تأهُّل “العجمي” و “السبيعي” في أولى أمسيات مرحلة الـ”24″ من “شاعر المليون”
المرفأ- أبوظبي، 24 ديسمبر 2025
شهد مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي مساء أمس “الثلاثاء”، منافسات أولى أمسيات مرحلة الـ”24” من برنامج “شاعر المليون” في موسمه الثاني عشر، الذي تنتجه هيئة أبوظبي للتراث تحت شعار “قصيدنا واحد”، في إطار إستراتيجيتها الهادفة إلى صون التراث الأدبي والشعري، وذلك بعد اكتمال عقد المتأهلين من المرحلة السابقة التي جرت منافساتها في ثماني حلقات خلال الشهرين الماضيين وانتهت بحصول أربعة وعشرين شاعراً على فرصة إكمال مشوار المسابقة عبر مراحلها المتبقية.
حضر الحلقة التي بُثَّت مباشرة عبر قناتي “أبوظبي” و”بينونة”، معالي فارس خلف المزروعي رئيس هيئة أبوظبي للتراث، وسعادة عبيد خلفان المزروعي المدير التنفيذي لقطاع المهرجانات والفعاليات في الهيئة، وسعادة محمد جمعة المنصوري المدير التنفيذي لقطاع الخدمات المساندة في الهيئة، وعدد من المسؤولين، إلى جانب عضوي اللجنة الاستشارية للبرنامج تركي المريخي وبدر صفوق، وجمهور من الإعلاميين ومحبي الشعر النبطي.
وأعلنت لجنة التحكيم المكونة من الدكتور سلطان العميمي، والدكتور غسان الحسن، وحمد السعيد، تأهُّل الشاعرين عبد الله محمد العجمي من الكويت، وعبد المجيد صقر العزّة السبيعي من السعودية إلى المرحلة التالية، بنتيجة 49 درجة من 50 للعجمي، و48 درجة للسبيعي. وفي بقية النتائج حصل مصعب بن علي الفطيسي على 47 درجة، وحصل كل من محمد مناور النفيعي، ومحمد نايف الشاطري المطيري على 45 درجة، فيما حصل علوان چلوب الشمري على 40 درجة، في انتظار تأهُّل أحدهم إلى المرحلة التالية بتصويت الجمهور خلال هذا الأسبوع عبر الموقع الإلكتروني والتطبيق الخاص ببرنامج “شاعر المليون”.
كما أُعلن في بداية الحلقة التي قدمها الإعلاميان فيصل الجاسم وسلامة المهيري، عن تأهُّل الشاعر عامر العايذي من السعودية إلى المرحلة التالية بتصويت الجمهور في الحلقة السابقة، وحصل على 92 درجة من 100، هي مجموع درجات لجنة التحكيم ودرجات تصويت الجمهور من آخر أمسيات مرحلة الـ”48″.
وأوضحت لجنة التحكيم إضافتها معياراً جديداً للمنافسة في مرحلة الـ”24″، إذ أبان الدكتور سلطان العميمي أنه سيكون مطلوباً في كل حلقة من حلقات هذه المرحلة من كل شاعر كتابة ثلاثة أبيات مجاراة لواحد من شاعرين يتم تحديدهما لكل حلقة، لتتم المجاراة على ذات الوزن والقافية والموضوع لقصائد المجاراة التي تحددها اللجنة، وذلك خلال النصف الثاني من الحلقة.
وبدأت منافسات الحلقة مع المتسابق عبدالله محمد العجمي من الكويت بقصيدته التي قالها في والده الأبكم الذي لا يفهم معاناته ويشرح ما في خاطره إلا ابنه، عبر تعابير وإشارات خاصة. ووصفها الدكتور غسان الحسن بالجميلة بما ذهبت إليه من المشاعر الإنسانية الكامنة، إذ استطاع الشاعر أن يصف المشاعر الجياشة الجميلة التي تحيط بمثل هذه الحالات، فكان تصويره جميلاً لحالة من أجمل الحالات الإنسانية في قصيدة نعَتَها الدكتور الحسن بالقصيدة الناطقة بما حوته من دقة وصف لتعابير وجه الوالد وعيونه ويديه، والتي عكس الشاعر فيها فهمه الدقيق للغة هذه التعابير.
ورأى الدكتور سلطان العميمي في القصيدة ملحمة شعرية مكثفة، ممتدحاً فكرتها التي حوت خصوصية وتعبيراً إنسانياً راقياً، مشيراً إلى جمال توزيع القصيدة ما بين الصمت والكلام بتناغم عجيب، استطاع معه الشاعر عرض كل من الصمت والكلام في أكثر من وجه وحالة، إلى جانب عرضه للتواصل البصري في لغة العيون، وكذلك التواصل عبر أشكال أخرى من لغة الجسد، لافتاً إلى ما في القصيدة من رحلة عجيبة للشاعر مع والده اتضحت عبر أبيات القصيدة منذ بدايتها، وكذلك إلى استخدام الشاعر لضمير الغائب الذي يتحدث فيه عن والده ولا يخاطبه لمعرفته بحاله، في توظيف ذكي وجميل يتقاسم معه الحال، حاضراً بحال ذاته مع والده الذي يرى ولا يسمع.
