رئيس الوزراء الأسبق د. فايز الطراونة يكتب: الدولة العنصرية على الأبواب

372

المرفأ.كتب رئيس الوزراء الاسبق الدكتور فايز الطراونة مقالة بعنوان الدولة العنصرية على الأبواب، مؤكداً من خلالها أن القضية الفلسطينية لم تمر منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا بأسوأ مما هي فيه، لكونه اجتمع عدة عوامل إقليمية ودولية لتطيح بهذه القضية.

وتاليا المقالة:

لم تمر القضية الفلسطينية منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا بأسوأ مما هي فيه؛ حيث اجتمعت عدة عوامل إقليمية ودولية لتطيح بهذه القضية، على الأقل في المدى المنظور:
1) انجراف الإدارة الأميركية وراء فكر المسيحيين المتصهينين الجدد في إعطاء إسرائيل الأولوية على وطنهم أميركا للتحضير لعودة المسيح عليه السلام الذي لن يعود إلا بدعم إسرائيل، والصهيونية بالتحديد، دعماً غير مسبق.
2) هذا الانجراف الأميركي جمع وشجع الغطرسة الإسرائيلية والأنا الطاغية لدى نتنياهو لينهي ما وصلت إليه الشرعية الدولية من حل الدولتين ويمضي إلى دولة يهودية عنصرية، وهي الوحيدة في العالم لأن قناعة الليكود الإسرائيلي، واليمين بشكل عام، أن إسرائيل غير خاضعة للقانون الدولي أو أي تشريع ينظم أمر العالم… فالفيتو الأميركي جاهز، بغض النظر عن الحق أو المنطق.
3) وهذان العاملان الأميركي والإسرائيلي تزامنا مع العامل العربي الذي لا يقل خطورة، فالقضية الفلسطينية كانت حاضرة عند العرب بمناسبة أو من غير مناسبة واحتلت صدارة الإعلام العربي وتصريحات القادة العرب، ولو ادعاء أو رياء الناس؛ أي أنها كانت حية ومركزية وأم القضايا. واليوم تعاني سكرات الموت لما تخطفها من أولويات أخرى طفت على مأساة فلسطين..
وهنا يحضرني انقسام البيت الفلسطيني وعدم قدرته على وضع خلافاته جانباً إلى أن تعبر القضية سبيل النجاة إذا قدر الله لها ذلك، للأسف الشديد غابت القضية الفلسطينية حتى عن المخاطبات العربية، إلا في فلسطين، أصل القضية، والأردن، توأم القضية.
ولعل النكتة التالية تعبر عما أقول إذا طلب من أميركي وروسي وعربي كتابة مقال عن الفيل. كتب الأميركي مقالة بعنوان “الفيل وناب الفيل”، وكتب الروسي مقالة بعنوان “الفيل وخرطوم الفيل”، أما العربي فكانت مقالته “الفيل والقضية الفلسطينية”.. هذا عندما كانت القضية تستحوذ على الوجدان العربي.
اجتمعت هذه العوامل الثلاثة، وهي في غير صالح القضية، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالإرهاب وبروز داعش وفيروس كورونا ليطيحوا بما تبقى من ذكرى فلسطينية.. فترى العرب اليوم بين حائر ولا مبال، وأعتقد أن الأغلبية تقع في خانة اللامبالاة.
في العقود الثلاثة الماضية، وبعد أن بدأت حوارات سياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة التحرير الفلسطينية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي في تونس، وفي أعقاب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وموقف الولايات المتحدة التي دعت لمؤتمر مدريد للسلام وموقفها شبه المحايد بين العرب وإسرائيل (ممثلاً بوزير خارجيتها آنذاك جيمس بيكر)، عاد الأمل بإيجاد تسوية للقضية الفلسطينية على أسس سياسية. فكان مؤتمر مدريد الذي أنجب اتفاقية أوسلو والتي وبالرغم من جدليتها حتى اليوم أعطت بصيص أمل آخر للقضية.
أي أن هذه التطورات كانت تدخل حركة على العملية السياسية وتخرجها من ركودها الذي دام عقوداً بكاملها. وتوالت الأحداث بين فشل وأمل ولكن بحراك دولي وأولويات للقضية حتى جاءت قمة بيروت العام 2002 لتكون أجرأ تفكير عربي تجاه إسرائيل لتسوية القضية، وهو الاعتراف بإسرائيل إذا انسحبت إلى خطوط الرابع من حزيران 1967 على كافة الجهات وقبلت بحل قضية اللاجئين على أساس قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 194.
