«التسامح.. صمام أمان الإنسان والمجتمع»
المرفأ- ماذا لو استيقظ العالم صباحًا بلا تسامح؟ كلمة واحدة مختلفة قد تشعل شجارًا، فكرة مخالفة قد تتحول إلى عداوة، وخطأ صغير قد يصبح جدارًا لا يُهدم. التسامح ليس ترفًا أخلاقيًا نتحلى به عند الهدوء، بل هو صمام أمان للحياة حين تزدحم بالاختلافات. إنه القرار الصعب بأن نُبقي قلوبنا مفتوحة، حتى عندما تُغلق الأبواب في وجوهنا.
التسامح قيمة إنسانية عميقة، تقوم على احترام الآخر وقبول اختلافه في الرأي أو المعتقد أو الثقافة، دون إقصاء أو كراهية. وهو لا يعني التنازل عن المبادئ أو تبرير الخطأ، بل يعني التعامل مع الخلاف بعقلٍ حكيم وقلبٍ واعٍ. فالتسامح قوة داخلية تمكّن الإنسان من تجاوز الجراح، وتحرّره من أسر الغضب والانتقام.
في المجتمعات، يلعب التسامح دورًا محوريًا في تحقيق السلم الاجتماعي. فالمجتمع المتسامح هو مجتمع قادر على التعايش رغم تنوعه، وعلى تحويل الاختلاف إلى مصدر غنى لا سبب صراع. وحين يغيب التسامح، تنتشر النزاعات وتضعف الثقة، ويصبح العنف لغة بديلة عن الحوار. لذلك، تُعدّ ثقافة التسامح أساسًا لبناء أوطان مستقرة، يسودها العدل والتعاون.
أما على المستوى الفردي، فالتسامح ينعكس راحة نفسية وسلامًا داخليًا. الإنسان المتسامح لا يحمل الأحقاد في قلبه، ولا يستهلك طاقته في الكراهية. هو يدرك أن العفو ليس ضعفًا، بل شجاعة، وأن مسامحة الآخرين هي في حقيقتها إنقاذ للنفس قبل أن تكون إحسانًا للغير. وقد قيل إن التسامح شفاءٌ لا يراه إلا من جرّبه.
ويظهر التسامح بوضوح في تعاملنا اليومي: في المدرسة حين نقبل اختلاف زملائنا، وفي الأسرة عندما نغفر الزلات، وفي المجتمع عندما نختلف دون أن نتخاصم. كما أن وسائل التواصل الحديثة جعلت الحاجة إلى التسامح أكبر، إذ سهلت سرعة الحكم وقسوة الكلمة، فصار من الضروري أن نتحلّى بالحكمة قبل الرد، وبالإنصاف قبل الإدانة.
ولا يكتمل الحديث عن التسامح دون الإشارة إلى دوره في الأديان والقيم الإنسانية، حيث دعت جميعها إلى العفو، والعدل، والإحسان. فالتسامح ليس فكرة حديثة، بل مبدأ راسخ أثبت عبر التاريخ أنه الطريق الأقصر للسلام، والأبقى للأثر.
يظل التسامح هو اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع.. هو الجسر الذي نعبر به من الصراع إلى التفاهم، ومن الانقسام إلى الوحدة.
فإذا أردنا مستقبلًا أكثر إنسانية، فلنبدأ بزرع التسامح في نفوسنا؛ لأن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل.
بقلم: الدكتورة إيمان سماحة