وأثنى حمد السعيد على ما لدى الشاعر من حضور وإلقاء وتفاعل مع أبيات القصيدة، معتبراً أن النص كُتب بشاعرية فذة، ودراما استثنائية، وبمفردات جميلة، واصفاً أسلوب النص بالسهل الممتنع الذي منح القصيدة جمالها وأوصل شعور الشاعر بأدق التفاصيل، موضحاً أن هذا الأسلوب يُعَد من أجمل أساليب كتابة الشعر.
وفي قصيدة المتسابق الثاني عبد المجيد صقر العزة السبيعي من السعودية “يوميات أب”، أثنى الدكتور سلطان العميمي على القصيدة التي تتحدث عن معاناة كل أب بتكثيف شعري، واصفاً القصيدة بقصيدة التفاصيل، لارتكازها إلى أكثر من محور، منها الاهتمام بأدق التفاصيل والالتقاطات، وكذلك التصوير الذي جعل من النص نصاً رفيع المستوى بعيداً عن الغموض قريباً من النفس، عميقاً بليغاً في دلالاته، ممتدحاً خلوّ القصيدة من لغة الحوار، بما جعلها تمثل فيلماً صامتاً يغيب عنه الكلام ليجسد الصمت الذي يعيشه الأب في يومه.
واعتبر حمد السعيد أن الشاعر تميز بحضوره المبدع بنصه الجميل، وأثنى على استخدامه الثري للمحسّنات البديعية، من جناس وطباق وتشبيه، وكذلك التصوير الذي ارتكز إلى توظيف ذكي لمفردات أصيلة من بيئة الشاعر. فيما أشار الدكتور غسان الحسن إلى المشاعر الإنسانية التي زخرت بها القصيدة ما أبعدها عن التكلف، وجعلها تنطق بالجمال الذي ذهب الشاعر فيه إلى كثير من وسائل التصوير الجميلة، مرتكزاً في تصويره بوضوح إلى أسلوب التشبيه وليس الاستعارة، موظفاً أحسن توظيف المحسّنات البديعية، من جناس وطباق ومقابلة، ما أضاف إلى جمال القصيدة.
وحملت قصيدة المتسابق الثالث علوان جلوب شرابي من العراق عنوان “حياءٌ تلظى”، إذ أتت على ذكر قصة واقعية لحشمة امرأة قضت في حريق سيارتها، ثم تم تخليد قصتها. وأشار حمد السعيد إلى ما في القصيدة من ألم وما تم فيها من توظيف للاستعارات الدينية والتراثية. ورأى الدكتور غسان الحسن أن القصيدة حوت كثيراً من التصاوير الجميلة، وتنوعاً وسعة في مفردات اللغة. فيما أشار الدكتور سلطان العميمي إلى المباشرة في لغة الشاعر في قصيدته في مواضع عدة، مؤكداً أهمية عدم تغليب الموضوع على المستوى الفني في القصيدة، وكذلك أهمية الصور الشعرية والتكثيف الشعري الذي ينأى بأي شاعر عن الحشو والمباشرة.
وألقى المتسابق الرابع محمد مناور النفيعي من السعودية قصيدته “غصون قلبي”، فوصفها الدكتور غسان الحسن بالثراء في التصوير الشعري الجميل الرفيع بشاعريته، ممتدحاً توظيفه للمحسّنات البديعية مثل الجناس والطباق. وامتدح الدكتور سلطان العميمي ما في القصيدة من نفَس عاطفي، لافتاً إلى البيئة التي استخدمها مسرحاً لقصيدته فوصفها بدقة منطلقاً من فضاءاتها ليتحدث عن معاناته، موضحاً تأثيرها على الصور الشعرية التي حوتها القصيدة. واعتبر الدكتور العميمي أن موضوع القصيدة متماسك، إذ بدا التوازن في الحالة الشعورية واضحاً، فيما اعتبر حمد السعيد الشاعر ذا حضور متفرد، مشيراً إلى ما وصفه بالابتكار لدى الشاعر وذهابه إلى ما يميزه عن غيره، بلجوئه إلى ما هو غير مألوف لدى الشعراء، وابتعاده عما هو جاهز في الساحة الشعرية من قوالب شعرية ومصطلحات، مستشهداً بأمثلة تدلل على ذلك.
وقدم المتسابق الخامس محمد نايف الشاطري المطيري من الكويت قصيدته “بين الحلم والفراق”، فامتدح الدكتور سلطان العميمي القصيدة في وصفها أكثر من حالة شعورية، ضمت مجموعة من التراكيب في الأفكار استطاع معها الشاعر أن ينسج بينها بشكل جميل واحترافي، مشيراً إلى ما في القصيدة من التصويرات والتوظيفات الذكية، إذ هي مليئة بالتصاوير الشعرية المميزة والمحسنات البديعية واستخدام أساليب مثل الأنسنة، معرباً عن إعجابه بحالة التناقض بين الشاعر وبين الأطراف الأخرى في القصيدة من الحاسدين وغيرهم، وكذلك بإحساس الشاعر الإنساني في التعامل بحكمة مع مختلف المواقف التي مر بها.
