د.الحوارات يكتب..الجهل وكورونا والموت اختناقاً

475

 

المرفأ….لم تستطع البشرية على مدى عمرها أن تخمن أي أشكال الموت أكثر قسوةً من الاخر، وللهروب من الإجابة لخصو كل الموضوع بجملة واحدة ( تعددت الاسباب والموت واحد) ذلك صحيح لكنه ابداً لم يجٌب على التساؤل الرئيسي المتعلق بلحظة النهاية وماهية المعاناة فيها، لكن الكثير من المهتمين بهذا الأمر يجمعون بأن الاختناق هو أكثرها سوأً ومعاناةً ففيه تستمر المعاناة مع الوعي بها حتى اللحظة الأخيرة، فماذا لو استمرت حالة الاختناق مع حالة من الوعي لمدة أسابيع؟ فأي شكل من الوجع والقهر يمكن أن يقاسيه الإنسان؟ هذا بالضبط ما يفعله فيروس كورونا ، فالأصابة به تلقي داخل الرئتين بعشرات الآف من التكثفات تغلق التفرعات داخل الرئة على أشكالها وتجعلها غير قادرة على إلتقاط جرعة من الهواء، فيصاب الشخص المُبتلى بعطش شديد للأكسجين ويلهث وراءه لكن بدون جدوى، وفي النهاية تصاب الرئتين وعضلاتهما بالإجهاد والتعب فتصبحا غير قادرتين على الاستمرار، فيأتي دور الأجهزة فيختبئ وجه المريض وراء قناع يشد أزر رأسه، يحاول المسكين مقاومته لكن بلا جدوى، بعدها يسقط ضحية لحسابات الاجهزة، تالياً لذلك إما أن ينجو ويصبح رفيقاً للمعاناة لشهور لاحقة، أو يتوفاه الله وحيداً معزولاً حتى العزاء لا يستطيع الحصول عليه .

لكن ألا يفترض ان كورونا أصبحت وراء ظهورنا بسبب توفر العديد من اللقاحات؟ ولماذا لا زلنا نعاني؟ للأسف حينما ينتصر الجهل لا بد ان النتيجة الأكثر حتمية هي الهزيمة، نعم هُزمنا في المعركة بسببه، فثُلة قليلة من المأفونين بوهم الانا ونرجسية أننا مركز الكون وأن العالم يُكرس جُل وقته للتآمر علينا، ساقوا من الأحاجيج والترهات التي لا ترقى إلى مستوى أن يجشم اي شخص عاقل نفسه عناء الاستماع اليها، لكنهم بها قادوا المجتمع، فشنوا حرباً شعواء على اللقاحات وعلى العلم، ولأنهم وجدوا الأرض الخصبة في أذهان مستمعيهم فغرسوا فيها أفكارهم الجاهلة والشريرة وتمكنوا فعلاً لا قولاً من جعل ٦٥٪؜ من المجتمع يعزفون عن تلقي اللقاح، بينما الدولة والاطباء والإعلام والمثقفين لم يستطيعوا اقناع سوى ٣٥٪؜ من الحجم الكلي للمجتمع رغم استخدام أدوات الدولة التهديدية، فأي سطوةً للجهل هزمت كل أولئك وتربعت على عرش المرحلة، صحيح أن هؤلاء موجودين في كل دول العالم لكنهم لم يسيطروا سوى على نسبة قليلة لا تتجاوز ٥-١٠٪؜ وليس كما هو الحال لدينا .

كل ذلك يدفعنا للتساؤل عن أشياء كثيرة أولها برامجنا التعليمية التي تغافلت عن هذا التواطؤ مع الجهل، عن اجهزة الدولة وأدواتها ومدى فعاليتها، عن الإجراءات التي يجب أن تتخذ فهؤلاء لم يخنقوا الناس بكرونا بل اصابوا الإقتصاد والتعليم والمستقبل كله بحالة من الاختناق والعوز المزمن بالاكسجين، بل إنهم أصابوا القيم بمقتل، فظاهرة بيع شهادات اللقاح أصبحت حدثاً اردنياً بإمتياز فأعداد كبيرة من الناس حصلوا على شهادات مزورة للمطعوم بل ويفتخرون بذلك، ألم يحن الوقت لإتخاذ القرار ؟! كم من الجنازات يجب أن نزف الى المقابر حتى يرضى هؤلاء، فكورونا لا تحلُ بقرية إلا وقلبت عاليها واطيها ولا تغادرها إلا بعد ملئها بالبيوت الحزينة المتشحة بالسواد، إذاً يجب التوقف عن هدر الوقت والارواح وكذلك التوقف عن العبث بالمستقبل وحتى نوقف الموت العبثي بالجهل يجب أن يُتخذ قراراً فورياً بإلزامية التطعيم وإلا فالعواقب وخيمة .

قد يعجبك ايضا