الدكتور وائل عربيات يكتب…حديث الحسين … المضامين والدلالات

187

المرفأ..حينما استمعت بكل اصغاء لحديث سمو الامير الحسين بن عبدالله الثاني حفظه الله ، وجدت أن الحسين قد حمل في قلبه ووجدانه ايمانا كبيرا ومتأصلا نابعا من عقيدة صادقة تمثلت حبا لشعب تربى على فطرة الولاء ، ووفاء لوطن ضرب فيه أروع الأمثلة في معنى الانتماء، ورغبة صادقة في رؤية أمة عربية متعاونة متكاملة ، ترعى مصالح كل دولة فيها دون مساس بحق أو انتقاص من مكانة . مستشهدا على ذلك من انبثاق الأردن وأساس و جوده وشرعيته ، وأنه مشروع عربي وحدوي أساسه المواطن ،وأن لهذا الشعب فضل الوعي في مواجهة التحديات التي عصفت بالوطن خلال عقود من الزمان . إضافة لقوة المؤسسات ، واتزان الدولة التي استطاعت أن تحقق التوازن بين الواقع والطموح ، بين الضمير والقناعة ، بين مصلحة الشعب وأمنه وحماية الوطن واستمرار الدولة . وهو الذي استطاع أن يحمي الوطن ليبقى شامخا رغم الأمواج المتلاطمة من حوله على الرغم من كونه الأصغر حجما والأقل مواردا ولكنه غني بشعبه وبإنسانه وقيادته ، هذه الثنائية الصادقة هي سر بقاء الدولة واستمرارها ، هو ذلك الحب الذي نبع من بيت أبي الحسين و أكنافه ، ذلك هو بيت المحبة الهاشمي قاده أبو الحسين الأصدق قولا والأرشد حكما والأشجع قيادة والأوفى لشعبه ،بيت رعاه بكل صبر وجلد وتحمل واقتدار ، وحنت عليه أم الحسين تلك الوفية لوطنها وقيادتها ، المحبة لبيتها واسرتها الكبيرة والصغيره ، وهي تعرض قضايا امتها وعدالة انسانيتها تجاهد بالكلمة والرواية المقنعة – لقضية شعب تحمل أقسى الظروف وخاض أصعب المحن – بلغة تصل إلى شعوب العالم ليقفوا أمام ضمائرهم . فكان الحسين ثمرة ذلك الحب ونتاج تلك التربية يتحدث بلغة الواثق المحب لوطن سيحمله بكل أمانة واقتدار وإرث لن يتخلى عنه على مر الدهور والأيام .
وما كانت تلك القناعات لتتحقق لولا قناعة الحسين بأبيه و ايمانه بصدقه ووضوحه ، ولا شك أن الابن هو سر أبيه ، وأن” الابن ينشا على ما كان والده … إن العروق عليها ينبت الشجر …” حينما تحدث عن باطن أبيه وظاهره عن سره وعلانيته ليضرب لنا مثلا شرودا في عالم السياسة البعيد عن الانتهازية والتضليل والتوتر والقرارات المبنية على الانفعال الذي لا يحقق إلا خسارات يكون الشعب والوطن فيه هو الخاسر الأكبر ، وفي ذات الوقت تبقى القناعة هي القناعه ويبقى الضمير هو الضمير ، وتبقى الكلمة الحرة ، والدفاع عن القناعات وعدم كتمان كلمة الحق ، ورعاية مصلحة الشعوب وحقهم في تقرير مصيرهم ، وعيشهم في وطن يسوده الأمن والسلام هي الأساس . ويبقى الوطن وسيادته وحماية أمن مواطنيه من كل ما يعرض وجودهم وسلامتهم وكرامة وطنهم فوق كل اعتبار …. وهذا أساس بناء الثقة في عالم بني على عدم الثقه ، فتوليد الثقة من عقيم الواقع هو التحدي الأكبر في عالم اليوم .
ومن هنا يصوغ سموه معنى فريدا للمواطنه الحديثه والوطنية الكاملة التي لا يصبح فيها الوطني المتشدد أعلى مواطنة من غيره ، ولا ينتقص المعارض المنتمي من مواطنته شيئا . و يبقى الميزان الفاصل بين هذا وذاك هو مقدار ما يحقق كل واحد فيهم من انجاز للوطن وبما يقدم من برامج واقعية قابلة للتطبيق في مختلف القطاعات التعليمية والصحية والاقتصادية وغيرها ،لا أن تكون معارضة عدمية تعارض لاجل المعارضة دون تقديم برامج تسمو بالوطن . وعندها يكون معيار المواطنة المخلصة والانتماء الحقيقي ،هو ما يقدم للوطن ومن أجله ، وهذا ما يحقق تفاعل كافة الأطياف في المجتمع ويضمن مشاركة الجميع في صنع القرار ، ويشعر كل فرد بأهميته وضرورة بنائه للوطن ومن هنا تبدأ دولة الانتاج .