وأثنى حمد السعيد على حضور الشاعر، وعلى اختياره الموفق المتقن لقافية القصيدة، وامتدح امتداد الصورة الشعرية وجمالها، وكذلك الاقتباسات القرآنية. ووصف الدكتور غسان الحسن النص بالجميل، إذ احتوى كثيراً من الشاعرية الرفيعة والتصاوير الشعرية الجميلة، مشيراً إلى جمال روح الشاعر التي أكسبت القصيدة جمالاً، إذ سار كشاعر محاورة بروحه على الدرب نفسها لشعراء المحاورة، مبيناً عدداً من الكتل الشعرية التي تميزت بتماسكها لتعكس روح الشاعر وتؤكد تماسك القصيدة كلها.
وألقى آخر المتسابقين في هذه الحلقة مصعب بن علي الفطيسي من سلطنة عمان قصيدته التي أسماها “رحلة إلى 1852م”، نسجها لتخدم التاريخ بالشعر، ممتدحاً فيها دبي. وعدَّها حمد السعيد بالقصيدة الجميلة التي تحدثت عن معالم دبي الجميلة وحضارتها، وأثنى على خصوصية اللهجة، والفنون الجميلة التي تطرق إليها الشاعر فخدمت القصيدة.
وأشاد الدكتور غسان الحسن بذكاء الشاعر في انتقاء الموضوع، إذ هو من الالتقاطات التي تحسب للشاعر الذكي، موضحاً جمال خدمة التاريخ بالشعر، ولا سيّما إذا كان ذلك متقناً، وذلك لأنه يصل إلى المشاعر والأذهان معاً، وامتدح الاستلالات الجميلة الخفية للآيات القرآنية، موضحاً أن القصيدة لم ترتكز إلى التصوير الشعري التقليدي، وإنما ارتكزت إلى صواب الكلمة في محلها، أيْ إلى العبارة الشعرية السليمة، فخلت تماماً من الحشو، ما عدَّها من الكفاءات الجميلة التي وجدها في الشاعر.
وتوقف الدكتور سلطان العميمي عند بعض الزوايا الكثيرة التي يمكن تناول القصيدة منها ونقدها وتحليلها، مبتدئاً بأول كلمة اختارها الشاعر لنسج قصيدته، لما تحمله من الظلال الدينية، مشيراً إلى استخدام الشاعر للكلمة نفسها خاتمة لكلمات القصيدة، وبدلالة مختلفة. وعن الجانب الفني أشاد الدكتور العميمي بالتصوير الشعري الذي لم يخلُ منه أيٌّ من أبيات القصيدة، وبالأسلوب الذي بنيت عليه القصيدة، إذ وصفه بالرحلة البحرية التي يحمل بها الشاعر المتلقي عبر جولات بصرية ومعنوية وتاريخية وفق بناء جميل جداً. وفي موضوع القصيدة أوضح الدكتور العميمي أنه من ميزات هذه القصيدة، وذلك بالهوية التي تضمنتها، إذ حوت أكثر من هوية؛ مثل هوية الشاعر، وهوية الإمارات، وكذلك الهويات المشتركة.
وفي المحطة الثانية من منافسات هذه الحلقة، تنافس الشعراء أمام لجنة التحكيم في مجاراة أشعار لكل من الشاعرين الإماراتيين؛ عبدالله بن سلطان بن سليّم الفلاسي، وعفراء بنت سيف المزروعي، وألقى كل شاعر أبياته التي قَرَضها أثناء الحلقة. وأبان الدكتور غسان الحسن أن الشعراء جميعهم أبدعوا، رغم التفاوت بينهم، وجاروا مجاريات صحيحة من حيث الأوزان والقوافي والموضوعات، مع تميز واحد منهم بذكر اسم الشاعر المجارى ومخاطبته. وأوضح الدكتور سلطان العميمي بأن الشعراء أبدعوا وتفوقوا في هذا الاختبار، رغم التفاوت في كيفية تكملة المجاراة، إذ أكمل بعضهم أبياته، فيما البعض كتب نصاً مستقلاً يجاري الموضوع. وكذا اتفق حمد السعيد مع زملائه في وصف الشعراء بالمبدعين في مجارياتهم.
وتخلل فعاليات الحلقة عرض لوحة استعراضية من الفنون الشعبية الإماراتية الأصيلة قدمتها فرقة أبوظبي للفنون الشعبية، بقيادة مبارك العتيبة، وروتْ قصة من واقع حياة البحر بتناغم صوتي للمؤدين في فن “الآهله” الذي يعتمد بالدرجة الأولى على قوة حناجر المؤدين ومخزونهم الشعري النبطي الأصيل، بعيداً عن أي أدوات إيقاعية أو لحنية. وقد نجحت دولة الإمارات حديثاً في إدراج هذا الفن كملف وطني ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو.
