وزيرة الثقافة بسمة النسور تكتب : الوزارة ومربّية الكلاب
الحكاية الطريفة كانت لتمر من دون جلبة كبيرة، لفرط عاديّتها، إذ بدأت من خلال صورةٍ نشرتُها مزهوةً سعيدةً على صفحتي في “فيسبوك”، وأنا أحاول الاقتراب من كلبٍ جميلٍ في أحد شوارع عمّان القديمة، اعتبر بعضُهم من ذوي النفوس المعطوبة والخيال المحدود الصورة صيداً ثميناً، سوف يشكّل حرجاً كبيراً لي، وأنا أشغل موقعاً حكومياً رفيعاً، فانتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل، مثيرةً عاصفةً من الجدل بين مدافع عن حقوق الحيوان من منطلق إنساني مفطور على الرأفة ومعترض رافض حاول تدعيم مواقفه غير الإنسانية بتعليقات مضحكة، تعبّر، في أغلبها، عن سذاجةٍ وقصر نظر أصحابها. وقد أصدرت نائبة من جماعة الكوتا في مجلس النواب الأردني بياناً تندّد فيه بالواقعة، وتؤكّد، لجمهور ناخبيها من كارهي فكرة العطف والشفقة على مخلوقاتٍ ضعيفةٍ لا حول لها ولا قوة، أنها لن تمنح الثقة لحكومة تضمّ بين أفرادها مربية كلاب. يا للهول (ماذا لو كانت مربية أسود مثلاً)، غير أن النائبة الفاضلة تراجعت عن تصريحها المثير للاستهجان، ومنحت الثقة في النهاية.
لم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، بل كتب أحدهم أن كلب الست المدلل يدعى سكّر (اسم لطيف في واقع الأمر)، وأن كلفة إطعام سكّر، الشره المجرم عديم الذمة والضمير، ثلاثمائة دينار غير خاضعة لضريبة الدخل، أي ما يعادل راتب موظف حكومي غير مصنف، ضعيف الحال مثقل بالهم المعيشي. واستنتج المعلق العبقري، وبناء على الصورة إياها، أنني أنتمي بالضرورة للطبقة البرجوازية المترفة عن معاناة المواطن الأردني المسحوق المنكوب على غير صعيد. ولم تفلح محاولات المعارف والأصدقاء من النشطاء في إقناع الجمهور الغاضب ببطلان تلك الإشاعة، لأن خيالهم المحدود رفض تصديق أنني خرجت من صفوف الطبقة المتوسطة قبل أن يتوفاها الله بطبيعة الحال، وأنني كدحت عمراً بأكمله في المحاماة والعمل الحكومي والأدب والكتابة الصحافية. لم يلتفت إلى ذلك أيٌّ من جهابذة “فيسبوك” ممن يرتكبون أخطاء إملائية فادحة، لم تمنعهم يوماً من التنظير في الشأن العام بكل جسارة.
ليس ذلك فحسب، بل تبنّت فئة أخرى تزعم التديّن فكرة النجاسة وتحريم التعاطي مع الكلاب، باعتبارها مخلوقاتٍ دنيا، تستحق الاحتقار، وانضمت، من هذا المنطلق، إلى جوقة المهاجمين الرثّة البائسة. تمسّكت جماعة اللاهثين خلف مزيد من اللايكات بفكرةٍ خاطئةٍ مفترضة، ليس لها سند من الواقع، صنّفتني سيدة مخملية طارئة، وصلت بدون كفاءة إلى المنصب الذي يعتقد كل من يعاني من متلازمة المنصب واللقب بلغ الثامنة عشرة بأنه أكثر أحقية به.
يعرف المقرّبون حقيقة خشيتي من الحيوانات عموماً. لذلك جاءت الصورة التي اكتسبت شهرةً واسعة فيما بعد توثيقاً للحظة انتصار صغيرة على مخاوفي المرضية. وقد شجعتني صديقةٌ محبّةٌ للحيوانات، كانت ترافقني في نزهة صبيحة يوم عمّاني مشمس، على الاقتراب من الكلب اللطيف، صاحب الفراء الجميل، والنظرات الحزينة المذعورة، والذي تصادف وجوده برفقة صاحبه، من دون أن يدرك أنه سوف يتحول، بين ليلة وضحاها، إلى قضيةٍ إشكالية كبرى، تقضّ مضاجع الغيورين على مصلحة الوطن العليا!.
لم أرد على أيٍّ من تلك التعليقات، ولم أشارك في الجدال، لأنني أحسست بسخافة فكرة الدفاع عن تهمةٍ هي في الواقع مزية، أغبط كل من يتمتع بها، ولا يعاني من فوبيا الحيوانات، ما يؤكّد حسهم الإنساني المرهف والمشفق، وأعتبرهم محظوظين، إذ ينعمون برفقتها، والتعلم من خصالها التي يفتقدها بشرٌ يتوهمون تفوقاً بيولوجياً، ليس لهم فيه أي فضل، ومع ذلك لا يكفون عن نُباحهم المبتذل في فضاءٍ أزرق، لا يخلو من توحش وبربرية.(العربي الجديد)