انجازات الدولة الأردنية في المئوية بقلم الدكتور فراس الشياب

1٬086

 

توطئة:
المرفأ…الأردن الوطن ممتد بجذوره عمقا عبر التاريخ، والدولة الهاشمية التي بدأت مشوارها من مئة عام مستأنفة عمق ثرى هذا الوطن الحبيب لتضيف جمالا على جمال وقوة على قوة. ولقد حدثت نقلات نوعية في المرافق الخدمية من صحة وتعليم وطرق وزراعة ومؤسسات أمنية، حيث أصبحت حال المحافظات بعد فترة قصيرة من تأسيس الدولة الأردنية أفضل كثيرا مما كانت عليه، في حين انها وصلت لمستويات رفيعة في نهاية المئوية الأولى. ونحن الشعب الأردني لدينا ملاحظات كثيرة على سير الحكومات وسياساتها، وقد نختلف معها لكنا لا نختلف على وجود وقوة الدولة الأردنية الهاشمية وضرورة دعمها وتقويتها، وعدم المساس بأمنها واستقرارها، لأنها بيت الجميع وسفينة النجاة في خضم دول الجوار غير المستقرة، حيث إن أي محاولة للعبث بأمنها ينعكس خطره على كل سكانها.
ولسائل أن يسأل كيف تقيس تقدم الدولة عبر مئويتها؟ وهذا سؤال منصف، ولذلك أفترض أني سأقيس ذلك عبر محاور متفق عليها لنرى مقدار التميز والظهور فيها عما كانت عليه، مقارنة مع دول الجوار العربي والعالمي.
وأما المحاور التي سأتعرض لها على شكل رسائل سريعة فهي:
أولا: محور التعليم حيث نرى ذلك من خلال:
الجامعات: فلدينا الجامعات العريقة المتقدمة في أكثر من 30 صرحا علميا فيها من الكفاءات والقدرات البشرية، وقد تربعت على طول ثرى أردننا الحبيب، ولها أثرها الواضح في الأبحاث العلمية والمشاركة الحضارة الإنسانية.
كفاءة الخريج: الطالب والخريج الأردني من أكفأ الكوادر في العالم، وقصص نجاح الإنسان الأردني في كل مكان يحل به دليل واضح على ذلك. ( ومثاله المعلم الأردني والطبيب الأردني والمهندس الأردني في الخليج وغيرهم كثير)
المدارس: حيث تؤمن الدولة كل مناطق الأردن حتى النائية منها بالمعلمين الأكفياء والمدارس، حرصا منها على تعليم المواطن الأردني ونيل حقه من التعليم الذي كفله الدستور. ( 8000 مدرسة في عموم المملكة تقريبا: مدرسة حكومية وخاصة مع وكالة غوث )
وهناك تحديات لا زالت الحكومات المتعاقبة تعمل على حلها في ملف التعليم، مثل التجدي والمعاصرة، ورفع الكفايات التعليمية ومعالجة الطلاب الضعاف، ورعاية التميز وغيرها، وهذه التحديات لا تنتهي بسبب طبيعة العمل التعليمي.
وأما التعليم عن بعد: وإن كان به ضعف بسبب جائحة كورونا فهو أفضل الموجود وأفضل الممكن المتاح، مقارنة مع دول الجوار، ولا زالت هناك تحديات تحتاج منا الى التكاتف مع وزارة التربية للتحسين وتوسيع قاعدة النفع العام لجميع الطلاب.
ثانيا: محور الصحة :
فقد أصبحت الأردن من أقوى البلاد في الشرق الأوسط بل وتتقدم على بعض بلاد أوروبا من حيث الجاهزية والكفاءات الطبية ونوعية الخدمة المقدمة. وأصبحت قبلة السياحة الطبية من قبل العرب وغيرهم، لسمعة الأردن الطبية وجودة خدمتها. وفي جائحة كورونا اجتهد الأردن كغيره من الدول لمحاصرة هذا الوباء كما تحاول دول العالم بأسرها، فأصابت في ملفات وأخطأت في أخرى، وعلينا التكاتف والتعاون للعودة والإنطلاق بعجلة الحياة من جديد.
ولدينا صروح طبية متقدمة مثل المدينة الطبية ومستشفى الملك عبدالله ومركز الأمل لعلاج السرطان ومستشفى الجامعة الأردنية وغيرها كثير.
وهنا رسالة لا بد منها في ضرورة التعامل مع كورونا بجدية، فكثير منا كان لا يصدق ذلك حتى أصيب في نفسه أو أحد أحبابه، فعندها فقط عرف حقيقة الجهود المبذولة من الحكومات المتتالية، وذلك تقريبا للمواقف بين أبناء الأردن الحبيب وجهود حكومتهم. وانظروا في ذلك شهادة د محمد راتب النابلسي في جودة الخدمات الصحية في الأردن.
