د.منذر الحوارات. يكتب .تبريد الشرق الأوسط

237

 

المرفأ..هذه منطقة لا تعرف الحياد و طالما كانت مشتعلة بالصراعات، فدولها دوماً طرفاً في تحالف دولي أو إقليمي، فهي لم تعرف الهدوء أو الاستقرار سوى لفترات متقطعة لا تعدو عن كونها مرحلة لألتقاط الأنفاس ومن ثم تعود إلى سيرتها الأولى، منطقة لم تعرف الحسم لأغلب قضاياها لسبب واضح وهو غياب القدرة لدى أي من الأطراف على هزيمة البقية، بالتالي لم يتمكن أحد من فرض شروطه فلا يوجد مفهوم النصر الكامل او الهزيمة الكلية إلا في الأعلام، ربما بسبب تداخل القوى الدولية والتي تحاول دوماً إبقاء الأبواب مواربة لتدخلاتها.

لقد شهدت هذه المنطقة عقداً ونيف من الصراع الدامي بين أطرافها ابتدأ قبيل الربيع العربي وخلاله ، ففي الخليج كانت الرباعية العربية في مواجهة قطر وتركيا، وبين تركيا والعديد من الدول العربية وكذلك بين الفاعل الرئيسي في كل تلك الصراعات إيران والجميع، وبين إسرائيل وتركيا وإيران والعرب، كانت ساحات الصراع دول عربية أبتُليت بالاحتلال والحروب الأهلية والصراع على الديمقراطية والسلطة والشرعية والمشروعية، وهذا كان حال فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان وليبيا، وفي كل تلك الساحات كانت الولايات المتحدة حاضرة بعِدها وعديدها وكذلك كانت روسيا حاضرة بشكل خاص في سوريا وليبا والآن تحضر الصين بأناملها الناعمة، لم يكن أحد ليتصور أن طرفاً من الأطراف يمكن أن يقدم أي تنازل للطرف الآخر فبينهم دماء لا حدود لها ودوّل سقطت في معمعة تلك المقاتِلِ حتى وقت قريب من الآن.

وفجأة تتحقق عقيدة أوباما فأمريكا لم تعد منشغلة بالشرق الأوسط فلديها ما هو أكثر إلحاحاً منه ولا بد من أن تخفف تورطها في المنطقة لكنها مصرة أن تترك بعضها في هذا الشرق المُبتلى بها وبذاته، فهاهي تبادل طائراتها الحديثة بطائرات تكاد تخرج من الخدمة وهي هنا وكأنها ايضاً ترسل برسالة الى حليفتها اسرائيل بأنها لن تكون شريكاً في أي عمل عسكري تقوم به ضد ايران، يبدو أن الرسالة الأمريكية وصلت للجميع عليكم حلّ مشاكلكم بأنفسكم فنحن لن نقف مع أحد ضد أحد هذه الرسالة قرأتها دول الخليج مبكراً قبل التسارع الحالي وهي التي سرعت على مايبدو خطوات المصالحة البينية بين بين دول الخليج بمصالحة الرباعية مع قطر وبعد تأكيد النية الأمريكية بخطوات على أرض الواقع وبسببها تدحرجت التسويات البينية بين الدول بشكل أسرع من مقدرة الراصدين الإعلاميين، ففُتحت القنوات مع تركيا وفي نفس الوقت كانت المفاوضات تتم بين المملكة العربية السعودية وإيران، وفي الخفاء كانت هناك مفاوضات لدول عربية عديدة مع إسرائيل، في نهاية المطاف توجت تلك المفاوضات بإعادة العلاقات بين ايران والسعودية ودول عربية عديدة وكذلك الأمر مع تركيا فقد أعادت علاقاتها مع العديد من الدول العربية، والآن تبدأ موجة مصالحات مكثفة مع النظام في سوريا بغض النظر عن تطورات الوضع هناك، وها نحن نعود الى الوراء لعقد ونصف من الزمن وكأن شيأً لم يكن، لقد توقف الزمن.

برغم كل ذلك لم يتغير شيءٍ على أرض الواقع فالصراع في اليمن بقي على حاله وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا حيث بقي محصوراً بين الإيرانيين والروس والنظام والأتراك وبقي الشكل الطائفي هو العنوان البارز، وفي لبنان لا يزال حزب الله وإيران هم أصحاب القول الفصل في مستقبله وهذا هو الحال في العراق والذي بقي أسيراً للمصالح الإيرانية والتركية والأمريكية، أما بالنسبة لإسرائيل لا زالت تقتل الفلسطينيين بدمً بارد ولا زالت المستوطنات والإنتهاكات للأقصى قائمة بل ويزداد الأمر سوئاً بالتنمر على الأردن، إذاً ساحات الصراع لا زالت تقطر دماً والضحايا هم الضحايا، فعلاما تصالحوا إذاً؟ يبدو أن هذه ليست سوى مرحلة مؤقتة لإلتقاط الأنفاس، فتركيا تعاني من أزمة إقتصادية خانقة وكذلك الحال في إيران فالإحتجاجات والحصار الغربي أدخل الإقتصاد في نفق مظلم وتغطية النشاط العسكري المتصاعد يحتاج الى المال والاستقرار في الداخل فلا ضير إذاً من مرحلة من الهدوء المؤقت للانطلاق بوتيرة أكبر فلا يزال البرنامج النووي يتطور ومثله البرنامج الصاروخي وبرامج الطائرات والطموح بالهيمنة الإقليمية، أما بالنسبة لدول الخليج فعدم توفر حليف دولي موثوق يجعل من الصعوبة الدخول في صراعات إقليمية قد تكلف الكثير بدون نتاىًج محسومة.

إذاً هناك اسباب عديدة لإندفاع الاطراف الإقليمية نحو بعضها البعض في عملية تبريد مفتعلة لم تأخذ بعين الإعتبار مصير المعتدين والضحايا، ولم تهتم بمن المسؤول عن القتل والظلم طالما أن غايتها إستعادة الاستقرار المؤقت، والذي لن يحقق سوى تأخير الصراعات مما يبقي الجروح مفتوحة وهذا سيؤدي الى زيادة المعاناة واستدامتها الى أجل غير محدد، آمل أن أكون مخطئاً فتاريخ المنطقة علمنا أن الجروح فيها لا تلتئم بسهولة فهي غائرة في النفوس قبل الجسد، وفي اللحظة التي سيتوفر فيها حلفاء دوليين مستعدون للإنخراط في صراعات المنطقة ستعود الأمور الى سيرتها الأولى من الصراع والتوتر فالطموح الأمبراطوري والتوسعي هو هدف لثلاث دول رئيسية وهو قادر على تفجير الموقف في اي لحظة.

 

 

قد يعجبك ايضا