هنا إسرائيل أبقت المبادرة معلقة بالرغم من استعداد العرب للاعتراف بها لأنها لا تريد الانسحاب الكامل إلى خطوط الرابع من حزيران (وخاصة القدس الشرقية ومستوطنات حيوية لها والجولان السوري). كما أنها لا تريد حل مشكلة اللاجئين على أساس قرار 194، ثم جاءت الولايات المتحدة لتعتبرها إحدى مرجعيات السلام باستحياء ومن خلال اللجنة الرباعية الدولية. أما العرب، باستثناء فلسطين والأردن، فقد تركوا المبادرة قبل أن يجف حبر قرار قمة بيروت. إلا أن المبادرة العربية عززت حل الدولتين ونقلته إلى شريعة دولية تفاءلنا بها لقادم الزمان.
واليوم يكثر الحديث عن حل الدولة الواحدة. دولة تضم إسرائيل والضفة الغربية وغزة؛ أي فلسطين التاريخية. أول ما سمعت بهذا الطرح كان من المرحوم معمر القذافي الذي طرح في قمة عمان 2001 (أول قمة منذ استثناء دورية القمم العربية) “إسراطين” وهي الدولة الجامعة لإسرائيل وفلسطين.
القذافي رفض حل الدولتين لأنه يتخلى عن فلسطين 1948، أما إسراطين فتهيئ الديموغرافيا والديمقراطية الفرصة للإطاحة بإسرائيل وهيمنة الفلسطينيين على كامل التراب الفلسطيني من خلال غالبية السكان.
أي تفكير هذا الذي يعترينا وندخل بالتحليل والتفصيل لنقول لإسرائيل نتفق معك على رفض حل الدولتين، ونريد حل الدولة الواحدة لأن فيه هلاكك. أوُلـِد المشروع الصهيوني لينتحر بحل الدولة الواحدة؟ وهذا المشروع الذي يتعاظم اليوم وربط دينياً، وليس فقط سياسياً، بالمسيحية المتجددة التي تتوسع بشكل كبير وتربط المشروع الصهيوني بعودة المسيح عليه السلام.
إسرائيل ترفض دولة فلسطينية مستقلة بجانبها فهل ستقبل بدولة فلسطينية داخلها؟ نعم إسرائيل ستقبل بدولة واحدة يهودية ومن “دونهم” لا حقوق لهم يعيشون تحت نظام عنصري لن يؤثر على إسرائيل في المدى المنظور لأنها بمنأى عن العقاب بفضل رعاية وحماية وفيتو أميركا.
فماذا عقدت أطراف المعادلة الفلسطينية العزم على عمله.
1- إسرائيل: دولة يهودية يعيش فيها غير يهود بحقوق منقوصة حتى ولو كانت جنسيتهم إسرائيلية، ومجموعة من الفلسطينيين لا يتمتعون بأي حقوق، ولا حتى حكم ذاتي. ويبدو أن الضفة الغربية بمستوطناتها وأغوارها وبحرها الميت ستنضم إلى إسرائيل كما ضمت القدس من قبل. وحينما سئُل قبل يومين وزير خارجية الولايات المتحدة بومبيو عن موقف أميركا من مسألة الضم، قال إنه شأن إسرائيلي بحت!!
2- فلسطين: سيبقى البيت الفلسطيني منقسما بين فتح وحماس والسلطة الوطنية “والدولة الفلسطينية في غزة” بقيادة حماس، وستبقى السلطة الوطنية الفلسطينية تلوح بالتهديد بمقاطعة وإلغاء كل اتفاقية أو علاقة أمنية وغيرها مع إسرائيل إذا ضمت إسرائيل الضفة الغربية (أو الأجزاء الحيوية الأكبر)، أو تسليم إسرائيل مفاتيح السلطة الوطنية وتتحمل إسرائيل تبعيات الاحتلال ونفقاته. وهل ستنتفض الضفة الغربية انتفاضة ثالثة في وجه إسرائيل؟ أعتقد أنه لا توجد دلالات أو مؤشرات لذلك وبصراحة الانتفاضة تقلق إسرائيل وتزعجها ولكن لا تعرضها لخطر الوجود.
3- الأردن: ما يزال الأردن عند عهده متمسكا بالمبادرة العربية وحل الدولتين ويعول على أن الغالبية العظمى من دول العالم والمؤثرة منها، كالاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ما تزال تعتبر حل الدولتين الحل الأمثل والممكن لسلام عادل ودائم وشامل. ويعتقد الأردن أيضاً أن الصمود الفلسطيني أسطوري ولا بد من تمكين هذا الشعب العظيم من المضي في صموده. وأن الانتكاسة التي أصابت حل الدولتين سواء من الإدارة الأميركية الحالية أو حكومة اليمين الإسرائيلية المتطرفة يجب ألا تثنينا عما تم تحقيقه خلال ربع القرن الماضي وهو الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. فلا يجب أن نرفع أيدينا استسلاماً لقضايا مرحلية قد تتغير، فالشأن الدولي ديناميكي متغير، ولا يجب أن نيأس إطلاقاً.
العرب: لا أعتقد أنهم عقدوا العزم على شيء فالقضية لم تعد في حساباتهم.

قد يعجبك ايضا