تراجيديا المشهد الفلسطيني بين صفقة القرن وموسم الانتخابات
تراجيديا المشهد الفلسطيني
بين صفقة القرن وموسم الانتخابات
بقلم: زيد ابوزيد
المرفأ.مبادرة أمريكية جديدة أطلقها الرئيس الامريكي ترامب في ملف السلام المتعثر بين السلطة الفسطينية والكيان الصهيوني تحت مسمى صفقة القرن ، ويبدو انها كغيرها ولدت ميته أو في غرفة الانعاش، فعقبات كأداء تواجهها لأسباب موضوعية وذاتية عند طرفي النزاع بشكل رئيس وعند كثير من الأطراف التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة في الصراع، كالاردن الذي يحتفظ تاريخيا ودينيا بعلاقات عضوية بفلسطين وقضيتها المقدسة، ولجلالة الملك عبدالله الثاني الوصاية على المقدسات الاسلامية والمسيحية فيها، وبخاصة المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة التي تتابع شؤونها وزارة الاوقاف الاردنية، كما أن للارتباط السياسي بين فلسطين والاردن في مشروع وحدة الضفتين جعل للاردن دورا مفصليا وتداخلا ديمغرافيا واجتماعيا تجعل من المستحيل نجاح أي مشروع سياسي يستهدف حل القضية الفلسطينية دون دور أردني مقرر كما تحتفظ مصر وسوريا ولبنان بتداخلات سياسية وحدود جغرافية مع الاراضي الفلسطينية وقضايا نزاع تاريخي مع إسرائيل تجعل من المستحيل حل القضية الفسطينية على أساس عادل وانهاء الصراع دون مشاركة جميع الاطراف، وكذلك فان المصالح الاقتصادية والسياسية والابعاد القومية والدينية تجعل لاوروبا وروسيا والصين والعالمين العربي والاسلامي أدوارا متعددة الان وفي مستقبل المنطقة وخلاصة كل ذلك أن الرئيس الامريكي ترامب لا يستطيع ان يقرر بالنيابة عن العالم وبخاصة طرفي الصراع شكل ومستقبل الحل وحدود الدولتين دون الاخذ بعين الاعتبار كل ما يخص القضية وتحديدا قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والدور الاردني والوصاية الهاشمية على مقدسات فلسطين.
من هنا فان المشروع المقدم فكرة يستطيع كل طرف أن يبدي رأيه فيها رفضا أو تعديلا أو قبولا ولكن ذلك كله لا يعني شيء دون قبول طرفي الصراع بشكل أساسي بالحل المفترض للقضية والقائم على أساس دولة فلسطينية مستقله على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس مع احتفاظ الاردن بالوصاية على المقدسات ويكون للدولة الجديدة حدودها ومقومات قيامها واستمرارها مع حق العودة والتعويض لشعبها المهجر في أصقاع الارض وبحريتها الاقتصادية والسياسية مع الحفاظ على مباديء السلام لتحقيق العدالة المشودة في كل المنطقة.
ولكن الواقع يشير ان سلاما من أي نوع مستحيل في هذا الوقت تحديدا إذ تشير التحليلات الى ان طرفي النزاع الرئيسين غارقين كلٌ بطريقته في ازمات داخلية عميقة، فرئيس حكومة تسير الاعمال الصهيونية نتنياهو ملاحق بتهم فساد قد تودي بمستقبله السياسي وهو اذ يخوض وحزبه السياسي انتخابات ثالثة خلال عام يستند إلى تحالف صهيوني- ديني متشدد لا يريد أي حلول مع العرب والفلسطينيين ، بل تؤكد برامج غالبية احزاب التحالف حلمها بدولة صهيونية يهودية على كامل أرض فلسطين التاريخية بل يتجاوز ذلك أحيانا إلى طرح شعار أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات في تهديد حقيقي لأمن واستقرار كل المنطقة، والطرف المقابل صهيوني غانتس زعيم تحالف أبيض- أزرق عاجز فكريا وسياسيا عن طرح برنامج أقل يمينية ويسعى إلى فوز وتحالفات يمينية ، أما معسكر اليسار ويسار الوسط والقائمة العربية فهي عاجزة تماما عن القيام بأي دور حقيقي في المجتمع الصهيةني الذي تجذرت فيه روح التعصب واليمين والتطرف الايدولوجي والسياسي خلال العقود الماضية.