ثالثا: محور السياسية الداخلية والخارجية:
الداخلية: فلقد عرفت الأردن وامتازت بسياستها الداخلية الناعمة الحكيمة، غير الإنقلابية، فلقد سمعنا عن كل دول الجوار وكيف ينتقل الحكم فيها عبرالدبابات، بينما تبقى هذه الأرض السفينة الراسخة بحفظ الله تعالى، المباركة الطيبة، بسياستها مع أبناءها ضمن سياسة شعرة معاوية، والرفق من غير ضعف والشدة من غير كسر.
الحريات والحفاظ على الأنفس والأعراض: فالأردني له حرية مصانة، يتكلم ضمن محددات القانون، ليضمن السلامة لنفسه وغيره، ولا يجرم على تعبيراته السياسية، ولقد كان لجلالة الملك تصريحاته الواضحة في ذلك عن الحرية التي سقفها السماء. ولا يخلو الأمر من انتكاسات وملاحظات لا تلبث حتى تعود لأصلها وتجذير مؤسسة القانون.
الخارجية: فلقد وقف الأردن مواقف جبارة حفظت له في التاريخ:
فبالأمس القريب وقف الأردن شعبا وقيادة في معركة الكرامة، وكيف جاد ابناءه بأرواحهم دفاعا عن ثراه الطهور، وثرى فلسطين الغالي، وثرى سوريا العربية في الجولان، ومعركة البصرة في العراق مع لواء الجيش العربي بقيادة القائد الفذ خالد الهجهوج يرحمه الله.
وموقفه مع شقيقه العراق عندما حوصر، وقدم كل ما يملك للشعب العراقي الشقيق غير نادم على ما فعل. كما دعم تحالف العراق العسكري أيام الحرب الخليجية العراق مع ايران.
وبالأمس كان ولا زال الموئل لأشقاءه اللاجئين من ظلم الدولة القيصرية للاخوة الشركس و الشيشان، ثم الأشقاء أهل فلسطين، ثم لأهل العراق، ثم لأهل سوريا، والأردن لا زال يدفع تكلفة مواقفه التي ضعف فيها دعم العالم عنه بسبب موقفه الإنساني والأخلاقي من حلول سياسية غير عادلة للمنطقة، جيوسياسية مؤذية يريدون فرضها على الأردن كصفقة القرن وغيرها.
استعاد الأردن أرض الباقورة والغمر من الاحتلال بعد فترة طويلة من الاحتلال حيث أصر على استخراجها وضمها اليه. بعد انتهاء المدة الزمنية لنظام خاص سمح لإسرائيل باستخدامها، ضمن اتفاقية معاهدة السلام الموقّعة بين الطرفين في عام 1994 (وادي عربة) علماً أن الاحتلال كان قد سيطر على هذه الأراضي قبل سنوات طويلة من الاتفاقية.
رابعا: محور الاقتصاد :
فلقد استطاع الأردن بمنتوجاته أن يصل الى كل بقاع الدنيا، ولمنتجات الاردن الاحترام والتقدير ولها فرصة المنافسة الجيدة، وهي بحاجة لمزيد من الدعم، والتحسين.
الاقتصاد من أكبر التحديات للأردن فلا بد أن يصل بتعاون أبناءه للاكتفاء الذاتي ثم التصدير، مع نجاحه في بعض المحاور وبعض المنتوجات الغذائية، وبعض الصناعات، لكن الأمر بحاجة الى مزيد من الجهود، وعدم الاكتفاء بالضرائب، لننتقل الى عالم التصنيع وخبرة الانتاج التي تؤهل أبناء الأردن وتحتويهم ضمن مشاريع تختزل مشهد البطالة الحالية والقادمة.
لدينا موارد ومؤسسات ناجحة ( الفوسفات والبوتاس ) لا بد من استثمارها لمزيد من النجاح والتقدم، وهناك ملفات واعدة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح. والبحث عن موارد الطاقة والمعادن الثمينة.
خامسا: محور الجيش والأمن:
فالأردن لديه جيش قوي مدرب، ولديه قوات أمن داخلية تتعامل بكفاءة في مسائل الأمن الداخلي، ولا يخلو الأمر من ملاحظات وأخطاء، لكن الأداء المجمل العام ايجابي جدا، وقد بذلت الدولة الكثير لتقوية هذا الجيش العربي وقوات الأمن وخاصة أنها دولة مجابهة مع خط الاحتلال الطويل لفلسطين.
سادسا: محور التنظيم والإدارة والخدمات :
فقد امتدت شبكات الطرق عبر الوطن، والمطارات، وكذلك الاتصالات، وتقسيم المدن الكبرى، وتوفير ما يمكن توفيره من خدمه بأفضل وأحدث الطرق الممكنة.
سابعا: مؤسسات التقاضي والقانون:
فلقد أسست المحاكم بشتى مستوياتها وأتاحت التقاضي حسب الدستور والقانون حيث تؤكد كلها رسوخ هذه الدولة وعمقها، وتجذرها بإذن الله تعالى.
