العمل الجماعي وضوابط نجاحه…بقلم الدكتور علي الددا
العمل الجماعي وضوابط نجاحه
علي الددا
===============
المرفأ…رحلةٌ مأهولة الى الكوكب الأحمر(المريخ)، ستنطلق في السنوات القليلة القادمة. خبرٌ قرأته عن التحضير لتسيير هذه الرحلة، والتي تتميز بأنها ستكون باتجاهٍ واحد، ذهابٌ بدون إيابْ، لمئة شخص، سيعيشون هناك بدون عودة الى الأرض. عليهم ان يتأقلموا مع الظروف الموجودة على كوكب المريخ، كالبحثِ عن الماء وإنتاج الأكسجين. ولأن الظروف الاستثنائية، تتطلب تفكيرًا استثنائيًا، فعليهم الانتقال الى مستوى أكثر عمقًا، أو ربما أكثر إبداعًا، في ايجاد الأساليب الأنجع، التي ستعينهم على البقاء في تلك الظروف الصعبة، والتي نعرفها جميعًا عن كوكب المريخ.
أوحى لي هذا الخبر أن أكتب مقالًا عن العمل الجماعي، ذلك أني أجزم، أن أول ما سيقوم به المئة شخص، هو العمل كفريق، فالتحدي لهم جميعًا والمصير لهم جميعًا، منتقلين بعد ذلك الى ابتكار الأساليب الإبداعية، والتي لا شك أنها ستطال مع مرور الوقت، كل ما حولهم من بيئةٍ عليهم أن يتأقلموا معها. كما أجزم أن أهم صفات اختيار المشاركين في الرحلة، هي قدراتهم على إتقان مهارات العمل الجماعي، ومستوى الإحساس بالمسؤولية المشتركة، تجاه أمر يعنيهم جميعًا.
لابد لهم في سبيل تحقيق ذلك، من الاستناد الى أمرين، أرى أنهما سيشكلان منطلقًا رئيسًا، لجميع ما سيقومون به بعد ذلك. أولهما: الوقت، فلا يوجد ما هو أكثر ثمنًا من الوقت بالنسبة لهم. وأما الثاني: فهو الاستناد الى قيمة التعاون، والتي أرى أنها بمثابة الزوادة التي حملوها معهم، في حقائب سفرهم، بل هي المرتكز الأساس، لشد عرى الترابط بينهم. إن عملهم الجماعي بالصورة المعروضة سابقًا، سيكتمل ببساطة، عن طريق تشكيلهم لمجموعات متعددة، بهدف مواجهة موقف (جماعي)، حيث لا بد لهم من العمل في جماعات، لتحقيق أهداف مشتركة.
وليس بعيدًا عن ذلك، ما نقوم به في التعليم الجامعي، من استخدام أسلوب العمل الجماعي والمجموعات الصغيرة، بتعريض الطلبة الى مواقف جماعية، تتطلب منهم تعاونًا وإحساسًا بالمسؤولية الجماعية، واعتيادًا على تحملها، من طرف كل طالب، تجاه عمل الفريق. وإن كان لكل طالب دوره في المجموعة، فإن الأدوار، والحالةُ هذه، متكاملة، يدعمها تجانس أعضاء الفريق وحماسهم، كدافع لهم لتحقيق الأهداف المنشودة. لاحظ هنا أننا في التعليم الجامعي، باتباعنا أسلوب التعليم الجماعي، لا نهدف الى تعليم الطلبة كيف يحصلون على المعلومة وحسب، بل أيضًا كيف يفكرون، وكيف يتعاونون، وكيف يكونون قادة في مجموعاتهم.
وبالعودة الى رحلة المريخ، فإن عملية إدارة عمل المجموعات- والتي أشرت إليها سابقًا- ستتطلب بالتأكيد، شرح المهام المطلوبة لكل مجموعة، وبحيث تدرك كل مجموعة ما هو مطلوب منها بالضبط. وهنا بالذات، سيتم الربط بين المطلوب، وبين قدرات كل فرد في المجموعة، من حيث مدى استعداده للعمل الجماعي ومستوى خبراته. وضمن عملية إدارة المجموعات بالطبع، سيكون هناك التخطيط والمتابعة والتقويم، لكل مرحلة من مراحل الإنجاز في الموقف الجماعي.
وقبل أن أختم هذا المقال، حسبي المرور، على ضوابط نجاح العمل الجماعي، بجميع مستوياته، سواء تلك التي تعنى بها العملية التعليمية في أحد جوانبها، أو تلك التي تجري على أرض الواقع، وهي باختصار: فهم البيئة المحيطة بالموقف، وتنظيم الوقت واحترامه، وإتقان مهارات التواصل لتتمكن المجموعة من العمل بكفاءة، هذا عدا عن إيلاء التعاون الأهمية القصوى من خلال توافر الشعور بالانتماء للمجموعة، وكذلك الإيمان بأن القوة تتمثل في بذل الجهود الجماعية.