اما السلطة الفسطينية فهي وللاسف الشديد غارقة حتى اذنيها بأزمات الديون والتضخم وملف المصالحة بين فتح وحماس والانتخابات التشريعية والرئاسية وتشكيلة المجلس الوطسي الفسطيني ، وهنا فيأخذك العجب وانت ترى خلافات الإخوة من فتح وحماس في الوطن الفلسطيني لا تكاد تنتهي حتى تنتفض وتخرج أكثر عمقاً وايلاماً, فلا وفاق ولا اتفاق , ولا حتى لقاء على أبسط القضايا وتكاد حكومة التوافق الوطني والتي سميت مجازاً بذلك ان ينفرط عقدها, ناهيك عن حملات التصريحات والاتهامات بين حكومتي غزة ورام الله في كل قضية والاعتقالات لمنتسبي كل جماعة من الجماعة الأخرى جارية بين حين وآخر , والتي تباعد بين الجمعين أكثر فاكثر. حتى قال القائل : هذان خطان متوازيان لن يلتقيا أبداً , وكل فريق يقول : دعهم يقولوا ما يريدون أمَا موقفي على الأرض ( – إن كان قد بقي من الأرض ما يستحق أن يختلف عليه – فثابت لا يتغير) , غير آخذٍ بعين الاعتبار هموم الشعب الفلسطيني والشخصية الاعتبارية لباقي التنظيمات الفلسطينية، ومن المظاهر والعوامل التي ساهمت في استمرارية هذه المرحلة ، تراجع وضعف دور القوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية الأخرى ، ومحاولة كل من فتح وحماس الاحتماء وراء عدد منها ، أما المواطن الفلسطيني فهو مواطن مهموم مثقل بأعباء المعيشة والحصار ووجد نفسه ضحية هذا الانقسام والاختلاف والتناحر، ولذلك فقد القدرة على التحرك الذاتي والمبادرة على التغيير ، ووجد نفسه وسط موطنه مجزأ الولاء حائر ما بين لقمة العيش وولاء لموقف سياسي ينبذه ويرفضه ونأمل أن يكون لطرح صفقة القرن فائدة واحدة انْ تجمع الشتيتين بعدما تفرقا وأ تجلس جميع الأطراف على طاولة الحوار، والبداية لأي حوار ناجح هو في إعادة معالجة كل هذه الاختلالات في بنية النظام السياسي حتى لا يبقى أسيراً لحالة استقطاب سياسي بين فتح وحماس ، وتوسيع دائرة المساهمة والمشاركة لتوفير بناء نظام سياسي بعيداً عن الاستقطاب والمحاصصة السياسية التي قد تعيدنا إلى الوراء، ومغادرة عقلية القلعة وتغليب المصلحة الفلسطينية والقومية العليا.
والمقدمة كانت ضرورية لأن هناك فائدة كبيرة في البحث عن قدرة طرفي الصراع الرئيسين على تحقيق إتفاق في ظل تعقيدات المشهد الصهيوني الداخل والطرف الفسطيني الشقيق، وعن أطراف المعادلة السياسية في حل قضايا الصراع وتحقيق السلام الشامل والعادل، وهو ما يقودنا إلى الوسيط الامريكي ترامب؟، فهو نهاية ولايته الأولى ويتعرض إلى حملات تشكيك من قبل الكونجرس الامريكي ولديه ملفات معقدة أخرى كثيرة كالصراع مع إيران قبل وبعد اغتيال قاسم سليماني، وربما كانت نقطة البداية لكل هذا التخبط في المشروع الامريكي عالميا من العراق التي بدا أنه سيشكل مستقبل المشروع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ولكن مع نهاية عام 2019 لم يكن المشروع قد فشل فقط ، ولكنه مع نهايته كاد يأخذ العراق معه إلى الانفراط والتقسيم والتحول من الحالة المادية إلى حالة هلامية، ومع التحول على الجبهة العراقية طوال العاميين الماضيين ,جرت تحولات مماثلة على جبهات أخرى كالجبهة السورية والليبية لتجعل من العالم كله ساحة اختبار قوة بين واشنطن وطهران وموسكو وبكين وحتى اوروبا ,ولكن نتيجة هذه الاختبارات للقوة, والاختبارات المضادة ,تضائلت قدرة الولايات المتحدة الامريكية في تسويق وفرض حلولها ومشاريعها في قضايا الصراع.