ثامنا: الحريات الدينية والتدين :
لا تجد في العالم كله بلدا مثل الأردن في الحريات الدينية، حيث لا يوجد لدينا تهمة التدين، وجلالة الملك ينحدر من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتجد المساجد المنتشرة في كل مكان وعلى الطرقات وحتى في مرتبات الأمن كلها ولديها إمام في كل وحدة أو كتيبة، ويظهر ذلك من خلال:
مؤسسات الشريعة: حيث كليات الشريعة في الجامعات الأردنية بكل المستويات، ودائرة الإفتاء والأوقاف والقضاء الشرعي، وجمعية المحافظة على القران الكريم هذا المشروع الأردني المتميز الذي يحظى برعاية حكومية وشعبية، وكذلك تشجيع المسابقات الدينية في وزارة التربية و التعليم والمؤسسات الأخرى.
ولقد وقف جلالة الملك يوما في الأمم المتحدة ليوضح للناس والعالم باللغة الإنجليزية حقيقة الإسلام وموقفه من الآخر غير المسلم، بخلاف ما يصار الى تمريره من صورة مشوهة عن الإسلام وأهله، مما رفع من رصيد الأردن وقائده أمام العالم وأمام الأمة المسلمة إذ أنه الوحيد الذي فعل ذلك من القادة المسلمين في تلكم المحافل.
الأوقاف النصرانية وعلاقته مع النصارى: كما أن علاقة المسلمين مع غيرهم من النصارى، وكذلك اليهود في السامرة في فلسطين ( نابلس ) مشهودة بالود والتسامح عبرالتاريخ بالعلاقات الودية التي أمر بها الإسلام وحافظ عليها المسلمون من سكان الأردن وفلسطين، حيث يحافظ الأردن ويدافع عن الأوقاف الإسلامية والمسيحية معا، على اعتبار أنه المسؤول أمام الله أولا ثم أمام شعبه والناس.
وكانت رسالة عمان لتوضح موقف الدولة وموقف الشريعة من الآخر غير المسلم لتكون حجة على الناس وعلينا في نظرتنا وتعاملنا مع الآخر.
تاسعا: فلسطين :
فلقد بقيت فلسطين في وجدان اهل الأردن ولا زالت، فلقد دفع الأردنيون مع أشقاءهم الفلسطينين والعرب الدماء الكثيرة للدفاع عنها.
ولا زالت الأردن تدفع تكاليف مواقفها من الوصاية على المسجد الأقصى، ورفض الحلول السياسية غير المنصفة لقضية الأمة، فكان الأردن هو الدولة الوحيدة المعبرة عن وجدان الأمة وشعوبها في الوقت الذي وقفت فيه بقية الدول على الحياد.
ولا زال جلالة الملك عبدالله الثاني يحمل بيد يدية ملفات فلسطينة مؤثرة ( اللاجئين والاونروا، والمياه، والحدود، والحل السياسي) ليعرف المحافل الدولية بحجم الظالم الواقع وعدالة قضية فلسطين وردا عنها وعن الأردن بحكم الجوار بينهما أي حل لا يؤدي الى انصاف الشعبين والدولتين.
عاشرا: الأردن دولة يافعة لها طموح ومستقبل واعد، ولها قصص نجاح اردنية:
فهناك قصص نجاح أردنية كثيرة على مستوى الفرد والدولة وعلينا أن نلتفت اليها ونعظمها تشجيعا لأبناءنا مثل : بريد ياهو لأخوين أردنيين و شركة بترا للمكيفات لها سمعتها العالمية وسعرها المنافس والحكومة الاليكترونية في الامارات من عمل العقول الأردنية وارتفاع نسبة التعليم في الأردن فلا يوجد أمية . وانتشار الجامعات والمستشفيات القادرة الكفوءة.
وأخيرا : أكتب رسالة خالصة ناصحا فيها إخواني أهل الأردن وجكومتنا ودولتنا الأردنية الحبيبة:
فأما الناس: فبان نعمق الثقة فيما بين الناس وبين الحكومات وخاصة في ازمة كورونا وعدم بث الرسائل السلبية بين الناس حيث تبذل الحكومة جهودا كبيرة بحاجة منا الى تقدير وتعاون وتشارك في المسؤولية. وأن نثق بدولتنا ومؤسساتها وأنها قوية وأننا بتماسكنا ووحدتنا سنتجاوز كل الصعوبات. وعلينا أن نبذل في سبيل استقرار الدولة وأمنها التضحيات من الوقت والمال لبقاءها سفينة سليمة عصية على الفتن الداخلية والخارجية.
وأما الحكومات والدولة: فهناك ملاحظات كبيرة على أداء الحكومات وطريقة تشكيلها، وعلينا تعزيز مبدأ التشاركية لنتحمل معا النتائج. وأدعو الى مؤتمر وطني برعاية الدولة يحضره الكفاءات والأحزاب والمخلصون بحيث يتوافقون على صيغة تشاركية تسهم في رفع مستوى الثقة وتحمل المسؤولية، بين الشعب والحكومة، وتعزز الشفافية وتحارب الفساد وتجذر الأمن والاستقرار في الوطن الحبيب.

قد يعجبك ايضا