د.عدلي قندح.. صدمات هزت الاقتصاد العالمي

199

المرفأ…تعرض الاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاث الماضية 2020-2022 لصدمتين قويتين لم يتعرض لهما منذ عقود خلت؛ الأولى جائحة كورونا التي اندلعت في الربع الأول من عام 2020 فعطلت جناحي الحركة (العرض والطلب) للاقتصاد العالمي أنزلته عن منحنى النمو الايجابي المتصاعد وكبدته خسائر ضخمة تجلت آثارها في تسجيل معدلات نمو سالبة في غالبية اقتصادات العالم الصناعي والنامي والناشئ. أما الصدمة الثانية والتي ما تزال مستمرة فكانت في الربع الأول من العام الذي انقضى يوم أمس 2022 وهي الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا، والتي يتوقع كثير م? المحللين أن تعمل على اعادة تشكيل النظام العالمي السياسي والاقتصادي من جديد، لينتقل من كونه أحادي القطب، منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، ليصبح متعدد الاقطاب بعد سنوات.

والصدمة الثانية أدت أيضا الى حدوث واحدة من أكبر موجات الهجرات القسرية في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. كما نجم عنها فرض أكبر عدد من العقوبات الاقتصادية على روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وأدت مع غيرها من العوامل الى حدوث ارتفاعات غير مسبوقة في الاسعار، فدخل العالم عصر التضخم بعد غياب طويل امتد لأكثر من أربعة عقود.وهذا ما دفع البنوك المركزية على المستوى العالمي الى رفع معدلات الفائدة لمحاربة التضخم في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد العالمي بامس الحاجة لتثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها المتدنية أو حتى تخفيضها في بعض الدول. وهذا الاتجاه من رفع أسعار الفائدة أدى الى تقليل الطلب على الائتمان والذي بدوره ضغط باتجاه كبح الطلب وبالتالي تخفيض معدلات التضخم، وهذا ما لمسناه في بعض الدول ومنها الولايات المتحدة حيث انخفضت معدلات التضخم فيها من أعلى من 10% الى قرابة 7.1% في شهر تشرين الثاني الماضي. ولكنه بنفس الوقت أدى الى ابطاء م?دلات النمو الاقتصادي العالمي بشكل ملحوظ، زاد من قلق دخول العالم بحالة ركود تضخمي. وهذا ما دفع العديد من المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي الى خفض توقعاتها للنمو العالمي لسنة 2023، لتصل إلى أقل من 2% جراء تزايد المخاطر، بعد أن كان عند مستويات أعلى من 5% في السنوات الأخيرة.

وتشير غالبية السياسات والتحركات المؤثرة التي اتخذت على المستوى العالمي الى افتقادها للمعايير الانسانية والأخلاقية، لذا فان النتيجة الحتمية التي انقاد العالم اليها هي المزيد من الارتفاعات في معدلات الفقر والبطالة والتهميش وتدهور البنى التحتية والبيئة وتراجع معدلات النمو الاقتصادي وتعاضم احتمالية دخول الاقتصاد العالمي بحالة الركود التضخمي؛ أي استمرار ارتفاع معدلات التضخم المصحوب بركود كبير في النشاط الاقتصادي وتراجع في معدلات التشغيل الحقيقي. وأول المتأثرين بالتضخم والركود الاقتصادي هم أصحاب الدخول المتدنية ?الفقراء والمهمشين والمتعطلين عن العمل.

بالمحصلة، الاقتصاد السياسي العالمي يعيش تداعيات تلك الصدمات التي تضغط باتجاه الدخول بحالة ركود، فهل نملك جوابا دقيقا لما ستؤول اليه الاوضاع الاقتصادية في العام الجديد 2023؟ أجاب على هذا التساؤل رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، جيروم باول، بقوله: «لا أعتقد أن أي شخص يعرف ما إذا كنا سنواجه ركودا أو لا، وإذا حدث ذلك، فهل سيكون ركودا عميقا أو لا، هذا أمر غير معروف، لا أحد يستطيع الجزم.»

العالم بحاجة لعشرات الترليونات من الدولارات للاستثمار بمشروعات الاقتصاد الاخضر والبيئة والطاقة المتجددة والمشروعات الريادية والابداعية والابتكارية التي يقوم بها الشباب لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة ومستدامة. العالم بحاجة لسياسات اقتصادية وتجارية واستثمارية بلمسات انسانية واخلاقية تدفع بمعدلات النمو الاقتصادي للاعلى وتحارب التضخم والفقر والبطالة التي تلمس حياة الطبقة الفقيرة والمتوسطة وخاصة قطاعات الشباب والمرأة. فهل يعي العالم ذلك ويستفيق من غفلته ويوقف النزاعات والحروب ويتجه للتنمية الخضراء المستدامة؟!?هذا ما نتمناه، وكل عام والجميع بخير

قد يعجبك ايضا