ولكن ربما كانت أهم تطورات المنطقة لا تجري على الساحة الإستراتيجية والإقليمية وحدها,وإنما سوف ترتبط بسلسلة مهمة من التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الناجمة عن الأزمة المتفاقمة للنظام العالمي ، ومعه فقد باتت إشكاليات الواقع العربي العديدة و المتنوعة إشكاليات عميقة ، بسبب اتساع حجم و قوة الضغوط العدوانية الأمريكية/الصهيونية ، التي تحاول تأسيس مقومات مشروع التوسع الامبريالي المعولم ، ببعديه، السياسي والاقتصادي ، الهادف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا العربية وتفكيك كل مقومات النهوض القومي الذاتي في بلدان وطننا العربي.
إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لأمتنا في حسم الصراع العربي الصهيوني بما يحقق أمانيها و مصالحها ، لا يعني أننا نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان و المكان دوراً رئيسياً و أحادياً فيها ، بل يعني تفعيل و إنضاج عوامل و أدوات التغيير الديمقراطية الحديثة و المعاصرة ، و البحث عن مبرراتها و أسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن ، الذي لم يعد مجدياً لتغييره ، كافة الأدوات و الرؤى و السياسات الرسمية العربية الهابطة ، وفي مثل هذا الواقع ، تنضج معطيات و مقدمات عملية التغيير ، بصورة تراكمية ، بطيئة أو متسارعة ، و موضوعية أيضاً كآليات أو إرهاصات فكرية تتمحور حول فكرة أو مجموعة أفكار توحيدية تعبر عن تطلعات كل الجماهير الشعبية العربية في التحرر والديمقراطية و الانعتاق و الخلاص من كل أشكال المعاناة و الحرمان و الظلم والاستغلال.
في ضوء ما تقدم فلتكن الصفقة الجديدة فرصة للحديث عن التحالف العربي و إعادة تفعيل و تجديد المشروع النهضوي القومي للخروج من هذا المشهد أو المأزق الخانق ، ليمثل الانطلاق بداية من رؤية ثورية واقعية جديدة لحركة التحرر القومي باعتبارها ضرورة تاريخية تقتضيها تناقضات المجتمع العربي الحديث وضرورات تطوره المستقبلي من جهة ، و بوصفها نقيض الواقع القائم من جهة أخرى ، وعلى أن هذه الرؤية لكي تستطيع ممارسة دورها الحركي النقيض ، و القيام بوظيفتها و مهماتها التاريخية فلا بد لها من امتلاك الوعي بالمحددات أو المفاهيم الجوهرية الأساسية التي تلغي نظام التجزئة ، و تعمل على توحيد الجماهير العربية بما يخلق منها قوة قادرة على الفعل التاريخي على الصعيد العربي و الإنساني العام، مع السعي إلى استيعاب السمات الأساسية لثقافة التنوير والحداثة، و ما تضمنته من عقلانية علمية و روح نقدية إبداعية و استكشافية متواصلة في فضاء واسع من الحرية و الديمقراطية ، و ما يعنيه ذلك من إدراك الدور التاريخي للذات العربية و سعيها إلى الحركة و التغيير انطلاقاً من أن الإنسان هو صانع التاريخ و القادر على الابتكار و التغيير في حاضره و مستقبله .