حسين المجالي يكشف عن اخطر ما تمر به الأردن هذه الأيــام
ثمة حقيقة أن الإشاعة واغتيال الشخصية يرتبطان بغياب المعلومات، وبما يعتقده المواطنون انه ضعف في محاربة ظاهرة الفساد على وجه الخصوص كما ينبغي وبالسرعة التي يريدونها.
وربما ذلك صحيح من حيث ضعف انسياب المعلومات للمواطنين من الحكومة واجهزتها المختلفة، أو تأخر أجهزة الدولة في التصريح وهو ما يعاكس التطور الحاصل في وسائل نشر المعلومات ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لم يعد هناك مركزية في النشر عندما أصبح بإمكان كل من يمتلك حسابا على فيسبوك أو تويتر أو غيرهما ان يكتب ما يشاء من أخبار ومعلومات.
نعلم أن ثمة نوعية من المعلومات يحتم الظرف أحيانا على المسؤول أن لا يصرح بها أمام الرأي العام لارتباطها بالأمن القومي، إلا أن ما يجب التنبيه إليه في معرض الحديث عن الإشاعة والتي بات البعض منها موسميا، أن يتوقف مُصدر الإشاعة أو متلقيها للتفكير قليلا بما يسمع أو يقرأ وأن يحلل ببساطة ما إذا كان ما يعرض أمامه من معلومات منطقيا أم لا.
إن أغلب ما نسمعه من إشاعات ومن معلومات عن أشخاص دونما دليل ليس منطقيا ولا واقعيا ما يعني أن قدرة الفرد على دحض ما يعرض أمامه سهلا إذا ما فكر ولو قليلا في الأمر، وفي الحقيقة تكمن خطورة الإشاعة في أن مصدرها في الكثير من الأحيان يأخذ دور القضاء في إصدار الأحكام جزافا دون دليل وهذا ما يجب على متلقي الإشاعة التوقف عنده مليا بهدف دحض ما يسمع من إشاعات.
لكن، في الواقع أن استمرار الإشاعات على النحو الذي مررنا به خلال الأسابيع الماضية والمستويات التي وصلت إليها يعد مقتلا للدولة ومؤسساتها إن استمر على ذات النحو، مثلما يعد مقتلا التسليم بما ينشر من معلومات عن واقعنا المحلي في وسائل النشر الخارجية، ذلك ان هدفها مقصود والغاية منها مدروسة، وبالتالي فإن تعاطينا وتجاوبنا مع تلك المعلومات المغرضة تصب في صالح الخارج الذي لا شك أنه يستهدف استقرار البلاد بهذا النوع من المعلومات المشبوهة والمكذوبة.
إن أخطر ما قد نواجهه فيما يتعلق باغتيال الشخصيات أن يصبح اتهام الناس جزافا أمر سهلا لدى البعض ما قد يؤدي إلى تمادي الظاهرة، وما قد يؤثر على سمعة المؤسسات الوطنية التي هي منجز للدولة والمواطنين أجمع ويجب المحافظة عليها وحمايتها من أن تتعرض لأي سوء.
لكن في هذا الجانب دعونا نعترف أن ثمة مسؤولين تبوءوا مواقعهم وهم غير أكفاء لها، بل إن البعض منهم أساءوا للمؤسسات بسوء إدارتهم وضعفهم وارتباطهم بشخصيات مشبوهة سواء عن قصد أو غير قصد.
وهؤلاء يجب أن يتعرضوا للمساءلة والتنبيه لأن الامر عندئذ لم يعد مرتبط بهم فحسب بل بالمؤسسات التي يتبوأون مناصب فيها، وهذا خط أحمر يجب تحصينه من أي إساءة.
إن الإدارة العامة في الأردن عميقة ولها تاريخ عريق وانجازات مشهودة ساهمت في تقدم الدولة وتطوير مؤسساتها وأدوات عملها، غير أن تلك الإدارة تتعرض أحيانا لبعض الخلل وهو ما يجب تصويبه عبر شيوع مبدأ الحساب والعقاب لكل من يسيء، وعبر الإعلاء من قيمة أن الأكفأ والأقدر هو من يجب أن يتبوأ المنصب.لذلك، وحتى نواجه الإشاعة واغتيال الشخصيات العامة يجب:
أولا: أن نمكن الناس من المعلومات باعتبار أن ذلك حقا لهم وليس منة.
ثانيا: أن يستمع المسؤول لما يصدر عن المواطنين من انتقادات بكل أريحية، ويأخذ بها لمعالجتها حتى يكون مصدر ثقة لهم.
ثالثا: التعاطي الإيجابي مع الاحداث وسرعة استجابة المسؤولين لإشباع جوع المتلقين للمعلومات المؤكدة بالسرعة الممكنة، والتجاوب السريع والمنطقي مع ما يُطرح من أسئلة واستفسارات.
رابعا: أن يرضخ المسؤولون لمدونات السلوك العامة وأن يحترموها وأن يحترموا المؤسسات التي يعملون بها باعتبارها منجزا حضاريا لمواطني الدولة حق بها وذلك بإبعاد أنفسهم عن دوائر الشبهات وأن يكونوا عند مستوى المسؤولية التي أنيطت بهم.
لذلك، إذا ما أخذنا ما سبق بعين الاعتبار فإننا نكون قد تحولنا من مستوى اغتيال الشخصيات إلى مستوى آخر يتمثل باغتيال المؤسسات وهذا أخطر ما يهدد استقرار الدولة وهو ما لا يرغب أحد في الوصول إليه.
إن استمرار بث الإشاعات الكاذبة وتلقف الخارجية منها دون وعي واستمرار اغتيال الشخصيات أو اغتيال المؤسسات يؤثر على تماسك ولحمة الشعب الأردني والتي عُرف بها عبر التاريخ، لذلك لنكون أكثر ثقة بمؤسسات دولتنا وأن نتفكر في كل ما نسمع ونقرأ قبل بناء الأحكام أو على الأقل قبل إعادة النشر والتداول كما هو حاصل اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي.