لقوى شعبوية مشككة بالاتحاد. ويعزو هيغيدوش ذلك إلى الخلفيات الأيديولوجية لأحزاب الحكم هناك، التي لا تنتمي تقليديًا إلى اليمين القومي الشعبوي، ما يجعلها أقل انسجامًا مع الرؤية الأيديولوجية لإدارة ترامب، حتى وإن كانت سياساتها العملية قد تُضعف تماسك الاتحاد.

 

 

 

تفكيك تدريجي لا خروج مباشر

تحذّر ليزلي فينجاموري، الباحثة في تشاتام هاوس، من أن ما يجري لا ينبغي قراءته كمحاولة مباشرة لدفع دول بعينها إلى الخروج من الاتحاد، بل كجزء من مسار أوسع يهدف إلى إضعاف التكامل الأوروبي تدريجيًا. وتصف فينجاموري هذه اللحظة بأنها «رسم خط في الرمال»، في إشارة إلى تحوّل جذري في النظام الدولي والعلاقات الأميركية-الأوروبية.

 

ويرجّح خبراء أن الاستراتيجية تقوم على تشجيع الانقسامات، ودعم قوى سياسية تعارض قرارات بروكسل، ما يؤدي إلى تقويض قدرة الاتحاد على فرض سياسات موحدة، خصوصًا في ملفات حساسة مثل روسيا والطاقة وأوكرانيا. ويشيرون إلى أن تكرار حالات عدم الالتزام بقرارات مشتركة كما في موقف المجر من الطاقة الروسية قد يحوّل الاتحاد الأوروبي إلى كيان أقل تماسكًا وأكثر عرضة للتآكل الداخلي، وفقا لموقع dw.

قد يعجبك ايضا