جنرال جديد في عمق لعبة “الأمني – والسياسي” في الأردن… بسام بدارين

530

«الأولوية بعد سيادة القانون اليوم هي ترتيب البيت الداخلي»… تلك عبارة سياسية بامتياز، وتثير الدهشة والتوقع، عندما تصدر عن اللاعب الجديد أردنياً في تلك المساحة الضيقة التي تجمع الأمني بالسياسي. مدير الأمن العام الجديد في الأردن اللواء فاضل الحمود، وخلافاً للتوقعات وفي حديثه الإعلامي الأول بعد تعيينه قبل أيام تقصد بوضوح ألا يتحدث عن مشروع إعادة الهيكلة واستبدله بعبارة مهمة وحساسة بعنوان ترتيب البيت الداخلي.

أهم ما في تلك العبارة هو إقرارها الضمني بوجود أوراق مختلطة وأوضاع تستوجب الترتيب داخل مؤسسة الأمن العام، الذراع الشرطية الأساسية في البلاد المعنية بالتعامل مع الجمهور، حيث وعلى طريقة الأفلام الأمريكية، يقول الجنرال الحمود وهو أصلاً ابن جهاز الشرطة بأن المدينة فيها اليوم «قائد شرطة جديد».

الحمود يخلف تجربة تحظى بتوافق وطني بأنها كانت سلبية خدم فيها الجنرال أحمد الفقيه نحو عام فقط حيث اضطرت دوائر القرار للعودة مجددا إلى الوصفة التي تقول بتكليف خباز بإعداد الخبز وهو ما يؤشر على أن الجنرال الحمود الذي أحيل على التقاعد أصلاً سابقاً حتى لا ينافس أحدهم عاد إلى الإدارة كابن لمديرية الأمن العام يعرف زواياها وخباياها ويستطيع مواجهة التحديات.

وقد بدأ بصفحة شفافة، غير معتادة، وقال كلاماً قليلاً حتى اللحظة عن عدم وجود أمن ناعم او خشن، وعن طموحه بأن يصبح رجل الأمن الأردني من دون عصى او سلاح.

استلهم الرجل مضمون الورقة النقاشية الملِكية السادسة، عندما تحدث عن ثلاثية الحزم والعدالة وسيادة القانون، في إشارة إلى أنه تم تكليفه بهذا المحور سياسياً على الأقل. في مقاربات جنرال المدينة الأمنية الجديد في عمان الرقمية ثمة 1% من الأردنيين الذين يخالفون القانون، هؤلاء يقول الحمود إنه سيحاول مع رفاقه في جهاز الشرطة إعادتهم لمساحة المواطنة الصالحة وفي حال الفشل القانون موجود. مثل هذه اللغة جديدة من القادة الأمنيين في الأردن.

ومن الواضح أن الحمود حتى ينجح على الأرض وفي الواقع ينبغي أن يعمل بطريقة مستقلة فعلاً عن تأثيرات مراكز قوى او نفوذ متعددة، لأن المساحات والعقارات زادت ومعدلات نمو السكان تضاعفت كما يلمح. والأهم؛ هو الإقرار بأولوية اسمها ترتيب البيت الداخلي، وهذا يعني مواجهة إحدى لحظات الحقيقية التي يهرب البيروقراطيون والساسة والقادة في الأردن بالعادة من مواجهتها، حيث خطة ومشروع لم يكشف النقاب عن تفاصيله، ليس لضبط سلوك رجل الأمن بموجب القانون فقط، ولكن لتفكيك اي حالة فرضية يمكن أن تثير الاشتباه، وللتصدي لكل فلسفة وقوانين الاسترخاء والتطنيش الأمني. يريد الحمود بوضوح أن يبدأ بالأصعب والأهم… لا أحد يعرف كيف ومتى وعلى أي أساس يمكنه النجاح لكن البدايات تبدو توافقية ومثيرة للحماس.

وثمة من يزعم في القنوات الخلفية والضيقة للقرار بأن مسألة الأمن الداخلي في الأردن في بعدها الهيكلي والتأهيلي بدأت تناقش حتى ضمن زوايا التفاهمات الاستراتيجية السياسية بين الأردن وبعض الدول الصديقة للأردن.

أخفق الجنرال الفقيه هنا، ويبدو أن الجنرال الحمود بصدد خوض التجربة لأن تحديث وعصرنة العمل الشرطي في الأردن بات مهمة سياسية إقليمية بامتياز وليس محلية الطابع فقط. من هنا يمكن توقع مفاجآت وتفاصيل برغم أن العملية صعبة ومعقدة وليست بسيطة والتحدي كبير والأدوات منفلتة.

إعادة سلوك رجل الشرطة الأمني إلى المستوى القانوني هي المسألة التي يتحدث عنها حصريا الجنرال الحمود.. هنا ثمة تفاصيل كثيرة ومثيرة ومهمة ستعالج في إطار ترتيب البيت الداخلي او يفترض أن تعالج.

يعلم الجميع بالتوازي أن التحدي الأمني الأبرز في الداخل الأردني يتمثل في تلك القدرة على التعاطي مع القوى والمجموعات «المتنمرة» التي بدأت تفرض إيقاعها على المجتمع والدولة حيث ظاهرة فارضي الأتاوات ولصوص السيارات وحيث ضرب المستثمرين والاعتداء عليهم وشيوع ترويج المخدرات.

تلك قوى تشكلت بعد الربيع العربي في المجتمع وتنمرت قطعان من الزعران والبلطجية بعد استعانة بعض الاجتهادات الأمنية بهم في الشارع سابقاً حيث توازى الأمن الناعم مع الاستعانة بالبلطجية أحياناً. جنرالات عديدون تصرفوا من دون حزم مع هذه الظواهر الجرمية حتى نمت طبقة من الانحرافات المهنية وحتى تشكلت قوى ضغط على البنية الأمنية في المجتمع. بحيث زاد عدد المنحرفين وتضاعف عدد المتنمرين على القانون والناس كما تضاعفت المصالح.

الدولة قرعت جرس الإنذار منذ خمسة أشهر تقريباً، وهي تحاول مناقشة النمو الملموس في ظاهرة التنمر وفرض الخاوات على المحال التجارية والشركات، وفي الواقع حتى دول صديقة للأردن قرعت الجرس نفسه، إلى ان وصل الأمر إلى جنرال بمواصفات الحمود يعلن تدشين مرحلة «الضرب بيد من حديد» ومرحلة عدم وجود مناطق غير خاضعة للسلطة القانونية بعد شيوع تلك الثقافة التي تتحدث عن أحياء وقرى مستعصية على رجال الأمن خصوصاً شرقي وجنوبي عمان العاصمة. ما يمكن استنتاجه من قراءة ما بين أسطر تصريحات الجنرال الأردني الجديد هو ان المواجهة ستبدأ قريباً مع المتنمرين وشبكات البلطجة.

وهي مواجهة ستكون صعبة ومعقدة وتحتاج لجرأة كبيرة ليس فقط بسبب هؤلاء المنحرفين جنائيا، فهم أسهل ما في الأمر، ولكن بسبب التعقيدات التي يمكن ان تصل اليها حملة من هذا النوع، تتطلب مواجهة كل القوى التي توفر الحماية في المجتمع وغيره للمجموعات المتنمرة او تتغاضى عنها وهنا مربط الفرس.

القدس العربي

قد يعجبك ايضا