كما أن التعددية التي حبانا الله إياها في الأردن هي مظهر قوة للوطن ولا ينبغي بحال من الأحوال أن تكون سببا للتنازع -لا قدر الله -أو ان تسعى لتعظيم الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة التي تجمع كافة الهويات وتلبسها لباسها الوطني الجميل لتشكل لوحة فسيفسائية جميلة ،وانموذجا يقدم للعالم أجمع ضمن مشروع وطني نهضوي حضاري ومنهج اصلاح اقتصادي وطني يزيد في النمو الاقتصادي ويحقق الاكتفاء ويستثمر كافة الموارد المتاحة ويسعى إلى تعظيم المنفعة وبناء شراكة حقيقية بين القطاع العام والخاص وهذا ما يهيئ البيئة للانتاج والعمل والاكتفاء .
ومن هنا ينطلق الأردن بدبلوماسيه العالية المتجذرة في طبيعة الحكم وما يتمتع به جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والراحل العظيم الحسين بن طلال اضافة إلى الحب المتبادل المبني على صدق اللهجة مع الاشقاء والتطلع إلى العمل بتشاركية وتكامل وتعاون ، ليبدأ البناء العربي بالتكامل المبني على الثقة المتبادلة المستندة إلى ممارسات حقيقية في العمل المشترك البناء والمخلص ، لنجعل من عالمنا العربي عالما أقوى اقتصادا وأكثر انفتاحا وأوسع أسواقا وأعلى استثمارا في موارده البشرية ، وهذا ما سيقودنا إلى الحضور الدولي الأعلى ، وحل أزماتنا السياسية الأكثر تعقيدا والتي تتطلب جهدا عربيا مشتركا لا تستطيع اي دولة – بمفردها – أن تقوم بحله ، وحماية شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني العظيم الذي قاسى وعانى وتحمل ما لا تطيقه الجبال في ظل عجز دولي وأممي ، وتهميش حقوق بوحشية لم يشهد لها التاريخ مثيلا . فالاردن القوي يعني الدفاع عن امته ، والامة العربية المتماسكة والمتكاملة تعني حماية مصالحها وسيادتها وامن مواطنيها
ويبقى الوطن والمواطن هو الاساس في منطلقات الحسين فتعظيم ثروات الاردن الطبيعية والسياحية والتاريخية تتطلب تهيئة البيئة السياحية والمناخ الاستثماري الملائم لالتقاط الفرصة التاريخية وجعل الاردن الوجهة الاكثر اقبالا في السياحة الطبيعية والعلاجية والتاريخية والدينية والاستثمار في التكنلوجيا والعقول البشرية والتدريب المستمر والتاهيل الكفؤ في مختلف القطاعات ، وتعظيم الناتج المحلي الاجمالي والناتج القومي الاجمالي ، ومن هنا يمكننا أن نبدأ بفكرة البناء الوطني ثم ننطلق إلى لتكامل العربي على مختلف المستويات والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة والثروات المتنوعة التي حبانا الله اياها ، لتكون منطلقا للحوار المبني على تحقيق المصالح المشتركة وتبادل المنتوجات الحضارية ، وبناء وطن وعالم عربي متحاب متعاون متكامل ووطن مستقر مزدهر مبشر بغد أفضل للجميع .
أعتقد أن هذه الرؤية ستقود أردننا إلى الارتقاء والتعاون سواء أكان على الصعيد الداخلي أم على الصعيد الخارجي ، كما أن علاقة وليي العهد سمو الامير الحسين وسمو الامير محمد بن سلمان حفظهما الله ورؤيتهما الحديثه ومنهجهما الاصلاحي الحديث يمكن أن يبنى عليه نواة للمشروع العربي المتكامل والنهضة الاقتصادية المرجوه لتحقيق التقدم والازدهار لشعوب المنطقة – باذن الله –
حفظ الله لنا الحسين واطال في عمر سيدنا ابي الحسين القائد الملهم الشجاع وجلالة الملكه المربية الفاضلة وأقول لكم شكرا لكم على حسن التربية والاعداد

قد يعجبك ايضا