الدبلوماسية الملكية والجغرافيا القدرية .دحازم قشوع

342
المرفأ.اذا كان الواقع الجغرافي يرسم رؤية المجتمع التنموي، ويحدد سياسات الدولة مع المحيط الخارجي، ويعمل على فرض مناخاته على البيئة التشغيلية والانتاجية في الجانب الاقتصادي، ويظهر السمة المجتمعية للواقع المعيشي، فإن الجغرافيا السياسية تشكل حالة قدرية منهجية لحركة المجتمع كما لمعظم سياسات الدولة واهتمامات افرادها.
فما قد تراه في مجتمع يقع في اوروبا لن تجده في نموذج مجتمع في الشرق الادنى او الشرق الاقصى، ما يمكن ان تشاهده من نموذج اقتصادي في الطبوغرافيا الجبلية لا تشاهده في المنطقة الساحلية، وما يكون اهتمامات المجتمع الصحراوي لا يندرج في اولويات المجتمع الزراعي، فان الطبيعة الجغرافية تتدخل في شؤون المجتمعات واولوياتها وحتى اهتماماتها.
لذا كانت الجغرافيا السياسية دائما ما تحكم بل وتتحكم في بعض الاحيان في مصائر المجتمعات بل وتسقط بظلالها علي سياسات الدول بعضها ببعض حيال امنها او مناخات استقرارها، فالمجتمع الذي يعيش في منطقة آمنه تكون عوامله الذاتية عاملة بدرجة كبيرة على حساب العوامل المحيطة.
وهذا ما يجعل من اهتمامات هذه المجتمعات تكون في جلها اهتمامات تنموية ونمائية وتطويرية وحداثية وفي كافة المجالات وعلى كل الاصعدة، لان الانفاق في معظمه يكون تجاه التنمية والرفاهية، وليس على الامن والدفاع.
كما ان المجتمعات التي لا تقوم على الفكرة التوسعية الايدلوجية او المركزية الاستقطابية كانت قد نجحت في الحفاظ علي امنها واستقرارها عندما لم تتدخل في المحاور او الائتلافات السياسية وذلك عبر موقفها على الحياد ووفق منهجية دبلوماسية ساكنة او غير متفاعلة وبما يحفظ لها ثباتها وبالتالي تصعب عملية هضمها او ادخالها في دوامات الاستقطاب الاقليمي والتجاذبات المناطقية.
اما مايتم صياغته من نموذج في العمل الدبلوماسي فانه يقوم على سياسة تعتمد الانفتاح على الجميع وتتخذ من المرجعية القانونية او الادبيات الانسانية ارضية لها لاتخاذ مواقفها بحث لا ترنوا هذه الدبلوماسية لتحقيق منفعة لصالح تحالف بقدر ما تقوم على مسؤولية المجتمع تجاه الانسانية وقيمتها.
فتكون بذلك قد حققت نقطة التباعد المطلوبة التي بحيث لا تجعلها اسيرة طرف او تحسبها على طرف مقابل طرف، بقدر ما تجعلها تقوم على ذاتية التحقيق، فتحقق مكانة تميزها وتمتاز بها، وهو النموذج الذي تقوم عليه الدبلوماسية الاردنية في تدوير الزوايا الحادة لتباينات المنطقة وبالابتعاد عن المراكز الاستقطابية الجاذبة.
وهذا ياتي عبر تفاعل دبلوماسي متناسق مع حركة المنطقة وبما يجعلها ساكنة رغم ميزان حراكها، ويتعامل مع قضاياها بواقع جغرافيتها المضطربة بدبلوماسية ليست منفعلة وان كانت متفاعلة، وقد لا يحقق هذا النموذج عوائد مادية او حماية اقليمية وحتى عناية خاصة من التحالفات القائمة لكنه يحقق ذاتية اتزان وسياسية منفتحة قد لا تشكل محورا لكنها جاهزة لقيادة توجه في اي لحظة وهو النموذج الجديد في التعاطي الدبلوماسي والتعامل السياسي الذي يرسم خيوطه جلالة الملك ويقدمه نموذجا في التعاطي مع الجغرافيا القدرية.

قد يعجبك ايضا